مع كل عام جديد يسارع الإنسان إلى تجديد آماله التي يسعى إلى تحقيقها خلال العام الجديد، لكن هذه الآمال بلا شك تقابلها تحديات، هكذا الحال فيما يخص الأقليات المسلمة حول العالم، يبدؤون كل عام جديد بخطط وأهداف جديدة، لكن هذه الأهداف قد تواجه عقبات وتحديات.
مسلمو الهند.. تحديات تتضاعف
ودع مسلمو الهند عام 2019م وهم في ساحات الشوارع يحتجون على قانون الجنسية الجديد الذي ينص على منح الجنسية الهندية لمن وصفتهم الحكومة الهندية بالمضطهدين من أقليات دينية غير مسلمة، هي: «الهندوسية، والسيخ، والبوذية، والمسيحية، والجينية، والزرادشتية»، على شرط أن يكونوا من دول الجوار المسلمة الثلاث دون غيرها، وهي باكستان وأفغانستان وبنجلاديش، لكن القانون الذي يبدو في ظاهره إنسانياً، هو في حقيقة الأمر تمييزي يؤسس لتهميش المسلمين، ونزع الشرعية عن مواطنتهم إذا تم ربطه بقانون السجل القومي للمواطنين كما حدث في ولاية آسام.
ويبدو أن بداية العام الجديد (2020م) لم تكن أحسن حالاً على المسلمين من سابقه، إذ رفضت المحكمة العليا مؤخراً الدعاوى القضائية المطالبة بإلغاء قانون الجنسية الجديد (CAA)، أو حتى تعليق العمل به، كما أن وزير الداخلية “أميت شاه”، قبل أيام، وأمام حشد هندوسي مؤيد للقانون، وفي تحدٍّ واضح لكل رافضي القانون، قال: “لن نتراجع مهما تفعلون”.
وعن أبرز التحديات التي تواجه مسلمي الهند، يقول عبدالمبين سبحاني، رئيس المركز الثقافي العربي – الهندي في نيودلهي، في تصريحات لـ»المجتمع»: إن معاناة المسلمين في الهند لم تتوقف منذ تحرير البلاد من الاستعمار البريطاني، فكثيراً ما دأبت الحكومات المتعاقبة على تهميش وإقصاء المسلمين، وهو ما تسبب في إقصاء وتغييب المسلمين عن المناصب المهمة، وحرمان كثيرين منهم من الدعم الحكومي (الإداري والمصرفي) في كافة مجالات الصحة والتعليم والتجارة والصناعة.
على سبيل المثال؛ في الخدمات التعليمية، نجد أنه من الصعب أن يحصل مسلمو الهند على مقاعد دراسية ودعم حكومي مثل غيرهم؛ وهو ما كانت له آثار كارثية على وضع المسلمين التعليمي في عموم الهند؛ بحيث تخلفت أجيالهم، وكذلك الحال في الخدمات الصحية، وحتى البنى التحتية، فالمناطق التي تسكنها أغلبية مسلمة لا يخفى على أحد كيف تفتقر إلى أبسط الخدمات والبنى التحتية.
أما عن تحديات العام الجديد، يضيف سبحاني: لا يخفى على أحد مساعي منظمة «RSS” الهندوسية، وحزب “بهاراتيا جاناتا” (BJP)، تأسيس الدولة الهندوسية، وفي سبيل ذلك لا يألون جهداً في إقصاء المسلمين والقوميات الأخرى، فوجدنا إلغاء الحكم الذاتي لولاية “جامو وكشمير” ذات الأغلبية المسلمة في أغسطس 2019م، ثم القائمة النهائية للسجل القومي للمواطنين في ولاية آسام، التي شملت 1.9 مليون شخص تم استبعادهم من المواطنة بواقع 1.5 مليون غير مسلم، وهؤلاء سيتم منحهم الجنسية مجدداً بموجب قانون الجنسية الجديد، أما الـ400 ألف الآخرون وهم من المسلمين فينتظرون إما الترحيل أو النقل إلى معسكرات إيواء؛ وبالتالي حرمانهم من ممتلكاتهم وحقوق المواطنة.
ويختتم سبحاني بقوله: إن الحكومة الهندية أعلنت مؤخراً البدء في أولى خطوات سجل المواطنين في عموم البلاد “NPR” اعتباراً من أبريل 2020م، تمهيداً لتطبيق السجل القومي للمواطنين (NCR) الذي جرى العمل به في ولاية آسام؛ وبالتالي ننتظر تجريد ملايين المسلمين من المواطنة مجدداً، وهو ما سيترتب عليه تحويل المسلمين المستبعدين من مواطنين إلى لاجئين في وطنهم، وتجريدهم من حقوق المواطنة بنزع ممتلكاتهم، وحرمان أطفالهم من الخدمات التعليمية والصحية، ومنعهم من التصويت في الانتخابات.
أفريقيا الوسطى.. عودة من الشتات
لا تزال المأساة التي مر بها مسلمو أفريقيا الوسطى في عامي 2013 و2014م -المتمثلة في الحرب الطائفية التي دمرت أواصر المجتمع بشقيه المسلم- تلقي بظلالها وآثارها على واقع المسلمين، إذ كانوا هم الضحايا، ولا يزال الكثيرون منهم في مخيمات الشتات بدول الجوار، ولا تزال أنقاض المساجد التي هدمت شاهدة على ما حل بمسلمي هذا البلد.
