نرحب بكم في هذا اللقاء الذي تحتفي فيه «المجتمع» بمرور نصف قرن من عمرها، ونود في البداية أن نعرف منكم ماذا كانت تمثل «المجتمع» لـ د. محمد البصيري وقت إنشائها، قبل أن يكون ذلك الكاتب المعروف، ورئيس تحرير المجلة بعد ذلك؟
– أولاً شكراً لكم على الاستضافة، وحياكم الله في بيتكم ومحلكم، ونبارك لكم «اليوبيل الذهبي»، بمرور خمسين عاماً على صدور العدد الأول من المجلة، ذات العنوان البارز بأنها مجلة المسلمين في كل أنحاء العالم، وهي بحق تمثل المسلمين في كل أنحاء العالم، ومجلة «المجتمع» تمثل لي مورداً ثقافياً وعلمياً كبيراً، خصوصاً في بدايات اطلاعاتي وقراءاتي، وخصوصاً أن توجهي كان بفضل الله تعالى توجهاً إسلامياً، لذا كانت المجلة أحد الروافد الثقافية والعلمية بالنسبة لي في بداية حياتي.
وكانت المجلة أحد المصادر الرئيسة لتتبع أخبار العالم الإسلامي، وكل ما يجري على الساحة العربية والإسلامية، وما تعانيه الدول الإسلامية من أحداث مختلفة، وكانت بدايتي مع مجلة “المجتمع” عندما تخرجت في الجامعة عام 1982م، فعندما صدرت المجلة في عام 1970م كنت طالباً في المرحلة الثانوية.
في تلك الفترة، لم يكن طالب العلم يهتم بالمجلات أو الاطلاع عليها بقدر اهتمامه بالدراسة والتحصيل العلمي، ولكن بعد التخرج في الثانوية والدراسة الجامعية كنت أقرأ المجلة باهتمام كبير، وأتتبع صدورها كقارئ متتبع لأحوال العالم الإسلامي والمسلمين في كل أنحاء العالم، إلى أن تخرجت في عام 1982م، ورجعت، وأنشئ فرع جمعية الإصلاح الاجتماعي في محافظة الجهراء، في عام 1982م، وكان لي نصيب أن أكون أول رئيس لفرع جمعية الإصلاح الاجتماعي في محافظة الجهراء، ومنذ ذاك الوقت أصبحت من ضمن الجهات التي يجب عليها أن تتابع وتشارك في إصدار هذه المجلة ومحتواها.
في ذاك الوقت وأنتم في جمعية الإصلاح فرع محافظة الجهراء، هل كنتم تحرصون على توزيع «المجتمع» حتى يتعرف الناس على أخبار وأحوال العالم الإسلامي؟
– في ذاك الوقت، كان لدينا نشرات خاصة بالفرع، وكنا نضع في تلك النشرات مقتطفات مما يتم نشره في «المجتمع»، وكنا نقوم بتوزيع هذه النشرات على البيوت مجاناً، وفي الوقت نفسه كنا حريصين على أن تكون المجلة متوافرة بالمساجد التي بها حلقات للشباب المهتمين بالشأن الإسلامي والدعوي والعمل الخيري وغيره، وكان لمجلة «المجتمع» نقاط توزيع جيدة، وكان هناك إقبال على اقتنائها وقراءتها، ومن مناطق التوزيع النشطة للمجلة في مرحلة الثمانينيات وبداية التسعينيات كانت محافظة الجهراء، حيث كان يوجد بها نسبة كبيرة من القراء والمتابعين للمجلة، ولله الحمد.
ما أبرز الأبواب التي كانت تتناولها «المجتمع» في ذاك الوقت؟
– في مرحلة ما من الثمانينيات، بعد أن تم حل مجلس الأمة عام 1985م، كانت هناك رقابة مشددة على الصحافة كلها، بما فيها كل الصحف اليومية، والمجلات الأسبوعية، ومن ضمنها مجلة «المجتمع»، وكانت الرقابة شديدة، حيث كان هناك رقيب يتابع كل صغيرة وكبيرة، في الصحف اليومية، وفي بعض الأحيان كان الرقيب يداوم في الصحيفة أو المجلة لكي يتتبعها موضوعاً موضوعاً، وفقرة فقرة؛ ولذلك كانت الأمور والأجواء العامة لا يوجد بها حرية صحفية أو إعلامية منطلقة، مثلما حدث في التسعينيات، وما بعدها عندما عادت الحياة الديمقراطية والدستورية للكويت.
