في وقت كان يُنتظر فيه أن يعيد حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي النظر في سياسته التعسفية، وممارسة الاضطهاد بحق المسلمين في الهند (وهم أكبر أقلية دينية حيث يصل عددهم نحو 300 مليون نسمة)، وأن يعيد رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» النظر في منطق التصعيد في المنطقة، ويتراجع عن مزيد من التدابير العقابية والتصعيدية ضد المسلمين في الهند وكشمير؛ واصل رئيس الوزراء سياسته دون اكتراث بمطالب المجتمع الدولي بالكف عن سياسة اللعب بالنار.
في أحدث تطورات التصعيد، أصدر البرلمان الهندي، في 12 ديسمبر 2019م، قانوناً جديداً يعد من أخطر القوانين التمييزية ضد المسلمين في الهند؛ حيث يحرض على الفتنة العرقية والدينية في المنطقة، وصادق عليه الرئيس الهندي دون تردد؛ لأن مصلحة الجميع هي العداء للإسلام والمسلمين في الهند.
فقد حوّل القانون الجديد المسلمين في الهند إلى سكان من الدرجة الثانية والثالثة، وجعل الأقليات الدينية جميعها تتمتع بجميع حقوق المواطنة، بمن فيهم السيخ والمسيحيون والبوذيون، ما عدا المسلمين؛ فقد حرمهم من تلك الحقوق، ويأتي هذا القانون الجديد بعد قرار المحكمة العليا الهندية، في نوفمبر 2019م، بإنهاء أحقية مسلمي الهند في مسجد «بابري» التاريخي، وأعلنت أنه ملك للهندوس.
وقد تزامنت هذه القرارات والقوانين مع حرمان مسلمي كشمير من حقهم في المطالبة بتقرير مصير الإقليم وإعلان استقلاله، واعتبرت الحكومة الهندية المتشددة مطالبهم غير شرعية، وصنفتهم متمردين على القانون.
قانون التجنيس الجديد
وقد أعلنت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي سلسلة من القرارات والقوانين منذ فوز «مودي» بولايته الثانية صيف عام 2019م، الذي شرع في تنفيذ وعوده المتطرفة للجماعات الهندوسية الرافضة لبقاء المسلمين في الهند أحراراً، وكان أحدث قانون وافقت عليه الحكومة وصادق عليه البرلمان ووقّع عليه الرئيس قانون التجنيس.
واحتوى هذا القانون على ما يلي:
– السماح للأقليات الدينية -باستثناء المسلمة- بالتمتع بالجنسية الهندية والحصول عليها، وبموجب القانون فقد سمح للهندوس من مختلف الانتماءات والسيخ والمسيحيين واليهود والوثنيين والبوذيين وغيرهم من الأقليات الدينية الموجودة بالهند بالحصول على الجنسية، ومنع منها فقط الأقلية المسلمة.
– يمنع القانون المسلمين في الهند أو من يُسمون بـ»البدون» -أي الذين يعيشون مند عقود في الهند دون أن يحملوا الجنسية، وتحديداً المسلمين- من التمتع بالجنسية، وأنهم سينظر إليهم بعد هذه التعديلات على أنهم سكان أجانب عليهم مغادرة الهند فوراً، وبموجب هذا القانون سيجد ملايين المسلمين أنفسهم سكاناً غير شرعيين وخارجين عن القانون، وسيتم طردهم من الهند رغم أنهم عاشوا أباً عن جد في هذه البلاد.
– ينص القانون على أن غالبية المسلمين في الهند -نحو 300 مليون نسمة- سيكونون أشخاصاً متهمين ومشكوكاً في ولائهم ما داموا مسلمين، وسيتم إعادة النظر فيهم على أساس أن ولاءهم الديني يجعلهم أقرب إلى باكستان المسلمة وليس إلى الهند الهندوسية؛ وبناء على ذلك سيكونون مواطنين غير شرعيين إن استمروا في التمسك بعقيدتهم.
وكان عشرات الآلاف من المسلمين في مناطق هندية مختلفة نزلوا إلى الشوارع احتجاجاً على هذه الإجراءات التعسفية والتمييزية التي ستقسم البلاد إلى هنود شرعيين وآخرين خارجين عن القانون، ولم يحتج المسلمون وحدهم ضد هذا القانون المعيب، بل تعاطف معهم حتى الهندوس والسيخ والبوذيون والمسيحيون، وشاركوا معهم في الاحتجاجات، كون هذا القانون سيحول الهند إلى دولة متطرفة دينياً، ولا تحترم الأقليات.
ويرى المحتجون أن هذا القانون سيمزق اللحمة الوطنية، وسيُدخل البلاد في صراعات طائفية؛ لأن مواجهة 300 مليون مسلم ليس بالأمر الهين، وسيعرض الدولة لخطر كبير لا يفكر في عواقبه اليوم حزب بهاراتيا جاناتا و»مودي».
وكانت الاضطرابات التي انفجرت بعد صدور القانون قد عزلت الهند عن العالم الخارجي، وألغى بعدها العشرات من رؤساء الدول والوفود الأجنبية زياراتهم بعد أن وصلت الاحتجاجات إلى العاصمة الهندية دلهي.
ويعيش في العاصمة بضعة ملايين من المسلمين، قرروا قيادة الاحتجاجات رفضاً للقانون، وهددوا بخطر التقسيم إن أصرت الحكومة على تمييز المسلمين عن الأقليات الأخرى، والتعامل معهم كأقلية غير مشروعة.
وأصدرت حكومة «مودي»، في عام 2018م، سلسلة من القوانين لتضييق الخناق على المسلمين والمسيحيين، أبرزها إصدار قوانين تضيّق الخناق على بناء المزيد من المساجد والكنائس والمدارس الدينية، وقوانين جديدة لتنظيم الأسرة، وقانون التجنيس، كما أصدرت قانوناً جديداً يعتبر تناول لحوم البقر جريمة يعاقب عليها القانون، ويقبض من يقوم بذبح البقر وبيع لحومها.
لكن الملاحظ في قانون التجنيس، أن الحكومة استثنت المسيحيين حتى لا تُغضب الغرب المسيحي، واستثنت حتى البوذيين والسيخ والوثنيين، وأبقت المسلمين هدفاً رئيساً لها؛ الأمر الذي يضع باكستان في خطر كبير إن تم طردهم من الهند؛ حيث ستكون باكستان هي ملاذهم الوحيد.