يقول زكريا يونس، داعية وناشط اجتماعي: إن قضية عودة اللاجئين والنازحين المهجرين في دول الجوار أو بمناطق أخرى من البلاد، تعد من أهم الآمال التي يتطلع لها المسلمون، لكن كيف ومتى ستكون هذه العودة التي تعد من أهم التحديات التي تواجه المسلمين في أفريقيا الوسطى؟
إبان الصراع، لجأ كثير من المسلمين -يقدر عددهم بنحو 400 ألف مسلم- إلى دول الجوار، كما نزح كثيرون إلى مناطق أخرى داخل أفريقيا الوسطى، فهؤلاء تم هدم منازلهم بشكل كامل وأصبحت أثراً بعد عين، فأصبحوا بلا بيوت يرجعون إليها أو مدارس تؤوي أولادهم أو مستشفيات يلقون فيها رعاية صحية، كما كان هناك تحدٍّ واضح يتمثل في التضييق على المسلمين في الجنسية والمواطنة، لكن الرئيس الحالي «فاوستن أركانج تواديرا» يجري إصلاحات قانونية ودستورية لصالح المسلمين، بالإضافة إلى أن الخلاف على انتخاب رئيس للجمعية الإسلامية أدى إلى تعطيل كثير من المصالح التي كانت ستصب في تنمية المجتمع، ولدينا جمعية عمومية خلال الأشهر المقبلة لاختيار رئيس جديد، ونأمل أن تحل هذه المشكلة ليتفرغ الناس لخدمة المجتمع.
وخلال ديسمبر 2019م، صدق البرلمان على قانون رسمي بإقرار عيدي الفطر والأضحى عطلة رسمية في البلاد، كما فتح الباب أمام المسلمين للمشاركة في الوزارات والدوائر الحكومية، وهو ما يفتح الباب أيضاً إلى آمال كثيرة للمسلمين.
وعن آمال المسلمين، يقول يونس: نأمل أن تحل قضايا المسلمين المتبقية بعودة المهجرين، وأن يتم حل الصراعات بين المسلمين في الشمال، كما نسعى إلى حصول أفريقيا الوسطى على عضوية منظمة التعاون الإسلامي، وأن تكون هناك زيارة ميدانية لأعضاء المنظمات الإسلامية، وإعادة بناء المساجد والمدارس والمستشفيات.
أوغندا.. خلافات وفقر
ومن أوغندا، يقول د. هارون جمبا، محاضر في جامعة ماكيريري، والأمين العام لجمعية المدارس القرآنية: من أهم التحديات التي تواجه المسلمين في أوغندا الخلافات بين المسلمين ومؤسساتهم؛ ما يتسبب في زرع الشقاق بين شرائح المسلمين عامة، بالإضافة إلى تدني مستوى التعليم في المدارس الإسلامية بسبب سحب الدعم الحكومي منها، والفقر الذي يُغرق كثيراً من شرائح المسلمين، وضعف المساعدات التي تقدمها الدول العربية والإسلامية؛ ما تسبب في توقف كثير من المشاريع لدى الجمعيات الخيرية المسلمة.
ويضيف جمبا: وبموجب هذه التحديات، فإن أهدافنا تتمثل في حلها بالعمل على توحيد الصف الإسلامي ونبذ الخلافات في المجالس الإسلامية بالبلاد، كما نعمل مع الجمعيات والمؤسسات الأخرى على تحسين دخل الفرد من المسلمين من خلال التمويل الإسلامي، ونسعى إلى توحيد مناهج التعليم الإسلامي في جميع المدارس والمعاهد الإسلامية، أما في العمل العام فنهدف إلى ترشيح عدد كبير من المسلمين للمشاركة في الانتخابات العامة المزمع عقدها في نهاية عام 2020م، بجانب العمل على تخفيف المعاناة التي تواجه المسلمين من قبل الحكومة.
روسيا.. أصالة الهوية
يتسع الوجود الإسلامي في روسيا وتتنوع الآمال والأهداف، ولمنطقة «حوض الفولكا» خصوصية لدى مسلمي روسيا لوجود القومية التتارية في هذه المنطقة.
يقول د. نضال الحيح، نائب مفتي حوض الفولكا في العلاقات الخارجية: من أهم أهداف المسلمين في هذه المنطقة الاهتمام بالتعليم الديني كرافد للكوادر العاملة في مجال الدعوة والعمل الإسلامي بشكل عام من أئمة وخطباء، حتى إن المؤتمرات والفعاليات التي أقيمت مؤخراً تؤكد هذا الأمر، لا سيما مع وجود نقص كبير في الكادر الدعوي المؤهل علمياً من أبناء المنطقة.
ويضيف الحيح أن هناك تحضيرات للاحتفالية الكبرى بمناسبة مرور 1100 عام على دخول الإسلام في منطقة حوض الفولكا، وهو التاريخ الذي يصادف 22 مايو 922م، عندما قدم وفد الخلافة العباسية إلى منطقة البلغار في حوض الفولكا، واعتنق أهل المنطقة الإسلام بصفة رسمية، وهو حدث مهم جداً لمسلمي المنطقة، يعبر عن أصالة الهوية الإسلامية لهم ولهذه الأرض، لا سيما في ظل تصريحات من قبل البعض تقلل من شأن المسلمين وتصفهم بالعنصر الطارئ على المنطقة.