صادق مجلس نواب الشعب التونسي (البرلمان) على مشروع قانون المحكمة الدستورية بعد التداول فيه مرة ثانية إثر رده من الرئاسة التونسية، خلال الجلسة العامة المنعقدة الثلاثاء 4 مايو 2021 م.
وتمكن البرلمان من تمرير مشروع القانون المتعلق بتنقيح قانون المحكمة الدستورية، بموافقة 141 نائبا وتسجيل 10 محتفظين و15 معترضين عليه.
وينص الدستور في فصله 81 على ضرورة التصويت بأغلبية ثلاثة أخماس أعضاء المجلس (131 صوتا)، إذا رد رئيس الجمهورية مشروع القانون إلى البرلمان.
اتهام الرئيس بالتعطيل
وكان نواب البرلمان التونسي قد حمّلوا الرئيس قيس سعيد المسؤولية السياسية في تعطيل إرساء المحكمة الدستورية وتنصيب الوزراء الذين منحهم البرلمان الثقة موجهين له تهما بمحاولات ضرب النظام القائم والاستقرار السياسي في البلاد.
وأشاروا في مداخلاتهم خلال الجلسة العامة المنعقدة اليوم الثلاثاء 4 أبريل 2021م والمخصصة للتداول في رد سعيّد للقانون الأساسي المنقح لقانون المحكمة الدستورية، أن قيس سعيد” لم يقدم حلولا قانونية ودستورية، ولم يُظهر في أي مناسبة الإرادة السياسية اللازمة للخروج من الأزمة الخانقة بين مؤسسات الدولة، بل كان يختار فقط ما يزيدها تعقيدا”، حسب تقديرهم.
ضمانة لعلوية الدستور
وأشار النائب صحبي عتيق (حركة النهضة) إلى أن” المحكمة الدستورية هي الضمانة الرئيسية لعلوية الدستور وللقطع مع انحراف السلطة تشريعية كانت أو تنفيذية لأنها من المفروض ألا تتأثر بالاعتبارات السياسية ولا علاقة لها بالتجاذبات”.
وشدد على أن “الحرص على إرسائها اليوم ليس بهدف مواجهة رئيس الجمهورية كما يدعي البعض، وهذا خطأ، والنهضة ليس لها هذا التوجه ولا ترمي لمحاصرة أي طرف كان”.
وأكد على أن “مطالبة البرلمان الرئيس بالرد هو حق كفله الدستور، غير أن التعطيل الحاصل بحجج غير واقعية هو مسؤولية سياسية يتحملها رئيس الجمهورية المطالب بإيجاد حلول للأزمة باعتباره الضامن للاستقرار الدولة ووحدتها وفق ما ينص عليه الدستور”.
حالة انسداد
من جهته اعتبر أسامة الخليفي (حزب قلب تونس) أن ما يقوم به الرئيس سعيد أوصل البلاد إلى حالة انسداد وصلت معه مؤسسات الدولة إلى حالة من العجز على التقدم.
وذكّر بأن قيس سعيد “جاء ببرنامج مخالف للجميع كما أنه لا يعترف بالنظام القائم ولا بالبرلمان التعددي.”
وحذّر رئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفي من انهيار مؤسسات الدولة وطالب بإيجاد حل مع الرئيس سعيد لإرساء المحكمة الدستورية.
وقال الخليفي “نتحدث اليوم عن ردّ رئيس الجمهورية، وأريد أن أذكّر بأنّه كان قد وعد في حملته الانتخابية بإحداث المحكمة الدستورية بعد 6 أشهر من تنصيبه.. فقد كان إرساء المحكمة الدستورية من وعوده الانتخابية.. ويبدو أنه غيّر رأيه والدليل على هذا هو رده”.
وتابع “من حقه الرد ولكن عليه أن يعلل لماذا أعاد القانون للتصويت مرة ثانية حيث لم يتحدّث في ردّه عن تنقيح القانون، وتحدث عن إرساء المحكمة الدستورية عامة، وقال بصريح العبارة: إننا لا نستطيع إرساء المحكمة، وإن الوقت قد فات، وإن ما نقوم به لا جدوى منه”.
