لا شك أن موت العلماء خطب جلل ورزية عظيمة وبلاء كبير، والأشخاص كلما كان دورهم عظيماً وأثرهم كبيراً كانت المصيبة بفقدهم أشد، ولكن سلوانا أن نظل نتذكر سيرة هؤلاء العلماء والمصلحين، فنقتفي أثرهم، ونسير على خطاهم، ونتعرف على علمهم وجهدهم.
د. عصام الفليج.. بين العمل الإعلامي والخيري
حينما يذكر د. عصام عبداللطيف الفليج تجيش في النفوس هذه الهمة العالية التي وهبها الله له في سد ثغر من ثغور العمل الخيري، وكان أميناً عليه حتى قضى نحبه؛ حتى إن ما كتب عنه يوم وفاته أبرز صفات وشمائل كثيرة للفليج ربما لم تكن معروفة للكثيرين.
ولد عصام عبداللطيف الفليج في منطقة الفيحاء بالكويت عام 1961م، وكان منذ صغره محباً للعلم والتعلم؛ حيث درس في الفيحاء ثم حصل على الثانوية من مدرسة يوسف بن عيسى، قبل أن يتخرج في الجامعة.
د. الفليج كان له جهد عظيم أثناء الغزو بتأسيس صندوق التكافل والعديد من الأعمال التي توثق أحداث الغزو
وطأ الفليج بقدميه معترك الحياة، فعمل أول ما عمل في المجال الصحفي بصحيفة “الأنباء” عام 1982م، ومنها إلى “القبس” و”الوطن”، ثم شاء الله تعالى أن يكون نائباً لرئيس تحرير مجلة “المجتمع” الكويتية؛ حيث كانت له أدواره الواضحة في تطوير المجلة؛ حتى أقعده مرض الوفاة.
كان د. الفليج، رحمه الله، كالزاد أينما حل ترك بصماته الطيبة، فقد قام بكثير من الأعمال في العديد من المجالات والأنشطة التي لم يستطع كاتب واحد أن يحصرها، وعلى رأسها العمل الإعلامي الإسلامي والخيري التطوعي؛ فكان من رواد العمل الخيري والدعوي في جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت.
وقبل ذلك تولى مهمة الأمين العام المساعد في اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، كما تعددت نشاطاته من تأليف الكتب إلى إعداد وتقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، إلى كتابة المقالات الصحفية الهادفة، فضلاً عن جهوده في العمل التطوعي وتوثيقه للعمل الخيري والوطني؛ فأشرف على البرنامج التلفزيوني “سفراء الخير”، الذي دعم العمل الإنساني والخيري للكويتيين، كما ترأس تحرير مجلة “سفراء الخليج”، وكان صاحب فكرة «لجنة تأهيل الخريجين لسوق العمل» في جامعة الكويت، كما شارك في تأسيس جمعية «المنابر القرآنية».
ولم يكتف د. الفليج، رحمه الله، بذلك، بل قام بتوثيق زياراته الإعلامية إلى كل من غزة المحاصَرة، والصومال، فأصدر كتابيه «غزة رأي العين»، في أبريل 2010م، و«الصومال الآمن رأي العين» في أكتوبر 2010م.
كان له جهد عظيم في أثناء الغزو العراقي للكويت؛ حيث شارك في تأسيس صندوق التكافل لرعاية أسر الشهداء والأسرى؛ وكان نائباً لرئيس الصندوق د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي، قبل أن يصير هو رئيساً للصندوق.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل كان الفليج من أبرز الموثقين لأحداث الغزو العراقي الغاشم وبطولات المقاومة الكويتية؛ وأشرف على إصدار سلسلة «قوافل شهداء الكويت الأبرار»، وكتاب «شهداء الواجب»، وشارك في إعداد كتاب «الشهيد.. مثوبة ومكانة»، وقام بإعداد كتاب «التكافل.. تاريخ وإنجازات»، الذي يسجل فيه دور لجنة التكافل في المقاومة الشعبية.
ابتلاه الله تعالى بالمرض، فاحتسب الأمر لله وحده وصبر على ما ابتلاه، ولم يكلّ أو يملّ من العمل لدين الله ووطنه حتى فارق دنيانا عن عمر يناهز الـ59 عاماً؛ وتوفاه الله يوم الثلاثاء 11 ربيع الأول 1442هـ/ 27 أكتوبر 2020م.
أحمد المصري.. أحد الستة مؤسسي “الإخوان”
“إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها”، بهذا الفهم حمل أحمد المصري عزم العمل لنشر الفهم الصحيح لمعنى الإسلام.
كان أحمد المصري أحد العمال الستة الذين ساهموا مع الشيخ حسن البنا في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية (شرق مصر) عام 1928م، ولم يجلس كثيراً بجوار البنا، لكنه حمل الفكرة وعاد إلى مدينته بورسعيد؛ فأسس أول شعبة للإخوان بها.
في مدينة بورسعيد ولد أحمد المصري عام 1910م، ولم تساعده الظروف على الالتحاق بالتعليم؛ فامتهن حرفة الحلاقة، ومع ذلك فإن طبيعة المدينة التي ترعرع فيها ولدت لديه الغيرة على وطنه ودينه وبغض الاستعمار الإنجليزي الذي كان يتمركز في مدن القنال.
