في الوقت الذي تصرخ فيه صحف فرنسا والغرب من انتشار الحركات المتطرفة في أفريقيا وتزعم أن القوات الفرنسية تنسحب من وسط وغرب أفريقيا التي تنتشر بها مجموعات إسلامية متطرفة، كشف تقرير دولي عن جرائم يجري التعتيم عليها تنفذها مرتزقة روسية تابعة لشركة “فاجنر” ضد المسلمين ومساجدهم.
التقرير الصادر عن الأمم المتحدة الذي كشفه ديكلان ووالش، مراسل صحيفة “واشنطن بوست”، في 29 يونيو الماضي، تحدث عن “فاجنر” باعتبارهم “صائدي المسلمين” في وسط أفريقيا وغربها!
تقرير الأمم المتحدة الذي نشرته “واشنطن بوست” كشف تفاصيل جرائم الحرب التي ينفذها المرتزقة الروس في جمهورية أفريقيا الوسطى، التي سقطت تحت نفوذ موسكو منذ عام 2017م، بعدما تركت لها فرنسا الساحة هناك.
هجوم على مساجد
يكشف التقرير الذي أنجزه محققون دوليون، ونشرته “واشنطن بوست” الأمريكية، أن المرتزقة الروس التابعين لشركة “فاغنر” نفذوا عمليات عسكرية ضد المساجد وضربوا المصلين بالرصاص، كما قتلوا مدنيين مسلمين ونهبوا منازلهم خلال عمليات عسكرية كبيرة في أفريقيا الوسطي.
من بين ما وثَّقه التقرير، هجوم القوات الحكومية التي قادها الروس، في فبراير الماضي، على “مسجد التقوى” في منطقة بامباري، حيث قتل خلاله 6 مصلين على الأقل، برصاص الروس الذين داهموا المسجد وفتحوا النار على المصلين.
ووثق التقرير، كذلك، مقتل 5 مدنيين آخرين على يد قوات “فاجنر”، بمن فيهم اثنان من أصحاب الاحتياجات الخاصة.
حيث تقوم قيادة المرتزقة الروس لقوات النظام الحاكم بجمهورية أفريقيا الوسطى، بشن هجمات على المسلمين بدعوى أنهم “متمردون” يعادون النظام الحاكم، بينما هم يتواجدون هناك للاستيلاء على الماس الموجود في أفريقيا الوسطي.
ووثَّق المحققون الدوليون، في التقرير، عبر أدلة مصورة وشهادات موثقة من السكان المحليين والمسؤولين، الانتهاكات الروسية في حق مدنيي دولة تعد الأكثر فقراً في العالم ومسلميها خصوصاً.
أكدوا أن الانتهاكات شملت “استخدام القوة المفرطة والقتل بدون تمييز واحتلال المدارس والنهب على قاعدة واسعة، بما في ذلك المنظمات الإنسانية”.
وسبق، في 17 يونيو الماضي، تأكيد تقرير استقصائي أعدته شبكة “سي إن إن” بالتعاون مع منظمة “ذا سنتري” غير الحكومية، تورط مرتزقة روس وسوريين جندتهم موسكو للقتال في جمهورية أفريقيا الوسطى، باقتحام مسجد وإعدام 20 مدنياً كانوا داخله.
وبحسب التقرير، فإن مجموعة من مرتزقة “فاجنر” الروسية، بالمشاركة مع قوات حكومية وبدعم من مروحية قتالية هاجمت مسجد “التقوى” في مدينة “بامباري” وسط البلاد، وأعدمت 20 مصلياً.
وكان المدنيون قد فروا إلى المسجد هرباً من المعارك والقصف، الذي شهدته المنطقة أثناء زعم مرتزقة “فاجنر” أنها تطارد عناصر من جماعة “سيليكا”.
