دخلت الحرب في إثيوبيا مرحلة حرجة، مع إعلان متمردي جبهة تيغراي سيطرتهم على مدينتين استراتيجيتين شمال العاصمة أديس أبابا، والتحامهم مع متمردي جيش تحرير أورومو.
بينما أعلنت السلطات الإثيوبية حالة الطوارئ في عموم البلاد، ودعت سكان أديس أبابا إلى تنظيم صفوفهم للدفاع عن المدينة، عن طريق حمل السلاح والدفاع عن أحيائها.
من جانبها، أوصت الولايات المتحدة رعاياها بالاستعداد لمغادرة إثيوبيا بسبب تردي الوضع الأمني هناك، كذلك فعلت الكويت وقطر.
ويعكس ذلك خطورة الأوضاع في إثيوبيا مع تهديد المتمردين بالتقدم نحو أديس أبابا، لإسقاط حكومة آبي أحمد، حيث لم يعد يفصلهم عن العاصمة سوى بضع مئات من الكيلومترات.
حيث أعلن متمردو الأرومو سيطرتهم على مدينة كيميسي (نحو 320 كلم شمال أديس أبابا)، عقب إسقاط متمردي التيغراي مدينتي ديسي (400 كلم شمال أديس أبابا) وكومبولشا الاستراتيجيتين (380 كلم شمال أديس أبابا).
** ماذا يعني سقوط ديسي وكومبولشا؟
تمثل ديسي ثالث أكبر مدينة في إقليم أمهرة، حيث يقطنها 136 ألف نسمة، حسب موقع “وورلد ماترز”، بعد كل من بحر دار (نحو 170 ألف نسمة) وغوندر (نحو 154 ألف نسمة)، وأكثر من 40 بالمئة من سكانها مسلمون، والبقية مسيحيون.
لكن أهمية ديسي الاستراتيجية تكمن في وقوعها على الطريق A2 الرابط بين إقليم تيغراي وأديس أبابا، كما أنها قريبة من الطريق الدولي A1، الذي تمر منه نحو 95 بالمئة من الصادرات الإثيوبية نحو ميناء جيبوتي.
أما كومبولشا، فرغم أنها أصغر من ديسي (نحو 94 ألف نسمة)، إلا أن أهميتها الاستراتيجية قد تتفوق في بعض الجوانب على ديسي.
فكومبولشا (25 كلم جنوب شرق ديسي) تقع أيضا على الطريق A2، وبالقرب من الطريق الدولي A1، لكنها تتفوق على ديسي في كونها تمتلك مطارا دوليا صغيرا، ومنطقة صناعية جذبت مستثمرين أجانب من آسيا وأوروبا.
وسيطرةُ متمردي تيغراي على ديسي وكومبولشا، يعني أن المنطقة الشرقية لإقليم أمهرة أصبحت ساقطة عسكريا، خاصة بعد إعلان متمردي الأرومو سيطرتهم على كيميسي (جنوب كومبولشا/ 24 ألف نسمة)، وعدة بلدات صغيرة على الطريق المؤدي إلى أديس أبابا.
وحقق ذلك التحام متمردي التيغراي بحلفائهم من الأورومو لأول مرة منذ إعلان تحالفهما في أغسطس الماضي، مما سيضاعف التهديدات على حكومة آبي أحمد، التي أعلنت حالة الطوارئ.
إذ أن عدة بلدات صغيرة شرقي أمهرة أصبحت محاصرة بين فكي كماشة متمردي التيغراي من الشمال والغرب، ومتمردي الأورومو من الجنوب والشرق، كما توضحه الخريطة التفاعلية لحساب “إثيوبيا ماب” على تويتر.
ولذلك أصبح من الصعب على القوات الحكومية شن هجوم مضاد لاسترجاع ديسي وكومبولشا، ولكن من المتوقع أن تحاول فك الحصار على قواتها في المنطقة، قبل التوجه لتحرير المدينتين الاستراتيجيتين.
** التيغراي يغيرون تكتيكهم العسكري
في أغسطس/آب الماضي، فتح متمردو التيغراي عدة جبهات قتال شرقا وغربا وجنوبا، لكن الهجوم المعاكس للجيش الاتحادي أوقف زحفهم، بل واستعاد مناطق واسعة في إقليم العفر، وأجبرهم على التراجع بعيدا عن مدينتي غوندار وبحر دار، بل وكاد الجيش الاتحادي أن يستعيد لالبيلا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استغل الجيش الإثيوبي هيمنته على سماء المعركة دون منازع، لتوجيه غارات جوية على “القواعد الخلفية” للمتمردين في إقليم تيغراي.
كما شدد حصاره على الإقليم، الذي يقطنه نحو 400 ألف نسمة، يوجدون على حافة المجاعة، بحسب تقارير لمنظمات إنسانية.
