انتهت الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 3/11/2020، وفاز فيها مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن؛ ليصبح الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.
جو بايدن ليس سياسياً جديداً على المنطقة العربية ومحيطها الحيوي والإقليمي، فقد كان نائباً لـ”باراك أوباما” في فترة رئاسته، وهو متمرس في مجلس الشيوخ؛ حيث انتخب 6 مرات، وكان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية فيه، وهو يعتبر نفسه من الليبراليين المعتدلين بالرغم من معارضته لحرب الخليج عام 1991، إلا أنه أيَّد وبقوة لشن الحرب على العراق في عام 2003، وأيَّد فكرة تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم تعتمد على مرجعية طائفية وإن كان قد فشل فيها، وصوَّت لصالح غزو أفغانستان عام 2001، وربما لأسباب مصلحية دعا بلاده وحلف شمال الأطلسي إلى التدخل في حرب البوسنة والهرسك التي امتدت بين عامي 1994 و1995، وعارض اعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، ويؤيد فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين لليهود والفلسطينيين، ولكن تأييده الشديد لـ”إسرائيل” لا يخفى على أحد.
هذا هو جو بايدن، فماذا عن عالم العرب الذي سيتعايش مع سياسات بايدن الجديد (كرئيس) خلال السنوات الأربع القادمة (2020 – 2024).
يستقبل عالم العرب فترة بايدن وهم يعيشون مجموعة من التحديات والواقع المضطرب:
- فعالم العرب مستقطب بمحاور متعددة، كل محور يضم دولاً ذات مصالح ومقاصد مختلفة، حتى في المحور الواحد تجد التناقض تجاه الملف الواحد أو القضية الواحدة؛ فهناك محور رافض للتغيير الذي أحدثته الثورات الشعبية العربية منذ عام 2011 إلى اليوم (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين، والأردن) متفق على معارضة نتائج الثورات، لكنه مختلف تجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني و”صفقة القرن”، وهذا المحور كان مدعوماً بشدة من إدارة دونالد ترمب.
وهناك المحور الذي نظمته إيران في صف مصالحها، مستظلة بمظلة المقاومة (سورية، العراق، الحوثي في اليمن، لبنان، وحماس في فلسطين)، وهو متفق حول قضايا المقاومة في فلسطين، لكنه مختلف تجاه الموقف من الثورات والعلاقة مع دول الخليج في المنطقة، وهو متصادم مع الولايات المتحدة في جغرافيا العرب، وينسق عمليات عسكرية ضد “داعش” في العراق وضد التواجد التركي في سورية والعراق.
ومحور لا تعماه العين يرتب مصالحه في ليبيا وسورية والعراق ومنطقة الشرق الأوسط وبحارها، متمثل في تركيا وقطر والحكومة الشرعية في ليبيا والثورة السورية وجماعة الإخوان المسلمين الممتدة في العالم العربي.
- من أهم ما يستقبل به عالم العرب “بايدن الجديد” أن جغرافيتها أصبحت مشاعاً للقوى الدولية والإقليمية، وأصبحت واقعاً ثقيلاً ومهدداً في أحشائها، فلا تجد قوة دولية إلا وتصبغ واقع عالم العرب بالدم والاحتراب والهيمنة والسيطرة؛ فالولايات المتحدة وروسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي كفرنسا وبريطانيا كلها محتشدة في جغرافيا المنطقة العربية في صراع يحصد أرواح وأموال وطمأنينة العرب واستقرارهم.
- وثالثة الأثافي أن عالم العرب أصبح مخزناً للاحتراب والسلاح والصفقات والتجارة الممنوعة، متمثلاً في بيع السلاح الممنوع وغير الممنوع، وتجاربه الحية على جغرافيا العرب وشعوبها، وإشعال حرب بعد حرب؛ فأصبح عالم العرب الأكثر عسكرة في العالم، فبالرغم من أن إنتاجه المحلي لا يشكل أكثر من 6% من الإنتاج العالمي، وسكانه أيضاً، فإنه فقط في السنوات ما بين 2013 و2017 مثلت واردات السلاح أكثر من ضعفي وارداته في السنوات الخمس التي سبقتها، وتتصدر السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة قائمة مستوردي السلاح في العالم، وإن الجزائر والعراق يقفان في قائمة الدول العشر الأوائل بين عامي 2013 و2017، وأغلب هذه الدول استخدمتها في الاحتراب الأهلي أو التدخل في الدول العربية الأخرى، ولمصلحة من كان ذلك؟ فإنه في تلك الأثناء كانت الولايات المتحدة وبريطانيا أكبر مصدرين للسلاح، وكان نصيبهما 34% من المجموع العالمي، ثم روسيا وفرنسا وألمانيا والصين.
لقد أدى ذلك إلى أن عالم العرب أصبح منقسماً على ذاته، ففقد السيطرة على الدولة لصالح القرار الدولي والإقليمي، وتمرغ في الاحتراب الداخلي، لتظهر لنا قوى جديدة موازية للدولة لا تستطيع أن تتجنبها؛ كالمليشيات في سورية والعراق واليمن وليبيا.
وفقدت الدولة عدالتها لتتجه نحو الإقصاء القسري لآلاف المعارضين لها؛ إما بالقتل والتشريد والنفي والسجن، أو بالتغييب التام عن فعالية الأداء السياسي والمشاركة في القرار.
- يستقبل عالم العرب “بايدن الجديد” بأنظمة غير قابلة للعيش مع الديمقراطية وغير معترفة بحقوق الإنسان العربي.
- تتشرذم فيه الأقليات حول نفسها لتحكم الأكثرية أو تتشح العسكرة لتخرج على الدولة أو تتستر بظل الأجنبي المهيمن وليزيد لهيب الصراع العرقي والطائفي والتمركز القبلي.
لذا فإن عالم العرب سيكون سهلاً مسك طوق عنانه والتلاعب به من خلال السياسات الجديدة.
ملفات بايدن وملفات عالم العرب
هناك مجموعة ملفات رئيسة ومهمة لا يستطيع بايدن بحلته الجديدة أن يقفز من فوقها، بالرغم من أولوياته الإستراتيجية قد تكون بحر الصين ومحور شرق آسيا الجديد، لكنَّ هناك هدفين إستراتيجيين لا يستطيع بايدن أن يتجاوزهما، وهما:
نفوذ القوة الدولية المنافسة كروسيا والصين على موارد الخليج والشرق الأوسط، والتحدي الإيراني في نفوذه وقوة ردعه النووية القادمة والتفوق الإستراتيجي لأمن “إسرائيل”؛ لذا لا بد لبايدن الجديد أن يتعامل مع قضايا عالم العرب دون قفز، وربما يشكل لها فريقاً متخصصاً، إلا أنها جديرة بالسيطرة عليها، وتتمثل تلك الملفات في:
أولاً: ملف الردع النووي الإيراني:
ثانياً: ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني والموقف من “صفقة القرن”:
ثالثاً: ملف النفط وأسعاره والبيئة:
ملف الديون الخارجية العربية:
ملف تركيا والعرب:
ملف السلم الاجتماعي بالمنقطة العربية:
هذا هو بايدن الجديد، وهذا هو واقع عالم العرب، فهل ستؤول الحالة العربية إلى شطآن الهدوء والاستقرار، أم أن الأيام حبلى بالمفاجآت؟!
ننتظر، فقد حصدنا من قبل انتظار عقد من الزمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بالتزامن مع مجلة الأفق الإستراتيجي