في منظور الفلسطينيين، فإن القدس الشرقية هي البلدة القديمة و16 حياً في محيطها، ولكنها ليست كذلك في خطة “صفقة القرن” المزعومة التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
فالخطة الأمريكية وضعت القدس القديمة و14 حياً فلسطينياً في محيطها، ضمن ما أسمته “العاصمة الموحدة لإسرائيل”، ومنحت الفلسطينيين عاصمة في حيّين وبلدة قريبة.
وتُرسخ الخطة الأمريكية جدار الفصل الذي أقامته “إسرائيل” عام 2002 على أراضي القدس الشرقية، حدوداً لعاصمة “إسرائيل” سوياً مع القدس الغربية.
وجاء في نص الخطة الأمريكية، بحسب ترجمة خاصة لوكالة “الأناضول”: “في حين يجب تجنب التقسيم المادي للمدينة، يوجد حالياً حاجز أمني لا يتبع الحدود البلدية (تقصد جدار الفصل)، ويفصل بالفعل الأحياء العربية (أي كفر عقب، والجزء الشرقي من شعفاط) في القدس عن بقية الأحياء في المدينة؛ يجب أن يظل هذا الحاجز المادي في مكانه، وينبغي أن يكون بمثابة حدود بين عاصمتي الطرفين”.
وأضافت: “ستظل القدس عاصمة دولة “إسرائيل”، وينبغي أن تظل مدينة غير مقسمة، فيما يجب أن تكون عاصمة دولة فلسطين ذات السيادة في جميع المناطق الواقعة شرق وشمال الجدار الأمني الحالي، بما في ذلك كفر عقب والجزء الشرقي من شعفاط وأبو ديس، ويمكن تسميتها باسم القدس أو أي اسم تحدده دولة فلسطين”.
وشكلت الخطة الأمريكية صدمة للفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية بشكل خاص، والفلسطينيين بشكل عام، ما دفع القيادة والفصائل الفلسطينية إلى الإجماع على رفضها.
القدس التي نعرفها
فادي الهدمي، وزير شؤون القدس بالحكومة الفلسطينية، يقول: إن القدس التي يعرفها الفلسطينيون ولا يرضون عنها بديلاً كعاصمة لهم، هي الأرض التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967، وهي البلدة القديمة من المدينة والأحياء الفلسطينية منها.
وأضاف الهدمي لـ”الأناضول”: ما تتضمنه الخطة الأمريكية مرفوض، لأنها تجعل من كل القدس الشرقية تقريباً عاصمة لـ”إسرائيل”، فضلاً عن البنود المجحفة الأخرى المنحازة لـ”إسرائيل” بالكامل.
وتابع الوزير: الخطة الأمريكية أعطت “إسرائيل” كل القدس الشرقية، بما فيها الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية، ولا يوجد فلسطيني أو عربي أو مسلم يقبل بمثل هذا الطرح.
ويقع حي كفر عقب شمالي القدس الشرقية، ويفصله جدار الفصل الإسرائيلي وحاجز قلنديا العسكري عن المدينة، ويجعله أكثر ارتباطاً بمدينة رام الله.
وبسبب ارتفاع ثمن المساكن في الأحياء الفلسطينية من المدينة نتيجة القيود الإسرائيلية، فإن عشرات آلاف الفلسطينيين من حملة الهوية المقدسية انتقلوا في السنوات الماضية للسكن في هذا الحي، الذي تعتبر المساكن فيه زهيدة مقارنة مع باقي الأحياء في المدينة.
وفي السنوات الأخيرة الماضية، تحوّل الحي إلى ما يشبه “العشوائيات”، حيث ترتفع البنايات غير المنظمة، دون بنية تحتية ملائمة.
أما مخيم شعفاط، فهو المخيم الوحيد للاجئين في مدينة القدس الشرقية، وأُقيم عام 1965، وحتى ما قبل سنوات، كانت الغالبية من سكانه من اللاجئين حملة الهوية المقدسية.
لكن جدار الفصل الذي أقامته “إسرائيل” عام 2002، وحاجز عسكري إسرائيلي، عزل المخيم عن باقي أنحاء القدس الشرقية.
وتكتظ الأبنية في المخيم ذي الكثافة السكانية المرتفعة، دون بنى تحتية ملائمة.
وأمّا بلدة أبو ديس، فتقع إلى الشرق من القدس الشرقية، وهي مصنفة إسرائيلياً كجزء من الضفة الغربية، رغم أنها جزء من محافظة القدس فلسطينياً.