وأكدت إحدى الناجيات من المجزرة وتدعى “فطومة” أن جميع من كانوا في المكان هم من الأبرياء، ولم يتم العثور على أي عنصر من “سيليكا” في المسجد، مضيفة: “لقد قتلوا المدنيين فقط، لم نر حتى جثة متمرد، لقد قتلوا أطفالنا”.
ونقلت الشبكة عن أحد خبراء الأمم المتحدة -لم تحدد اسمه- قوله: إن الانتهاكات التي ارتكبتها المرتزقة ترقى إلى جرائم حرب، مؤكداً أن هناك “أدلة مقلقة على فظائع ضد حقوق الإنسان ارتكبها المرتزقة الروس في جمهورية إفريقيا الوسطى”.
وبجانب مرتزقة “فاجنر”، تمارس مجموعة “أنتي بالاكا” المسيحية عنفًا ممنهجًا وإجرامًا وحشيًا بحق المسلمين فتقوم بمنعهم من الصلاة وارتداء الملابس المميزة للمسلمين وتمنعهم من ممارسة حياتهم اليومية كما ارتكبت العديد من المذابح بحقهم.
وسبق أن اتهمت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة المليشيات المسيحية بتنفيذ عملية “تطهير عرقي” في حقّ السكان المسلمين أثناء الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، بحسب تقرير رسمي.
وقال تقرير لموقع “فايف بليرز” (5Pillars) الذي يغطي أخبار المسلمين في العالم أن “جميع المساجد الـ436 في جمهورية أفريقيا الوسطى قد دمرت تقريباً، بحسب تصريح لسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الذي وصف الدمار الذي طال ممتلكات المسلمين هناك وأرواحهم بأنه “نوع من الجنون، تقشعر لها الأبدان”.
ونقل التقرير بعنوان “كل مساجد أفريقيا الوسطي تقريباً تعرضت للتدمير”، الذي صدر في مارس 2015م عن السفيرة سامانثا باور، قولها: إن العصابات الطائفية المسيحية قتلت 5 آلاف مسلم منذ انفجار العنف الطائفي، في ديسمبر 2013م، كما تم تهجير وتشريد مليون من 4.5 مليون من سكان البلاد أغلبهم من المسلمين.
وقال وفد الأمم المتحدة: إن السلطات اعترفت بتدمير 417 من مساجد البلاد بالكامل، وتضرر الباقي، وزار الوفد المسجد الوحيد الذي قال: إنه باق في حي المسلمين في العاصمة بانغي، ووصف أوضاع السكان هناك بأنهم يشعرون بالذعر الشديد في ظل استمرار أعمال العنف التي لم تتوقف ضدهم.
هدفهم السيطرة على الماس
بحسب التقرير، تدعي موسكو أن وجودها بالبلد الأفريقي يقتصر فقط على مستشارين غير مسلحين للحكومة، بيد أن الأمم المتحدة أكدت وجود مرتزقة “فاجنر” وأنهم يقودون عمليات عسكرية كبيرة لانتزاع السيطرة على تجارة الألماس من يد معارضين للحكومة.
ويقول تقرير الأمم المتحدة الذي نشرته “واشنطن بوست”: إن “المرتزقة الروس لهم حضور بارز في مراكز التعدين الرئيسة”، وإن هناك أدلة على استخدام المرتزقة بشركة “لوباي إنفست” وأنهم يشاركون في أعمال عدائية.
ومنذ عام 2018م، يتواجد بجمهورية أفريقيا الوسطى المئات من الجنود الروس وعناصر “فاجنر” (نحو 450 عنصراً) تحت اسم “مدرب عسكري”، لكن موقع “ذي أفريكا ريبورت” قدر عددهم بأكثر من ألف مدرب عسكري وفرتهم شركة “فاجنر”.