وفي ذاك الوقت كانت المواضيع المحلية هي الطاغية على “المجتمع”، وضرورة عودة الحرية والديمقراطية، والحرية الصحفية للإعلام الكويتي، ومن ثمّ أيضاً شأن العالم الإسلامي، وقضايا المسلمين في كل أنحاء العالم، فكانت المجلة تأخذ الجانب المحلي والدولي والعالمي، ولكن الاهتمام بالجانب المحلي كان أكثر في ذاك الوقت.
أما فترة التسعينيات، فقد اختلفت الاهتمامات، وأصبح الاهتمام بالجانب العالمي أكثر من الاهتمام بالجانب المحلي.
في 2 أغسطس 1990م، تعرضت الكويت للغزو العراقي الغاشم، وتوقفت الحياة كثيراً بالكويت في كل المجالات تقريباً، وكانت «المجتمع» من ضمن المطبوعات التي تم وقفها، ولكنها واصلت الإصدار في مكان خارج البلاد، وكان لكم دور في هذا الأمر، حبذا لو تطلعنا على ذلك؟
– في ذاك الوقت -أغسطس 1990م- هذا التاريخ التعيس الذي حدث فيه الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، حينها كنت أدرس في بريطانيا، حيث كنت أحضّر لرسالة الدكتوراه، واستمر بقاؤنا في لندن طوال فترة الاحتلال كاملة (7 أشهر)، وفي تلك الفترة توقفت مجلة «المجتمع» عن الصدور في الكويت، وتحوّل مدير تحريرها في ذاك الوقت الأخ أحمد منصور، ومجموعة من الإخوة الذين كان لهم اهتمام إعلامي إلى لندن، وكنتُ موجوداً معهم، ومن ثم قمنا بإصدار صحيفة وأطلقنا عليها اسم «المرابطون» في لندن، وكان يترأس تحريرها د. ناصر الصانع، ومدير التحرير الأستاذ أحمد منصور، وكنتُ أحد كتَّاب هذه الصحيفة، إلى أن توقفت بعد التحرير، منذ تلك اللحظة بدأتُ أكتب بشكل رسمي في «المجتمع»، بعد التحرير.
أما قبل ذلك فكانت لي بعض الكتابات في بعض الصحف الكويتية، مثل صحيفة “الوطن”، و”الأنباء”، مقالات أسبوعية في فترة من الفترات.
في عام 1992م، قررتَ خوض انتخابات مجلس الأمة، وتم اختيارك لرئاسة تحرير «المجتمع»، كيف كانت هذه النقلة من كاتب إلى رئيس تحرير؟
– في فترة الثمانينيات، وبالتحديد منذ العام 1979م إلى عام 1992م، كان د. إسماعيل الشطي هو رئيس تحرير مجلة «المجتمع»، وفي عام 1992م خاض د. إسماعيل الانتخابات في دائرة مشرف وبيان، وأنا كنت في دائرة الجهراء القديمة، ويسَّر الله سبحانه وتعالى للدكتور إسماعيل ونجح في الانتخابات، ودخل مجلس الأمة، وأنا لم يحالفني الحظ، فاعتذر للعم أبي بدر يرحمه الله، وأخبره بعدم قدرته على الاستمرار في رئاسة تحرير «المجتمع»، وطلب منه البحث عن شخص آخر يقوم برئاسة التحرير، فقام العم أبو بدر بترشيحي لهذا المنصب، واتصل بي، وأخبرني بأنه تم اختياري لتولي منصب رئاسة تحرير مجلة «المجتمع»، خلفاً للدكتور إسماعيل الشطي، وأنه يأمل أن أقوم بإكمال المسيرة.
وكان العم أبو بدر بالنسبة لنا -نحن شباب جمعية الإصلاح الاجتماعي- بمثابة الأب الروحي، وكان في حكم الوالد الذي لا يمكن أن نعصي له أمراً، لذا رحّبت ووافقت بتولي رئاسة التحرير في المجلة، وبفضل الله تيسّرت الأمور، وتوليت هذه المسؤولية منذ العام 1992م.