المصري كان أحد العمال الستة الذين ساهموا مع البنا في تأسيس “الإخوان” بالإسماعيلية
كانت الإسماعيلية مقر القيادة المركزية للجيوش البريطانية، وكان بها عمال يخدمون في معسكرات الإنجليز؛ فانتقل المصري للعمل فيها، وهناك كان يحضر لمحاضرات الأستاذ حسن البنا الذي كان يلقيها في المقاهي؛ فتأثر بها، حتى اتفق مع بعض العمال الآخرين وزاروا الشيخ البنا وسمعوا منه ماذا يريد، فاقتنعوا بفكره، ومن ثم تم الإعلان عن نشأة جماعة الإخوان المسلمين.
كانت الصفات التي تحلى بها المصري أحد الأسباب في نشر الفكرة ببورسعيد؛ فقد تميز بقوة الشخصية وإيمانه العميق وكريم بذله وتضحياته في سبيل دينه.
كان المصري قائداً محبباً للجميع؛ واستطاع أن يؤلف القلوب بحسن سيرته وخلقه، حتى إن المواقف العظام تشهد له؛ فيذكر محمود الصباغ لأحمد المصري الفضل في مساعدة أفراد “النظام الخاص” عام 1944م في تعطيل سفينة كانت ترسو في بورسعيد، وتحمل أسلحة للعصابات الصهيونية في فلسطين ولم تستطع الإبحار بسبب التفجير.
اختاره حسن البنا لمرافقته أثناء رحلته إلى غزة عام 1947م، وكان من أبرز الذين دعموا المجاهدين في حرب فلسطين في بلدته بورسعيد.
وحينما وقعت أحداث حرب القنال عام 1951م كان على رأس الفدائيين في بورسعيد الذين كبدوا المحتل خسائر كبيرة، وحينما قامت ثورة 23 يوليو 1952م كان على رأس مجموعة بورسعيد التي كُلفت بقطع الطريق على القوات الإنجليزية القادمة من بورسعيد إذا تحركت.
تعرض للاعتقال عدة مرات؛ فاعتقل عام 1948م وزج به في سجن طور سيناء، كما أنه بعد “حادث المنشية” عام 1954م تم اعتقاله وحكم عليه بالسجن 10 سنوات، وما إن خرج حتى قبض عليه في أحداث عام 1965م، وظل في السجن حتى عام 1971م ليخرج ويظل على منهجه حتى بعدما رحل عن مصر.
ظل محافظاً على فكرته ودعوته حتى توفاه الله عن عمر 95 عاماً، في 16 رمضان 1426هـ/ 18 أكتوبر 2005م.
أحمد عز الدين.. القلم الحر
في مركز المنشأة بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، ولد أحمد عز الدين أحمد محمد الغول، في 8 أكتوبر 1954م، لأسرة متدينة سعت إلى تربيته التربية الإسلامية، فالتحق بكتَّاب القرية وحفظ القرآن الكريم، قبل أن يبدأ مشوار العلم في المدارس حتى تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وامتهن مهنة الصحافة؛ لما وهبه الله من ملكات في الكتابة.
كان عز الدين من شباب الحركة الإسلامية في السبعينيات، وهو ما أهَّله للمكانة العالية وسط إخوانه منذ تخرجه؛ حيث بدأ حياته العملية عام 1977م مترجماً في الإذاعة بالنشرات حتى عام 1980م، ثم سافر للعمل مترجماً في السعودية؛ ثم عاد لمصر؛ وشق طريقه في عالم الصحافة في عدة صحف ومجلات، منها “لواء الإسلام”، وجريدة “الشعب” التي عمل بها مديراً للتحرير، ثم سافر إلى دولة الكويت عام 1997م ليتولى منصب مدير تحرير مجلة “المجتمع”، وقد كانت له جهوده الواضحة والمميزة في تطوير المجلة وفتح آفاق جديدة في الخط التحريري لها.
عز الدين كان من أبرز جهوده فضحه لمنظومة الفساد بمصر خاصة وزير الزراعة الأسبق يوسف والي
وفي عام 2004م عاد إلى مصر ليتم توقيفه في مطار القاهرة، ثم تم اعتقاله في أحداث عام 2006م وأحيل للمحكمة العسكرية التي برأته بعد عامين من السجن.
كان من أبرز جهود عز الدين فضحه لمنظومة الفساد في مصر، خاصة فساد نائب رئيس الوزراء وزير الزراعة الأسبق يوسف والي، وهو ما تسبب له في العديد من الاعتقالات.
وفي 28 يناير 2014م قبض عليه، وظل قيد الحبس الاحتياطي ما يقرب من 14 شهراً حتى أفرج عنه بكفالة يوم 13 فبراير 2015م.
لكنه خرج وقد تكالبت عليه الأمراض وظل قعيداً في بيته حتى وفاته في 14 ربيع الأول 1441هـ/ 31 أكتوبر 2020م، عن عمر ناهز 66 عاماً.
_________________________________
1- الكويت تودّع عصام الفليج، صحيفة “الأنباء”، 29 أكتوبر، 2020، ، ومجلة “المجتمع”
2- أحمد المصري: ويكيبيديا الإخوان المسلمين،
3- أحمد عز الدين.. حياة صحفي: مجلة “المجتمع”، 31 أكتوبر 2020،