حددت الأمم المتحدة يوم 30 أغسطس من كل عام للتضامن مع ضحايا الاختفاء القسري في العالم، ووفقاً لتوصيف الأمم المتحدة للاختفاء القسري ترى أنه ممارسة تتجاوز انتهاكات حقوق الإنسان.
وفقاً للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها (133/47)، المؤرخ 18 ديسمبر 1992، بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول، فإن الاختفاء القسري يحدث عند: “القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغماً عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون”.
جريمة ضد الإنسانية
ونص كل من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة في 20 ديسمبر 2006، على أن “الاختفاء القسري” يوصف بجريمة ضد الإنسانية عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم، وفضلاً عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة فيما يتصل باختفاء أحبائهم.
ويكثر استخدام الاختفاء القسري كأسلوب إستراتيجي لبث الرعب داخل المجتمعات، فالشعور بغياب الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي قسريًا، بل كذلك يصيب مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل.
مشكلة عالمية وقلق متزايد
لقد أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية ولم يعد حكراً على منطقة بعينها من العالم، فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساساً، يمكن اليوم أن يحدث الاختفاء القسري في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص وسيلة للضغط السياسي على الخصوم.
ومما يثير القلق بوجه خاص:
– استمرار المضايقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وأقارب الضحايا، والشهود، والمحامون الذين يعنون بقضايا الاختفاء القسري.
– استغلال الدول أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لانتهاك التزاماتها.
– استمرار مرتكبي أعمال الاختفاء القسري في الإفلات من العقاب على نطاق واسع.
فلسطينيو سورية
واختفى مئات الآلاف في أثناء النزاعات أو فترات الاضطهاد فيما لا يقل عن 85 بلداً في كل أرجاء العالم، والأرقام صادمة في منطقتنا، حيث قالت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية”: إنها استطاعت توثيق بيانات وأسماء 1800 معتقل فلسطيني اختفوا قسراً، بينهم هم أطفال ونساء وكبار في السن وناشطون حقوقيون وصحفيون وأطباء وممرضون وعاملون في المجال الإغاثي والإنساني.
وأضافت المجموعة -تزامناً مع اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري- أن المعتقلين تعرضوا لكافة أشكال التعذيب في الأفرع الأمنية السورية ومراكز الاحتجاز السرية والعلنية، دون أدنى أشكال الرعاية الصحية وفي ظروف إنسانية صعبة جداً قضى خلالها المئات من المعتقلين.
وكشفت المجموعة عن توثيق 631 حالة وفاة تحت التعذيب لمعتقلين ومعتقلات فلسطينيين في سجون النظام السوري.
ورجحت أن يكون العدد الحقيقي للمعتقلين وضحايا التعذيب أكبر مما تم توثيقه، وذلك بسبب تكتم النظام السوري عن أسماء ومعلومات المعتقلين لديه، إضافة إلى تخوف ذوي الضحايا من الإعلان عن وفاة أبنائهم تحت التعذيب خشية الملاحقة من قبل النظام السوري.
ويقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في سورية حتى العام الماضي، بـ438 ألف لاجئ، بينهم نازحون عن مخيماتهم، وفق إحصاءات وكالة الغوث لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
سورية
أما في سورية، فقد تم إخفاء ما لا يقل عن 101678 شخصًا قسريًا بين مارس 2011 ومارس 2021، 85% منهم اختفى على يد النظام و 15% اختفى من قبل أطراف أخرى في النزاع، بما في ذلك قوات سورية الديمقراطية والجيش الوطني السوري و”داعش” وهيئة تحرير الشام، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بين مطلع العام 2018 وأغسطس 2020، 991 حالة لمختفين قسريًا كشف النظام السوري عن مصيرهم، وجميعهم ماتوا رهن الاحتجاز في ظروف لم تُحدّد بعد، تتواصل حالات الاختفاء القسري؛ حيث إنّه في مايو 2021 دعت 5 جمعيات رائدة للضحايا والناجين والعوائل إلى إنشاء آلية إنسانية لمعالجة محنة الاعتقالات السرية والاختفاء القسري.
العراق
ووفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر، يوجد بالعراق أحد أعلى أعداد الأشخاص المفقودين في العالم، وتقدر اللجنة الدولية لشؤون المفقودين هذا العدد بما يتراوح بين 250 ألفاً ومليون عراقي منذ عام 2003، في حين أن البلاد لديها تاريخ من الاختفاء القسري، لا تزال الجريمة تُرتكب حتى اليوم، ومع ارتفاع عدد الحالات في السنوات الأخيرة، بما في ذلك بعد الاحتجاجات السلمية في البلاد لعام 2019، تم اتهام الجهات الفاعلة بصورة شاملة، من المسؤولين الأمنيين التابعين للدولة العراقية إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل “القاعدة” و”داعش” والجماعات المسلحة الأخرى، بالمسؤولية عن ممارسات ترتقي إلى الاختفاء القسري في السنوات الأخيرة، تلقت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري مزاعم حول 420 مكانًا للاحتجاز السري، التي غالبًا ما تستخدم كأماكن للاختفاء القسري، على الرغم من أن السلطات العراقية أبدت استعدادها للتحقيق في حالات الاختفاء، لم يتم إجراء تحقيقات فعّالة بقيادة الدولة.
