إن الهجوم على الإسلاميين وملاحقتهم وتحجيمهم وتضيق الفرصة عليهم هدفه إعداد أجيال متعاقبة من الشباب تهاب الإسلام وتبتعد عنه بل وتحاربه، هكذا أكد العم عبدالله المطوع (أبو بدر) رحمه الله في هذا المقال الذي نشرته “المجتمع” في العدد (1016) بتاريخ 22/ 9/ 1992.
حملة شعواء تشنها وسائل الإعلام العربية على الإسلاميين في بعض الدول العربية تستخدم خلالها ألفاظاً وأوصافاً صنفتها وسائل الإعلام الغربية فنقلوها كما هي مثل الأصولية والأصوليين، وأخرى صنعوها مثل الإرهابيين والمتطرفين، وأخذوا يرسخون في مفاهيم العامة وعقولهم أن كل من يدعو إلى الله والتمسك بكتابه وسُنة رسوله هو إرهابي ومتطرف وأصولي، ومن ثم يكون هذا مدخلاً لملاحقة هؤلاء وإلقاء القبض عليهم وترتيب القضايا الملفقة لهم بل وقتلهم وتصفيتهم كما يحدث في أكثر من بلد عربي الآن.
وبنظرة فاحصة إلى هذه الحملة الإعلامية الشعراء وما يدور حولها، نجد أن الهدف الأساسي والرئيس من ورائها ليس القضاء على الإسلاميين وملاحقتهم وتحجيمهم وتضييق الفرصة عليهم فحسب، وإنما إعداد أجيال متعاقبة من الشباب تهاب الإسلام وتبتعد عنه بل وتحاربه وتحارب المتمسكين به حتى تنشأ أجيال لا تعرف عن دينها إلا مظاهره، لكن رغم كل هذه الحملات والدعاية المغرضة التي تقوم بها وسائل الإعلام ضد الإسلام والإسلاميين، فإن المد الإسلامي يمتد وتتسع رقعته برغبة شعبية ومطلب عارم عام، وليس أدل على ذلك في بلد مثل مصر من النتائج الأخيرة التي أفرزتها انتخابات نقابة المحامين التي تعتبر من أكبر النقابات المهنية في مصر إذ تخدم ما يزيد على مائة ألف محام، فقد فازت قائمة الإسلاميين عن آخرها وفشل معظم الممثلين للتيارات الأخرى في الحصول إلا على مقاعد قليلة بفارق آلاف الأصوات بينهم وبين الإسلاميين، ولعل هذا يعتبر تعبيراً صادقاً عن رغبة أكيدة لقطاع عريض وفئات عديدة من الشعب المصري ليس لها مطلب سوى الإسلام والتمسك به والعمل بمقتضاه، وقد كرر هذا الأمر نفسه في نتائج انتخابات نقابات أخرى مثل نقابات الأطباء والصيادلة والمهندسين وأطباء الأسنان والعلميين والتجاريين وغيرها من النقابات الأخرى التي فاز فيها التيار الإسلامي على كافة التيارات الأخرى.
إن هذه الصورة الواضحة تؤكد رغبة الشعوب في الإسلام الذي لا ترضى عنه بديلاً ولا ندري ماذا سيصف هؤلاء هذا الخيار الشعبي؟ هل يصفون هذا الشعب كله بأنه شعب متطرف.
إن التطرف الذي يتحدثون عنه هم الذين أوجدوه بإصرارهم على انتهاك حرمات الله وإبرازهم للمفاسد ودور اللهو والمؤسسات الربوية ووسائل الإعلام الهابط والخمارات وكافة أشكال الفتن والمفاسد الأخرى، وبالتالي فإنه ردود الفعل التي يقوم بها بعض الشباب الذي يغار على دينه تجاه هذه المفاسد يجب أن تقابل بالفكر والتوجيه وتصحيح المسار والقضاء على كافة مظاهر الفساد وتلبية رغبة الشعوب التي تؤكد في كل مرة تتاح لها الفرصة للتعبير عن رأيها في أنها لا تريد إلا الإسلام والمنهج الإسلامي لا أن تقابل بالقمع والقتل.
إننا نتطلع إلى تجارب الحكومات العربية والإسلامية مع رغبات شعوبهم لاسيما مصر التي نتطلع إلى قيامها بدور ريادي في محاربة الفساد بأشكاله وتعطيل دور اللهو وإغلاق الخمارات والحانات وتحكيم شرع الله في جميع شؤون البلاد وتصحيح المسار بنهج اقتصادي إسلامي يحارب فيه الربا الذي جر ويلاته على الشعوب النامية وجعلها رهينة بيد أعدائه.
إننا نأمل من هذه الحكومات أن تعايش واقعها وأن تتعامل مع رغبات شعوبها بصدق وموضوعية حتى لا تجد نفسها كما هي الآن تسير في واد وشعوبها تسير في واد آخر فالشعوب وإن أجبرت في بعض الأوقات على أن تقبل فرض نظام ما عليها فإنها لا تصبر على ذلك كثيرا إذ أنها في الختام هي التي تختار حكامها.. فهل تدرك تلك الحكومات ذلك قبل فوات الأوان؟!
وصدق الله العظيم (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج: 41).
لا أن نكون مثل بني إسرائيل الذين قال فيهم المولى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة: 78–79) صدق الله العظيم.