وصفَه كثير من المراقبين بأنه “الثعلب القادم إلى الشرق من بوابة لبنان وليبيا”، إنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وجد في الشرق الأوسط فرصة سانحة لتطبيق “السياسة الفرنسية الاستعمارية”، وهذ ما لفت انتباه تركيا التي وجهت له النصائح بالتوقف عن التصرفات الهيستيرية والمواقف المضحكة التي يضع نفسه فيها.
ورغم كل ذلك يطفو على سطح اهتمام ماكرون المفاجئ بالشرق الأوسط السؤال الأبرز، وهو ما الذي يريده ماكرون من الشرق الأوسط؟ ولماذا الآن؟
وحول هذا الأمر، قال الباحث في الشأن التركي والعلاقات العربية التركية، محمد قدو الأفندي لـ”وكالة أنباء تركيا”: فجأة ومن غير مقدمات ظهر ماكرون في الشرق الأوسط وفي العاصمة اللبنانية بيروت تحديداً، التي تعرضت إلى أكبر نكسة تخريبية (انفجار مرفأ بيروت) في تاريخها وهي عاصمة الأدب والجمال.
وتابع أن عنوان اهتمامه المفاجئ بالشرق الأوسط هو إنشاء جبهة موسعة لحصار تركيا سياسياً واقتصادياً بسبب مواقفها المبدئية بالحفاظ على حقوقها شرقي البحر المتوسط، وبسبب سلسلة من الاتفاقيات الإستراتيجية والاقتصادية والعسكرية مع دول أفريقيا وخصوصا مع ليبيا والصومال ومالي والجزائر.
وأضاف قدو الأفندي: بالطبع فإن تحركات ماكرون ضد المصالح التركية وضد تركيا يعكس تنفيذه لمخطط عالمي، يحاول تحجيم دور تركيا والقوى المناهضة لمخططات “إسرائيل” في المنطقة، والاستيلاء على أراضي القدس وتوفير الأمن لها، كما تهدف تحركاته لتقديم إيران من جديد كعامل استقرار ومهيمن في المنطقة وخصوصاً بعد المعارضة الشديدة للقرار الأمريكي الذي قدم لمجلس الأمن بتجديد العقوبات على إيران، خاصة وأن فرنسا تعتبر هي الضامنة لعهد الملالي، ومنذ وصول الخميني إلى طهران.
وأشار إلى أن تركيا بمواقفها المبدئية والأخوية الصادقة تاريخياً وآنياً مع جيرانها، هي الكفيلة بأفشال مخطط فرنسا وكل الدول المعادية لها.
وكانت تركيا أرسلت وعلى لسان رئيسها رجب طيب أردوغان رسائل تنبيه للعالم أجمع وخاصة لدول منطقة الشرق الأوسط، محذرة من المساعي الفرنسية الاستعمارية، حيث أكد أردوغان أن وقوف تركيا إلى جانب لبنان هو واجب عليها، ويأتي من باب الأخوة الأبدية مع الشعب اللبناني، وليس كما يفعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي همه إعادة الاستعمار.
ويرى مراقبون أن الرد الفرنسي على تلك الرسائل كانت من خلال توجه فرنسا لدعم اليونان ضد تركيا شرقي المتوسط، إضافة لدعم مليشيات الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا، ومحاولة دعم روسيا ضد تركيا في منطقة إدلب السورية، وكذلك دعم تنظيم “PKK/PYD” الإرهابي شمال شرقي سورية.
وفي هذا الجانب، قال الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو: إن المتابع للتوتر القائم في منطقة شرقي المتوسط بين تركيا واليونان يرى بشكل واضح أن الخلاف الحقيقي هو بين تركيا وفرنسا بعدما اتخذت الأخيرة مواقف رافضة بقوة لسياسات تركيا وخطواتها في المنطقة بعدما خسرت في ساحات مختلفة (سورية وليبيا) أمام تركيا.
وأضاف أنه وعلى الرغم من اتساع فجوة الخلافات بين أنقرة وباريس خلال العامين الماضين، فإن أخطر هذه الخلافات بل وأحدثها تلك المتعلقة بالصراع التركي اليوناني حول التنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها بين البلدين.
وأشار عودة أوغلو إلى أن فرنسا من خلال تحركاتها الأخيرة تحاول أن تقدم نفسها كوصية على المنطقة، وتقوم بتجييش دول الاتحاد الأوروبي لتبني سياستها لمواجهة تركيا، لكنها ارتطمت بجدار دول كبرى في الاتحاد كألمانيا وإيطاليا.
