د. فاشنا جاجارناث (*)
يتصاعد الآن اليمين المتطرف، وأشكال واضحة من الفاشية السياسية، ليس في الهند فقط، بل في جميع أنحاء الكوكب؛ فقد أنتجت الحرية التي منحت لرأس المال في نهاية الحرب الباردة أزمات اجتماعية عميقة، أنتجت بدورها أشكالاً من السياسات اليمينية والسلطوية التي أصبحت تهدد الديمقراطية.
وتتجلى ترجمة الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية بصعود اليمين في بلدان، مثل أستراليا والمجر و»إسرائيل» والبرازيل وبولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة؛ ففي بوليفيا، قامت عناصر فاشية واضحة في الائتلاف بالاستيلاء على السلطة في الانقلاب الأخير، وفي البرازيل، يمارس «بولسونارو» الدكتاتورية التي تسيطر على البلاد منذ أكثر من 20 عاماً، وهو الفاشي المؤيد الشرس لليمين المتطرف.
وفي الهند، تمكنت قوة فاشية صريحة لا يمكن إنكارها من السيطرة على الدولة، وكان «ناريندرا مودي»، رئيس الوزراء، قد انضم إلى منظمة «راشتريا سوايامسيفاك سانج» المعروفة اختصاراً بــ»RSS”، وهو في الثامنة من عمره، التي تأسست كمنظمة شبه عسكرية هندوسية، في عام 1925م، وكانت تصرح باستلهامها للفاشية الأوروبية التي تضم “أدولف هتلر”، و”بينيتو موسوليني”، ويعتبر “مادهاف ساداشيف جولوالكار” أحد المفكرين البارزين فيها، وهو استئصالي يعبر علناً عن إعجابه بـ”الحل النهائي” لـ”هتلر”.
وقد جذبت منظمة “RSS” المتطرفة أول اهتمام عالمي في عام 1948م، عندما قام أحد مقاتليها باغتيال “المهاتما غاندي”، واليوم ما زالت تواصل الحشد والدعوة للعنف في الشوارع ضد الأقليات، وتعزيز أيديولوجية تستثني غير الهندوس؛ الأمر الذي يهدد المفهوم الواسع للهوية والعلمانية الهندية، وما زال مفكروها يستلهمون “هتلر” بشكل واضح، وغالباً ما يصاب زوار الهند بالصدمة لرؤية نسخ من كتاب “كفاحي” لـ”هتلر” معروضة في شوارع الهند! ومن المفهوم على نطاق واسع أن حزب “بهاراتيا جاناتا (BJP)، الذي أصبح الآن الحزب الحاكم في الهند، هو المولود الشرعي لمنظمة “RSS” المتطرفة.
وكانت القومية الهندوسية اليمينية قد بدأت صعودها إلى السلطة في عام 1992م، بعد أن هاجمت مجموعة غاضبة من المسلحين الهندوس اليمينيين مسجد “بابري” الذي يعود للقرن السادس عشر في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش، ويرجع صعود “مودي” نفسه إلى السلطة أيضاً إلى عنف الغوغاء، ففي عام 2002م تورط “مودي”، الذي كان آنذاك رئيس وزراء ولاية غوجارات، على نطاق واسع في مذابح معادية للمسلمين، قُتل خلالها ما لا يقل عن 2000 طفل وامرأة ورجل، ونزح نحو 200 ألف شخص آخرين؛ ونتيجة لذلك، نفذت المملكة المتحدة والولايات المتحدة حظراً على سفر “مودي” بين عامي 2005 و2014م.
ومنذ ذلك الحين، أصبح عنف الغوغاء، الذي غالباً ما يكون مميتاً، ويتم التحريض عليه وتداوله عبر “WhatsApp”، سمة روتينية للحياة الهندية، فالفاشية ترتكز دائماً على تحالف بين الغوغاء والدولة، ويقوم حزب “بهاراتيا جاناتا” الآن بنشاط محموم بجلب منطق الغوغاء إلى الدولة والقانون.
ففي 11 ديسمبر 2019م، صدر قانون تعديل المواطنة، الذي عدل قانون الجنسية لعام 1955م، في البرلمان؛ وهذا يعني أنه لأول مرة في الهند ما بعد الاستعمار، ستستند معايير المواطنة بفعالية إلى الانتماء الديني، وهذا يغير فعلياً وضع الهند من مجتمع علماني إلى دولة هندوسية، وتمت مقارنة القانون الجديد على نطاق واسع بقوانين “هتلر” في نورمبرج، التي تم سنها في عام 1935م، التي سعت إلى استبعاد اليهود والغجر والسود من الجنسية الألمانية.
ولذلك اندلعت في جميع أنحاء الهند، بالمدن والجامعات، المظاهرات احتجاجاً على القوانين الجديدة، ولكن الدولة تعاملت معها بوحشية متواصلة وأغلقت الإنترنت، ووقع العديد من القتلى، وتم احتجاز الآلاف من الأشخاص من قبل الشرطة التي ما زالت تحتجزهم حالياً، وهذه هي الاحتجاجات الأكبر منذ صعود “مودي” إلى السلطة، وقامت بتوحيد القوى المتباينة في كتلة معادية للفاشية، وتخضع حكومة “مودي” الآن لضغط شعبي كبير.