وفي محاولة لكسر الحصار، ونقل المعركة إلى الطرف الآخر، ركز متمردو التيغراي هجومهم على الجبهة الجنوبية، بدل القتال على جبهات متعددة، فسيطروا في 17 أكتوبر على بلدة “ووشال”، وتساقطت في طريقهم إلى ديسي عدة بلدات وقرى صغيرة.
ومع نهاية أكتوبر، وصل المتمردون إلى مشارف ديسي، وخاضوا معارك ضارية مع القوات الاتحادية والمليشيات الأمهرية، أخذت طابع الكر والفر، واستمات الطرفان للسيطرة عليها.
وتضاربت الأنباء بين تأكيد المتمردين سيطرتهم على ديسي ونفي حكومي، إلا أنه في 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تأكد سقوط ديسي، خاصة بعد إعلان الحكومة قتل المتمردين لـ100 شاب في كومبولشا، ما يعني اعترافا ضمنيا بسقوط ديسي.
ومع التحام متمردي التيغراي مع حلفائهم من الأورومو، فإن الهدف المقبل سيكون قطع الطريق الدولي مع جيبوتي، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية من الخارج إلى الإقليم.
كما لم يُخف متمردو الأورومو رغبتهم في السيطرة على أديس أبابا “خلال أشهر إن لم تكن أسابيع”، بحسب أودا طربي، الناطق باسم جيش تحرير أورومو.
وخلال هذه الفترة من المتوقع أن يسعى تحالف التمرد لتطويق العاصمة من الشمال والشرق ومن الغرب أيضا حيث توجد معاقل ممزقة لمتمردي جيش أورومو، لكنها الأقرب إلى أديس أبابا.
إذ لم يعد يفصل متمردي التيغراي والأورومو عن أديس أبابا، سوى مدينة ديبري برهان (58 ألف نسمة) وبعض البلدات الصغيرة مثل ديبري سينا، التي قد تعد الهدف المقبل للمتمردين.
** البحث عن دعم دولي
توجد حكومة آبي أحمد في وضع جد حرج أمام زحف تحالف متمردي التيغراي نحو العاصمة والتحامهم مع جيش تحرير أورومو.
ورغم نفي أديس أبابا سقوط ديسي وكومبولشا، إلا أن إعلان حالة الطوارئ التي صادق عليها البرلمان، تعكس صعوبة الموقف في العاصمة.
إذ تسعى الحكومة لتجنيد مزيد من الشباب القادر على حمل السلاح لمواجهة زحف المتمردين، لكن هذا التكتيك وإن حقق بعض النجاح في وقت سابق، إلا أن آلاف الشباب محدودي الخبرة القتالية قد لا يكون كافيا لمواجهة متمردي التيغراي، الذين سبق لهم وأن خاضوا حرب عصابات ضد نظام منغستو هيلا مريام (1974-1991) وحكموا البلاد بعده لقرابة ثلاث عقود (1991-2018).
لذلك سيسعى الجيش الإثيوبي لتكثيف غاراته الجوية ضد المتمردين، خاصة في معاقل تحشيدهم ومخازن الذخيرة والأسلحة في الشمال، وقطع خطوط إمدادهم، التي بدأت تطول نحو الجنوب لمئات الكيلومترات عن معقلهم في ميقلي.
وليس من المستبعد أن تلجأ أديس أبابا للتحالف مجددا مع إريتريا، لشن هجوم مضاد من الشمال على إقليم تيغراي، لدفع المتمردين إلى التراجع للخلف والدفاع عن عاصمتهم ميقلي.
إذ لعب الجيش الإريتري، في نوفمبر 2020، دورا مهما في سقوط إقليم التيغراي سريعا، في يد القوات الحكومية وبأقل الخسائر، لكنه اليوم يقف موقف المتفرج، ما سمح لمتمردي التيغراي الزحف جنوبا.
السيناريو الآخر، أن تستعين أديس أبابا بمرتزقة أجانب، على غرار شركة فاغنر الروسية، وهو ما لمح إليه آبي أحمد، وإن كان يرفضه علنا، حيث قال إن أعداء بلاده “يحاولون فرض سيناريو عليه مماثل لذلك الذي مرت به سوريا وليبيا”.
إذ أن آبي أحمد قد يجد نفسه في مرحلة ما مضطرا للخيار بين اللجوء إلى الاستعانة بمرتزقة أجانب مثل فاغنر، أو إقامة تحالفات مع دول الجوار وحتى دول إقليمية لوقف تقدم المتمردين، وإما الجلوس إلى طاولة الحوار مع المتمردين، وحينها سيكون مجبرا على تقديم تنازلات مؤلمة للوصول إلى السلام.