وأضاف أنه على الرغم من أن الخلاف الحقيقي بين تركيا وفرنسا يتمحور حول الصراع الدائر حاليا في ليبيا، فإن الجانب المخفي في هذه القضية هو تنافس البلدين على الورثة الأمريكية في المتوسط، بعد اتخاذ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قراراً بعدم التورط في صراعات المنطقة، لكن الواضح بعد الدعم الأمريكي لتركيا على الساحة الليبية خلال الأشهر الماضية لمحاصرة فرنسا في أفريقيا وتقييد نفوذها، بأنها لن تسمح لباريس بالتمدد أكثر في ساحة المتوسط بعد الخطوات الفرنسية الأخيرة، التي تدعو لتشكيل قوة عسكرية أوروبية لتجحيم حلف شمال الأطلسي وهذا ما ترفضه واشنطن.
ولفت عودة أوغلو إلى أن ما يريده الرئيس الفرنسي من خلال تحركاته الأخيرة هو استعادة نفوذ بلاده في منطقة الشرق الأوسط، والأهم بتصوري هو محاصرة التمدد التركي في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، بعد خسارة باريس مناطق كانت محسوبة عليها في الماضي.
ويحاول ماكرون جاهداً تجاهل كل الأزمات والتظاهرات الاحتجاجية التي تندد بطريقة إدارته للحكم في فرنسا، إضافة للتنديد بالواقع الاقتصادي المتردي وغيرها من الأمر التي يضعها خلف ظهره، والتوجه نحو لبنان وليبيا مدعياً أن همه مساندة شعوب تلك المناطق، الأمر الذي أثار وما يزال ردود فعل غاضبة بين كثير حتى من الفرنسيين أنفسهم، خاصة بعد زياراته المتكررة إلى لبنان وأيضا التدخل في ليبيا، وأخيراً زيارته إلى العراق.
الباحث والمحلل السياسي ماجد عزام، قال: إن الرئيس الفرنسي يريد عودة الهيمنة والتأثير الفرنسي، وهذا الأمر ليس سياسياً فقط، بل يتعلق بأزماته الداخلية وعجزه عن تحقيق الإنجازات والمشكلات الاقتصادية التي تعانيها فرنسا، كما أنه يريد استغلال الانكفاء والغياب الأمريكي لإدارة دفة القيادة والسيطرة في عدة ملفات وقضايا والتدخل بما يحقق المصلحة الفرنسية.
وأضاف نتحدث عن تراجع للدور الفرنسي في الفترة الأخيرة بعد أن حاولت التدخل في سورية أو حتى في العراق ولم تنجح في سورية تحديداً، كون القوى الكبرى الثلاث هي تركيا وأمريكا وروسيا، وحتى إيران دورها متراجع.
وأشار عزام إلى أن العودة الفرنسية كانت في ليبيا وهذا الأمر لم ينل ما يستحقه من اهتمام، فهي الدولة الأوروبية التي دعمت مشروع حفتر حتى قبل وصول روسيا والمرتزقة الروس، وقدمت خبراء ومعونات وكان التنسيق مع الإمارات التي مولت حملة حفتر لاحتلال طرابلس، وفرنسا شريكة في كل جرائم الحرب التي ارتكبها حفتر، والتدخل في ليبيا كان بغرض إعادة النفوذ الفرنسي والهيمنة على النفط الليبي لتكريس تقوية الحضور وأيضاً المساعدة في حل المشاكل الاقتصادية الفرنسية.
وأضاف أن تدخلها شرقي المتوسط لما يجري في ليبيا، فهدفها الأساسي استعماري اقتصادي يتعلق بالهيمنة على الخيرات والثروات، فشركة توتال (شركة نفط فرنسية) هي التي ستتولى كل ما يتعلق بالنفط والغاز شرقي المتوسط مع اليونان وقبرص.
وأشار عزام إلى أن ماكرون لا يحبذ اللعب تحت الغطاء الأمريكي في حلف “الناتو”، وما تقوله تركيا دائماً صحيح بأن الصراع مع تركيا له علاقة بإضعاف هذا الحلف وتشكيل قوة أخرى خارجه بإمكانها الصدام مع تركيا أو ستقودها فرنسا وتحقق النفوذ الفرنسي بعيداً عن “الناتو”.
يشار إلى أن ماكرون بات حديث الساعة بتصرفاته وتصريحاته المثيرة للجدل، حسب مراقبين، سواء خلال تدخله بالشؤون الداخلية والسياسية في لبنان، أو دعم المليشيات في ليبيا، أو على صعيد تأييده لصحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية التي نشرت رسوماً مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، على أساس أنها حرية تعبير، وبالمقابل انفجاره بأحد الصحفيين التابعين لصحيفة “لوفيجارو” الفرنسية وتوبيخه بشدة بسبب كشفه تفاصيل عن اللقاء الذي دار بين ماكرون وأحد مسؤولي حزب الله في لبنان، إضافة لسياسات أخرى تدل على تصرفات هيستيرية لماكرون، كما وصفتها تركيا.