تغيّر النهج من كاتب إلى رئيس تحرير، ما الصعوبات التي واجهتك في هذه المرحلة؟
– لا شك أن الإخوة الذين تولوا رئاسة تحرير «المجتمع» قبلنا وضعوا اللبنات الأساسية، والهيكل التنظيمي، والإداري، والمالي، والتحريري للمجلة، ونحن تولينا رئاسة التحرير والمجلة قائمة بذاتها، وقد بدأنا من حيث انتهى من قبلنا، ولذلك فالإخوة إسماعيل الشطي، وبدر القصار، ومشاري البداح يرحمه الله، وكل من سبقونا كانت لهم بصمات واضحة، في المجلة، ونحن بفضل الله أكملنا المسيرة.
ولا شك أن المجلة في بداياتها وخصوصاً في حقبة الثمانينيات، -التي أشرنا إلى الظروف التي مرت بها سلفاً- كانت الظروف أصعب على رؤساء التحرير الذين سبقوني في المجلة، أما في العام 1992م فقد عادت الحياة البرلمانية والديمقراطية، وبدأت الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، من حيث حرية الصحافة والرأي والكتابة، وفي تلك الفترة تم إلغاء وظيفة الرقيب الإعلامي، الذي كان يراقب الصحف والمجلات، وصدر بعد ذلك قانون المطبوعات والصحافة، وكان فيه سعة للكُتَّاب والصحفيين، وتم وضع الخطوط العريضة لما هو مسموح به وما هو غير مسموح، وأصبحت مهمتنا أسهل بكثير من مهمة من سبقونا.
ولكن هذه الحقبة التي واكبتها كان لها إيجابياتها وسلبياتها، فإن كان باب الحرية قد اتسع على مصراعيه، فإن التنافس كان على أشدّه بين الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية، وكان يتم تغطية جلسات مجلس الأمة، في ظل متابعة الناس لمجريات الأمور داخل المجلس، وواكب ذلك انفتاح إعلامي كبير سواء في الإذاعة أو التلفزيون، وبالتالي سحب هذا التنافس والتعدد في وسائل الإعلام شريحة من قرَّاء ومتابعي مجلة “المجتمع”؛ لذا كان لا بد من مواكبة هذه الأحداث بالتطور المستمر، وتجديد الفكر، ومجاراة التغيرات التي تتطور يوماً بعد يوم، حتى يكون للمجلة مساحة بين القراء والمتابعين.
كانت هذه أبرز التحديات التي واجهتنا في ذاك الوقت، لذا حاولنا أن نصل إلى أكبر شريحة ممكنة من خلال التعاون مع بعض الصحف اليومية واسعة الانتشار.
وأذكر أننا قمنا بتوقيع عقد مع صحيفة “الوطن” لطباعة المجلة مع إعلان أسبوعي، بالإضافة إلى توزيع المجلة على المشتركين في صحيفة “الوطن”، وما كنا لنصل لتلك الشريحة لولا هذه الاتفاقية وهذا التعاون مع صحيفة واسعة الاتصال في ذاك الوقت.
لذلك كانت تأتي إلينا ردود فعل من قراء، ما كنا نحلم في يوم من الأيام أنهم يطلعون على مجلة “المجتمع”، فضلاً عن أن يعرفوا ما هي مجلة “المجتمع”، وأصبحوا يواظبون على قراءتها مثلها مثل أي صحيفة أخرى، وبذلك صار هناك نوع من الانتشار للمجلة والتوسع لشريحة القراء.
قبل ذلك بفترة وجيزة، كان قراء المجلة في الخارج أكثر من قرائها في الداخل، وخصوصاً في السعودية والسودان والجزائر، والمغرب الغربي عموماً، حيث كانت تأتي إلينا رسائل بالآلاف من قرائنا في مختلف دول العالم، وكنا نعاني من أننا لم نصل إلى القارئ الكويتي بشكل جيد، وجاءت هذه الاتفاقية مع صحيفة “الوطن” الكويتية، كي تنقلنا نقلة نوعية، وتوصلنا للقارئ الكويتي كي يطلع على “المجتمع”.