السعودية
أما في المملكة العربية السعودية، ووفقاً لعدة تقارير دولية، فيقوم جهاز أمن الدولة بعمليات إخفاء قسري لصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وأفراد يمارسون حقهم في حرية التعبير، في عام 2020، أرسل فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي إلى السلطات السعودية رسالة ادعاء عامة بعد تلقي معلومات حول “العقبات التي تعترض تنفيذ إعلان عام 1992 بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” التي وُصفت بأنها “واسعة الانتشار ومدروسة”، و”جزء لا يتجزأ من الإطار القانوني والمؤسسي والسياسي للمملكة العربية السعودية”، لا تعتبر حالات الاختفاء القسري جرائم جنائية بموجب قانون العقوبات في البلاد.
لبنان
أما في لبنان، فقد أصدر المشرعون قانونًا لعام 2018 بشأن المفقودين والمختفين قسريًا، أنشأ هيئة للتحقيق في حالات الاختفاء، بما في ذلك الآلاف الذين اختفوا خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990 من قبل فصائل لبنانية وغير لبنانية، على الرغم من التطور الإيجابي، يجب اتخاذ خطوات إضافية لكشف مصير أولئك الذين لا تزال عائلاتهم تنتظر العدالة.
مصر
أعلن مركز الشهاب لحقوق الإنسان، بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، أن عدد المختفين قسرياً في مصر تجاوز الـ12 ألف حالة خلال السنوات الثماني الماضية.
وقال المركز، في تقرير له: إن ضحايا الإخفاء القسري في مصر خلال الـ8 سنوات الماضية تجاوز عددهم الـ12384 حالة، حسب ما تم رصده من منظمات حقوقية غير حكومية، وهناك حالات رهن الاختفاء القسري لعدة سنوات، و60 مواطناً تعرضوا للاختفاء القسري ثم تم قتلهم خارج نطاق القضاء، رغم توثيق واقعة الاختفاء.
وقال المركز: لأجل ضحايا الاختفاء القسري؛ أطلقنا منذ 3 سنوات حملة في الذاكرة، برعاية مركز الشهاب لحقوق الإنسان (SHR)، ومؤسسة عدالة (JHR)، ونستمر فيها حتى يبقى المختفون قسراً حاضرين غير غائبين، ولكي يتم الكشف عن مصير من هم رهن الاختفاء القسري في مصر، مع التأكيد على ضرورة محاسبة مرتكبي جريمة الاختفاء القسري في مصر من خلال وجود قانون ينص على ذلك.
الجزائر
وفيما يتعلق بملف المختفين قسريًا في الجزائر ولا يزال يتعين التحقيق في الحالات التاريخية للاختفاء القسري، حيث إنّه بعد عقدين من انتهاء الصراع الداخلي في الجزائر (الذي اندلع بين عامي 1992 و 2002)، تواصل الدولة إنكار وجود سياسة متعمدة للاختفاء القسري، يرفض ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لعام 2006 “جميع الادعاءات التي تنسب إلى الدولة المسؤولية عن ظاهرة الاختفاء المتعمد”، ويفرض قيودًا صارمة، بما في ذلك العقوبات، على قدرة أفراد العائلة على رفع دعوى قضائية لهذه الجريمة والتي تشكل بحكم الواقع بمثابة قانون حصانة، تقدر المنظمات غير الحكومية أن ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص اختفوا على يد الدولة الجزائرية خلال الصراع الداخلي.
ليبيا
أما في ليبيا، فتقوم المليشيات والدولة على حد سواء بإخفاء الأفراد قسراً، بما في ذلك بسبب عملهم في مجال حقوق الإنسان، وآرائهم السياسية الحقيقية أو المفترضة، وهويتهم أو لون بشرتهم، كما أفادت منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، في بعض الأحيان، يتعرض المختفون للإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة، لا يتم الإبلاغ عن حالات الاختفاء القسري في جميع أنحاء البلاد على نطاق واسع بسبب المخاطر الأمنية التي يواجهها أولئك الذين يدينون هذه الأعمال، بما في ذلك التخويف والانتقام من قبل الدولة والمليشيات.
________________________
مصادر ذات صلة:
1- اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري،
2- أكثر من 1800 فلسطيني في عداد المختفين قسرياً في سورية،
3- مصير مجهول في سورية لآلاف المختفين قسرياً،
4- تقرير حقوقي: أكثر من 12 ألف مصري مختف قسرياً،
5- في اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري: منظمات محلية وإقليمية ودولية تطالب بوضع حد لهذه الجريمة في البلاد العربية،
6- حقوقيون: الإخفاء القسري بمصر جريمة لا تتوقف.. “أرقام مخيفة”،
7- تقرير حقوقي: أكثر من 100 ألف مختفين قسرياً في سورية،
8- أرقام مرعبة عن أعداد المختفين قسرياً في معتقلات مليشيا أسد، وأمريكا تدعو للإسراع بمساءلة النظام،