وتكفل “فاجنر” أمن المؤسسات المختلفة، وتمارس دورًا رائدًا في تدريب الحرس الرئاسي والجيش، حيث يشرف عناصرها على تدريب أفراد الحرس الرئاسي والجيش (نحو 1300 عنصر)، ويحرسون الرئيس فوستين أرشانج تواديرا، من المجموعات المعارضة التي تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد.
كما يحمي عناصر “فاجنر” مناجم الذهب والماس، ويحصلون على نسبة من العائدات، حيث تقع معظم هذه المناجم شمال شرقي البلاد، منها مناجم قرب مدينة بامباري، في مناطق نفوذ تحالف معارضين من حركة “سيليكا”، وغالبيتهم من المسلمين.
وحصلت شركة “لوباي إنفست سارلو” الروسية، في صيف 2018م، على التراخيص اللازمة للتنقيب عن الذهب والماس، بعد أشهر من إرسال موسكو شحنات أسلحة إلى بانغي تضمنت أسلحة رشاشة وقاذفات صواريخ وأيضاً مدرعات ثقيلة.
ومعروف أن شركة “فاجنر” تنشط تحت اسم شركات مختلفة وفي ميادين عديدة سواء الأمنية أو التعدينية، أو الأمن السيبراني.
ويتواجد “المدربون الروس” منذ عام 2018م، في قصر بيرينغو (غرب العاصمة بانغي)، الذي كان ذات يوم منزلاً للزعيم جان بيدل بوكاسا (1966-1979م)، الذي أعلن نفسه إمبراطوراً للبلاد، ويوجد قبره في محيط القصر، الذي تحول إلى مخيم عسكري على امتداد 40 هكتاراً.
ويدير مجموعة “فاجنر” رجل الأعمال يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، والملقب إعلامياً بـ”طباخ الكرملين”.
ورغم أن بوتين نفى مراراً وجود أي علاقات رسمية أو عسكرية مع المرتزقة، قائلاً في مقابلة سابقة له: “هم لا يمثلون مصالح الدولة الروسية ولا يتلقون أموالاً من الدولة الروسية”، فإن التقارير الدولية تؤكد أنهم ينفذون مخططاته في العالم في المناطق التي لا يتدخل فيها الجيش الروسي.
https://www.nytimes.com/2021/06/27/world/asia/russia-mercenaries-central-african-republic.html
تاريخ المرتزقة الروس
جاء أول كشف عن وجود مرتزقة روس في أفريقيا بدولة ليبيا، في مارس 2017م، على لسان قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا، الجنرال توماس وولدهاوزر، لموقع “فوكس نيوز”، حيث أكد وجود مرتزقة روس في ليبيا يقودون التدخل الروسي هناك.
https://twitter.com/FoxNews/status/841485537890435077
“وولدهاوزر” أوضح أن هؤلاء المرتزقة الروس هم من القوات المتعاقدة مع شركات الخدمات الروسية (المرتزقة) التي أكد أحد رؤسائها لوكالة “رويترز” عملهم بالفعل في ليبيا لصالح حفتر.
وفي مارس 2017م أيضاً، قال أوليج كرينيتسين، رئيس مجموعة “آر.إس.بي” الأمنية الروسية لوكالة “رويترز”: إن قوة من بضع عشرات من المتعاقدين الأمنيين المسلحين من روسيا عملوا في جزء من ليبيا يسيطر عليه القائد العسكري خليفة حفتر قرب الحدود مع مصر.
في أكتوبر 2018م، تحدثت تقارير صحفية غربية عن إرسال روسيا عشرات من أفراد القوات الخاصة والمدربين العسكريين لدعم قوات حفتر، وتدريبها وإمدادها بالأسلحة، وهو ما نفته موسكو، وانتهي الأمر بهزيمتهم وهروبهم إلى سرت عقب تقدم قوات حكومة الوفاق بطرابلس بدعم طائرات تركيا المسيرة.