كيف كانت خريطة القراء في عهدك؟ وما أبرز المواضيع التي كنتم تناقشونها منذ العام 1992 إلى العام 2008م؟
– رسالة «المجتمع» رسالة دعوية إسلامية، ناطقة بكل آمال وهموم وطموحات المسلمين في كل أنحاء العالم، فرسالة «المجتمع» هي تبني كل قضايا المسلمين في مختلف أنحاء العالم، سواء في المنطقة العربية أو الإسلامية وعلى مستوى العالم ككل بتناولها للأقليات الإسلامية في كل أقطار العالم، وفي ذاك الوقت، على سبيل المثال، كانت إحدى القضايا الرئيسة التي تشغل المسلمين هي قضية البوسنة والهرسك، وكذلك قضية فلسطين والمسجد الأقصى، وهي قضية العرب والمسلمين الأولى والمركزية، كذلك قضية كوسوفو والمسلمين في الفلبين.. وغيرها، ناهيك عن متابعة القضايا المحلية، سواء على الساحة البرلمانية، وهي الساحة الفاعلة التي تفاعل معها الشارع الكويتي؛ حيث كنا ننقل كل ما يجري في البرلمان من قضايا مطروحة على الساحة المحلية، سواء الاستجوابات أو لجان التحقيق وغيرها، وأصبحنا نركز على جانب التحقيق والتحليل أكثر من نقل الخبر؛ لأن نقل الخبر كانت تسبقنا فيه الصحافة اليومية، ونحن كنا مجلة أسبوعية؛ لذا لا تستطيع المجلة منافسة الصحافة في متابعة الخبر، ولكن تنافسها في التحقيق والتحليل والآراء والأفكار والمناهج الدعوية وما وراء الخبر، وهذا ما كنا نركز عليه في تلك الفترة.
أضف إلى ذلك أنه في أواخر التسعينيات بدأت في الظهور وسائل التواصل السريعة، مثل الهواتف النقالة وغيرها.
هل أثرت وسائل التواصل المختلفة على مجلة «المجتمع»؟
– بلا شك أن الأزمة ليست أزمة مجلة «المجتمع» وحدها، بل إن الأزمة يعاني منها الكتاب والصحافة والتلفزيون؛ حيث أصبح جهاز الهاتف الصغير الذي بين أيدينا هو التلفزيون والفيديو والصحيفة والكتاب، وأصبح هو كل شيء، وصارت المكتبة برمتها في هذا الجهاز الصغير، وهو ما يمثّل تحدياً كبيراً لكل الصحافة المقروءة والكتب، والكل يشتكي؛ فدور النشر التي تنشر الكتب أصبحت تشتكي من أن القراء الآن لم يعودوا كالسابق، ومعارض الكتاب في الكويت والدول العربية ما عاد الإقبال عليها مثلما كان في السبعينيات والثمانينيات إلى أوائل التسعينيات، وأصبح الناس يكتفون بقراءة الكتاب من خلال «اللاب توب» أو الهاتف، ومتابعة الخبر من خلال «تويتر»، أو «فيسبوك»، أو «إنستجرام» أو «سناب شات».. وغيرها.
لذا؛ لا بد أن تراعي الصحافة الورقية مواكبة العصر، واللحاق بهذا التطور السريع بالابتكار، من خلال تحليل الخبر والتحقيق، وما وراء الخبر، ونشر الرؤية والفكر والثقافة وغيرها، لأنه لا يمكن بحال من الأحوال منافسة هذه الوسائل الحديثة في نقل الخبر التي تقوم باكتساح كل المجلات والصحف، حتى أعرق الصحف والمجلات العالمية الغربية وغيرها، أصبحت تتحول تدريجياً إلى صحف إلكترونية، وتم تقليص عدد الصفحات الورقية للصحف، وبعضها تحول من يومية إلى أسبوعية، ومن أسبوعية إلى شهرية، وبعضها الآخر أصبح يصدر بشكل دوري، وهذه النقلة والمعاناة تعاني منها كل الصحف الورقية، بلا استثناء، ومجلة “المجتمع” ليست استثناء من هذه القاعدة.