عالمياً، حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان، وذلك حسب ما هو منصوص عليه في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهذه المادة هي الضمان لحرية وسائل الإعلام، وفي جميع أنحاء العالم أولوية.
وكما هو معلوم أن وسائل الإعلام الأصل فيها دعم التعددية للحكم الصالح ديمقراطياً، وهي تعمل من خلال الشفافية وسيادة القانون، والمشاركة في الخطاب الإعلامي السياسي وتعزيزه.
حرية التعبير سياسياً كانت أو غير ذلك لا يمكن أن تكون مطلقة الحرية في أي بلد مهما كانت حرياته مرتفعة، وهذه الحرية لا بد أن يكون لها حدود؛ ذوقياً وسياسياً وأخلاقياً وعرفاً، وإلا هي لا تختلف عن الفوضى الممقوتة، بل ستكون السبب الرئيس في استفزاز المقابل بكل أطيافه وأنواعه، وهكذا تكون أرضية المجتمع جاهزة للفوضى في أي لحظة، وذلك باسم الحرية التي يستفز الكل فيها الكل! وهي لا شك تكون حينها وسيلة استفزاز وأداة فوضى، لا دليل حرية كما يعتقد البعض. نعم فوضى، ومن ثم الهجوم على ثوابت الدين والأنبياء كما نسمع ونقرأ لبعض الدول التي تدعي الحرية حسب الشهوة!
الحرية الأصل فيها أنها وجدت مع وجود الإنسان الذي قال الله تعالى فيه: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد: 10)، وقال: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29)، الحرية هي محور إنسانية الإنسان وكيانه لبيان الحق ونبذ الباطل، ولاتخاذ القرار من غير ضغط عليه.
حينما يعبر الإنسان أو الكتلة عن رأيها بحرية تكون حرة تملك ذاتها وتستطيع التعبير الدقيق عما تريد بيانه ليكون المقابل على معرفة دقية؛ ومن ثم يكون العيش في المجتمع سلمياً، والكل يفهم الآخر ويعلم حدود التفاهم معه، فلذلك حينما شعر النبي صلى الله عليه وسلم بالضيق هاجر طالباً الحرية ليعبر بقول الحق بشكل دقيق، وأبعاد الدعوة ودقتها بحرية، ولبيان الدين والحقوق والواجبات وتثبيت الحجة، وحينها (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)، والحجة قائمة على الجميع بعد البيان الحر الدقيق، فلذلك قدم النبي صلى الله عليه وسلم الحرية؛ فقامت الدولة الإسلامية النبوية والراشدة.
الحرية هي التي تتيح لمن يعرض ما يحمله، يعرضه بالشكل الصحيح والدقيق وضوحاً، فلذلك لا يكتمل العرض والتوضيح للفكرة المعنية إلا بالحرية.
والحرية من محاورها أو بالأحرى محاور قبولها احترام المقابل، وحسن العرض وفهم الأولويات للمتحدث الحر وما يحدث به وما يبدأ به، ليكون العرض مستساغاً ومسترسلاً بلا نتوء ولا استفزاز للمقابل، وتحاشي المفردة المدببة والخشنة حديثاً وفكرة، وخير ما نتمسك به قول الله تعالى وقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) (آل عمران: 159)، وقوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125)، وظاهرة بقوله أيضاً: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى {43} فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه)، نعم العلم والنتيجة عند الله تعالى، ولكن المنهج عندك أيها الداعية كما بيَّنه الله تعالى لنا، أو يا من تنشد الحرية، نعم بيَّن الله تعالى المنهج والأسلوب، وأيضاً بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بقوله: “إن الله رفيق يحب الرفق..”.
أما وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في ترتيب البدء حسب الأولويات ما دمت حراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: “إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب”.
نلاحظ ترتيب الأولويات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان الوقت والزمن مفتوحاً حتى يتم استيعاب المرحلة، ثم يعرض التي تليها أو الأخرى وهكذا متحاشياً الاستفزاز، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بالحرية النزيهة المقننة، لا الحرية المطلقة التي تصنع الفوضى باسم الحرية الإنسانية وما هي إلا حرية شيطانية، تنصر الشيطان ونشر “الإبراهيمية” باسم الحرية، وتقصد التضييق على الإسلام تعمداً، وذلك باسم انتهاك الحريات ونشر الكراهية كما يدعون كذباً وزوراً، وما هي إلا فوضى انتقائية وحرية شيطانية من أجل إقصاء وتشويه الإسلام.
________________
إعلامي كويتي.