10 شركات مرتزقة روسية
أول من كشف عن نشاط شركات المرتزقة الروس في العالم العربي، كان موقع “War on the Rocks” الحربي، الذي تحدث عن “أدوار سرية” تقوم بها قوات “سبيتسناز” الروسية الخاصة، وقوات مرتزقة لمتعاقدين عسكريين روس سابقين.
وأبرز شركات المرتزقة الروسية التي ذكرها موقع “War on the Rocks” هي: KSB-Antiterror – MAP – MSGroup – Center g – ATKgroup – Slave corps – PMC Wagner – E.N.O.T – Cossacks.
وسبق للوحدات الخاصة (المرتزقة) “سبيتسناز” دخول معارك في أفغانستان والشيشان ومناطق أخرى، وهي تابعة للمخابرات العسكرية الروسية، وعددها حوالي 30 ألفاً، وهي مدربة على مهام خاصة وحروب العصابات.
هناك وحدات روسية خاصة أخرى تسمى “زاسلون” تابعة للاستخبارات الخارجية، و”كي إس” الشبيهة بقوات القيادة المشتركة الأمريكية.
لكن مجموعة “فاجنر” هي أشهر شركة أمنية روسية، وتماثل شركة “بلاك ووتر” الأمريكية، ودورها هو تنفيذ ما يوصف بالعمليات القذرة في مناطق النزاع المختلفة، وكانت تسمى سابقاً شركة “الفرقة السلافية”.
ونشأت هذه المليشيا عام 2014م، وبدأت نشاطها في أوكرانيا، ثم سورية، وشاركت قوات “سبيتسناز” الروسية الخاصة في تأمين القاعدة الجوية “حميميم” التي أنشأتها روسيا في اللاذقية والمنشأة البحرية بطرطوس، وفي تحديد أهداف الغارات الجوية الروسية.
وقدرت صحيفة “آر كي بي” الروسية عدد مقاتلي “فاجنر” من 2500 في أوج المعارك إلى نحو 1000 في الظروف العادية.
ورئيس “فاجنر” هو المقدم دميتري وتكين (48 عاماً)، خدم في القوات الخاصة في منطقة بيشورا في الفرقة “700 اللواء الثاني استخبارات”، وقواته 93 مرتزقاً قدموا إلى سورية مع مطلع عام 2013م.
والشخصية الثانية في الشركة هي تشوبا واسمه الأصلي سيرغي تشوبوف (53 عاماً) برتبة ميجور (رائد)، وقد قتل في ضواحي دمشق، في 8 فبراير 2016م، وسبق له الحرب في أفغانستان في الفرقة (56)، وفي الشيشان باللواء (46) قبل تسريحه.
وتبلغ رواتب أعضاء فرقة “فاجنر” حوالي 3-4 آلاف دولار شهرياً، وهو مبلغ كبير قياساً إلى الدخول المتدنية في موسكو.
وكان نائب رئيس الوزراء دميتري روغوزين كان قد طرح عام 2013م فكرة إنشاء مثل هذه الشركات العسكرية بدعم الدولة، حيث شجعت حرب الشيشان وأوكرانيا، الروس علي تدشين فكرة شركات مرتزقة لتقوم بالمغامرات الروسية في الخارج، وانتقل نشاطها لاحقاً للعالم العربي.
وقد أكد د. مارك جلوتي، من مركز جامعة نيويورك للشؤون العالمية، أن الرئيس بوتين هو من اقترح تأسيس شركات المرتزقة الروسية على غرار الأمريكية والبريطانية والفرنسية و”الإسرائيلية”، كـ “وسيلة لتنفيذ المصالح الوطنية دون التدخل المباشر للدولة”.
وذكر تقرير سابق لصحيفة “بلومبيرغ” الأمريكية أن مرتزقة “فاجنر” تمثل جزءا أساسياً من إستراتيجية تعزيز المصالح الروسية، عبر نشر مقاتلين يرتدون أزياء تختلف عن الزي الرسمي للجيش الروسي.