وفي العام 2002، عزل جدار الفصل الإسرائيلي البلدة (تبعد كيلومترين عن الأقصى) عن المدينة، وجعل الوصول منها إلى القدس يتطلب السفر عشرات الكيلومترات.
وما يجمع هذه الأحياء هو أن جدار الفصل الإسرائيلي، يعزلها عن القدس الشرقية فضلاً عن صغر مساحتها.
وتقع الأحياء في مناطق ثلاث منفصلة بدون تواصل جغرافي، وتفصلها مناطق ستقع تحت السيطرة الإسرائيلية بحسب الخطة الأمريكية.
أما الأحياء التي تنص الخطة على ضمها إلى “إسرائيل” لتصبح عاصمتها، فهي إضافة إلى البلدة القديمة، بيت حنينا، شعفاط، العيساوية، الطور، الصوانة، واد الجوز، الشيخ جراح، سلوان، الثوري، رأس العامود، جبل المُكبر، صور باهر، أم طوبا وبيت صفافا.
لا تصلح كعاصمة
ويؤكد خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية بالقدس، أن المناطق الواردة في خطة “صفقة القرن” لا تصلح كـ”عاصمة”.
ويقول التفكجي، لوكالة “الأناضول”: فضلاً عن الرفض السياسي، فإن أبو ديس وكفر عقب ومخيم شعفاط لا تصلح لأن تكون عاصمة.
ويضيف: أبو ديس محاطة بمستوطنة (معاليه أدوميم) من الشرق، وبالجدار من ناحيتها الغربية والشمالية، فيما أن هناك ودياناً عميقة في جهتها الجنوبية.
ويتابع التفكجي: أما كفر عقب، فإن الجدار يعزلها عن القدس الشرقية ويجعلها مرتبطة بمحافظة رام الله والبيرة، في حين أن مخيم شعفاط معزول عن القدس بالجدار ويرتبط بالضفة الغربية من خلال أحياء ملاصقة مثل عناتا.
ويوضح المسؤول الفلسطيني أن العاصمة تكون عادة مرتبطة تاريخيا بالشعب، وهو الأمر الذي لا ينطبق إلا على القدس الشرقية.
ويضيف: حتى من الناحية الجغرافية، فإن أي عاصمة يجب أن تتوفر فيها مقومات العاصمة، مثل المساحات لإقامة مؤسسات الحكومة والرئاسة والبرلمان، وهذا لا يتوفر إطلاقاً في المناطق التي تقترحها الخطة الأمريكية كعاصمة مزعومة.
مصير مجهول
واستناداً إلى معطيات فلسطينية، يبلغ عدد سكان القدس الشرقية من حاملي الهوية الإسرائيلية بين 320 – 330 ألف نسمة، بينهم 120-140 ألف نسمة يقيمون في الأحياء المعزولة بالجدار.
ويقول زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية: إن اقتراح أبو ديس وكفر عقب ومخيم شعفاط كعاصمة، يعني أن مصير 120-140 ألف فلسطيني مقدسي في هذه المناطق سيكون مجهولاً.
ويضيف الحموري في حوار خاص لـ”الأناضول”: فمثلاً، هل سيسمح لهم بالدخول إلى المنطقة التي تنص الخطة الأمريكية على ضمها إلى “إسرائيل”؟ هل سيحتاجون إلى تصاريح من أجل الوصول إلى المسجد الأقصى؟
وتقول الخطة الأمريكية: إن على السكان الفلسطينيين في عاصمة “إسرائيل”، القدس، اختيار واحد من ثلاثة خيارات: أن يصبحوا مواطني دولة “إسرائيل”، أو أن يصبحوا مواطني دولة فلسطين، أو الاحتفاظ بمكانتهم الدائمة الحالية.
ويكشف الحموري: من الواضح أن هذه الخطة تأتي لتكلل السياسات التي نفذتها “إسرائيل” على مدى سنوات، وهي تقليل عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية، توطئة لضمها بأقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين، وبالمقابل زيادة عدد المستوطنين من خلال البناء الاستيطاني داخل القدس الشرقية، وضم مستوطنات إسرائيلية إليها.
ويبيّن: طبقاً للمخطط الأمريكي، فإنه سيكون للفلسطينيين في أفضل الأحوال عاصمة في رام الله من خلال ربط كفر عقب مع المدينة، وهذا بطبيعة الحال مرفوض بالمطلق.
ويتابع الحموري: ما جاء في الخطة الأمريكية بشكل عام، وبشأن القدس، بشكل خاص، هو أسوأ من الكابوس.