وأضاف “ليس هناك تعليل ولم يتحدث عن الفصل الأول… ولم يتحدث عن مسألة التنقيح، وهذا يطرح إشكالا؛ لأنه في المقابل لم يعطنا الحل ونحن هنا كمجموعة وطنية وكنواب وكأطراف تهمنا الدولة، وعلينا إيجاد حل مع الرئيس سعيّد“.
وقال متهكما: “حسب تحليل سعيد يجب تنقيح الدستور لإرساء المحكمة الدستورية، وتنقيح الدستور يستوجب محكمة دستورية؟؟ إذن نحن في وضعية جمود، ومؤسسات الدولة عاجزة عن التقدم ولا يمكننا التقدم”.
وأضاف “مؤسسات الدولة هي ملك للتونسيين وليست ملك أي طرف … يجب إيجاد حل.. لا يمكن أن تستمر هذه الوضعية.. مؤسسات الدولة بصدد الانهيار “.
وأردف “برنامج الرئيس سعيّد مخالف للبرلمان وللتعددية والديمقراطية ولديه تصور آخر”، وعلّق قائلا: “لا يمكن أن يتواصل هدم الدولة من الداخل، وعلى قيس سعيد أن يكون واعيا بأنّ هدم الدولة من الداخل جريمة”.
عود على بدء
وكان البرلمان صادق يوم 25 مارس الماضي على مشروع قانون المحكمة الدستورية، ثم أحاله على رئيس الجمهورية لختمه.
وقد وجه الرئيس سعيد في 4 إبريل 2021م مراسَلَة إلى رئيس مجلس نواب الشعب يبلغه من خلاله رده لمشروع هذا القانون، معللا لجوءه إلى حق الرد الذي يكفله له الدستور..
وقبل ذلك صوت 139 نائبا على الانتقال من النقاش العام إلى التصويت على مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح القانون عدد 50 لسنة 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية بعد التداول فيه ثانية، مع تسجيل 5 محتفظين و8 معترضين.
محكمة مستقلة
وخلال ردها على نقاش النواب، أكدت حسناء بن سليمان وزيرة العدل بالنيابة الممثلة لجهة المبادرة (الحكومة)، أن التجاذبات الحاصلة حول القضاء بشكل عام واقع وهو ما شهدته المحكمة الدستورية بدورها.
وقالت: “إن كل المؤسسات في الدولة بحاجة إلى مسار إصلاحي، والقضاء ليس بعيدا عن دائرة الإصلاح المطلوب”.
وبينت الوزيرة أن المحكمة الدستورية تعد مؤسسة وطنية، ولن تعكس بحال من الأحوال الأعضاء المكونين لها، داعية إلى ضرورة اختيار أعضاء هذه المحكمة وفق معايير الكفاءة والمصداقية.
ودعت بن سليمان إلى ضرورة عدم الالتجاء إلى أطراف أجنبية لتحكيمها بخصوص الخلافات التي تعيشها البلاد، مشيرة إلى الدور المهم الذي ستلعبه المحكمة الدستورية في حسم هذه الخلافات.
وأكدت أن مصلحة الجميع تقتضي إرساء محكمة دستورية فوق الصراعات السياسية تُحَكّم بين الجميع.
يذكر أن أهم الإضافات المدخلة على القانون الأساسي للمحكمة الدستورية تتمثل في إمكانية انتخاب بقية أعضاء المحكمة بأغلبية ثلاثة أخماس (131 صوتا) في ثلاث دورات متتالية إذا لم يتمكن المترشح من الحصول على الأغلبية المطلوبة (145 صوتا) بعد ثلاث دورات، بالإضافة إلى إلغاء أحكام الفقرة الفرعية الأولى من الفصل 11 من قانون المحكمة الدستورية المتعلقة بتقديم الكتل النيابية مرشحين لعضوية المحكمة.
وشمل التعديل أيضا حذف عبارة “تباعا” الواردة بالفصل 10 من القانون بشكل يجيز للمجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية اختيار 8 أعضاء المحكمة الدستورية دون انتظار استكمال البرلمان لانتخاب 3 أعضاء.