وهناك إدراك متزايد بأن مزيج “مودي” الذي يمثل القومية الاستبدادية تحت شعار “ترومبيا” (الهند أولاً) مع الرأسمالية المفرطة، سيكون له تأثير مدمر على الأغلبية، وإلى جانب تصاعد العنف الطائفي، والقمع العلني للنظام القضائي، والإغلاق المنهجي للمحاضن الفكرية، كانت هناك أيضاً نكسات اقتصادية كبيرة.
فالبطالة في حكم “مودي” هي الأعلى نسبة منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث وصلت إلى 6.1%، وفي نهاية عام 2019م تباطأ الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الهندي بشكل كبير؛ ما أدى إلى الركود، وهو أمر لم يحدث في الهند منذ عام 1979م، وبالإضافة إلى ذلك، أصيبت الهند بوباء انتحار المزارعين، فنحو 33 مزارعاً ينتحر يومياً في المتوسط نتيجة للديون الثقيلة، وتصنف الهند الآن رابع أسوأ بلد ملوث في العالم، وبها 15 من الــ20 مدينة الأكثر تلوثاً في العالم.
لقد تحولت الهند في عهد “مودي” لشركة كبيرة استفادت منها فئة الأسر الثرية والمليارديرات، وأسرة “أمبانيس” (Ambanis) واحدة من تلك الأسر التي نشأت أثناء حكم “مودي” في ولاية غوجارات، وازدهرت هذه الأسرة في ظل نظام “مودي”، أولاً في ولاية غوجارات نفسها وبعد ذلك على المستوى الوطني، حيث تحتل باستمرار مكانها في أعلى أغنى 10 أسر بالعالم، وبدعم من عائلات مثل “أمبانيس”، المسيطرة على وسائل الإعلام وبوليوود ورياضة الكريكت، فإن “مودي” أصبح قادراً على وضع قواعد لعبته المفضلة التي تدور حول العنف الفاشي.
وتعتبر سياسة “مودي” الفاشية سياسة سامة على الساحة العالمية؛ فهو يدعم بقوة “بنيامين نتنياهو” رئيس وزراء “إسرائيل”، وكذلك “بولسونارو”، رئيس البرازيل، والرئيس الأمريكي “ترمب”، و”بوريس جونسون”، رئيس وزراء بريطانيا، وهؤلاء يبنون معاً دولاً يمينية تربط الشوفينية والسلطوية بالرأسمالية المفرطة، وهذا التحالف الدولي اليميني يقيّد الإمكانات السياسية في البلدان الأقل قوة مثل جنوب أفريقيا، وكان عاملاً مهماً في تمكين الانقلاب الأخير في بوليفيا.
والهندوس في جنوب أفريقيا، مثل الهندوس في أماكن أخرى من العالم، بحاجة إلى التفكير بعمق في مسؤولياتهم الأخلاقية في وقت يتم فيه تنفيذ أعمال عنف فاشية باسم الهندوسية، وكما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كان بعض الهندوس في جنوب أفريقيا متواطئين بشكل مباشر مع ظهور الفاشية في الهند.
ففي يوليو 2016م، استُقبل “مودي” بحماس من قبل الكثيرين في المجتمع الهندي بجنوب أفريقيا، ومن قبل مجموعة تصف نفسها بأنها جنوب أفريقية قامت بالترحيب بالفاشي الذي تتلوث يداه بدم الأبرياء ترحيباً كبيراً.
تقوم الرأسمالية في جميع أنحاء الكوكب بالعمل بشكل محموم على الحفاظ على الدعم الشعبي، من خلال تعبئة أشكال من الشوفينية لتحويل الناس ضد بعضهم بعضاً، وفي العديد من البلدان قد يفضل الناخبون بعض السياسيين الديماجوجيين اليمينيين، لكن الوضع في الهند أسوأ؛ لأن الحزب الحاكم ليس إلا واجهة لمشروع فاشستي علني، مقلق بشكل مريع.
ومن الأهمية بمكان أن نتخذ موقفاً واضحاً في جنوب أفريقيا ضد “مودي” وضد الفاشية الهندوسية، وتضامناً مع آلاف الأشخاص في الهند الذين يحتجون حالياً، وغالباً ما يتعرضون لخطر حقيقي يتمثل في الاعتقال والاعتداء وحتى القتل، من أجل مجتمع ديمقراطي شامل.
فمنذ الحرب الأهلية الإسبانية في ثلاثينيات القرن الماضي، تم استخدام شعار “لا باساران!” (كلمة إسبانية معناها لن يمروا) كشعار معاد للفاشية في جميع أنحاء العالم، ونحتاج إلى أن نوضح لـ”مودي” وممثليه المحليين أننا لن ندع فاشيتهم تمر.
_________________________________________________________
(*) مديرة «عموم أفريقيا اليوم وأصدقاء العمال»، ونائب الأمين العام لحزب العمال الاشتراكي، وكبيرة الباحثين بمركز التغيير الاجتماعي بجامعة جوهانسبرج.
المصدر: Daily Maverick.