إنَّ من المفيد أن نذكِّر ببعض أخطاء تخطيط التنمية كما وقعت في بعض البلاد النامية على وجه العموم، ومنها:
1 – لعبة الأرقام: كان من بين الأخطاء المتواترة لمخططي التنمية افتتانهم بالأرقام، ويفترض عادة أن كل ما يمكن قياسه يكون مناسباً، وفي حين الانشغال بتهذيب الحسابات الوطنية لهذه الدول، لم يكن هناك عمل كافٍ في مجال المشكلات الحقيقية لفقر الناس.
لقد كانت الخطط الخمسية للتنمية تتجه إلى تجاهل مشكلات البطالة، والفقر في الريف، والقلق في المدن، والخدمات الاجتماعية الضئيلة، إذ لم يكن يوجد سوى القليل للغاية من المعلومات الكمية المتاحة عن هذه المجالات.
فالمخططون يحرصون على أن يقدموا خطة متسقة، وهم يغفلون عما إذا كانت خطة جوفاء أم لا.
2 – الإفراط في الضوابط: وثمة خطيئة أخرى لمخططي التنمية هي شغفهم الغريب بالضوابط الاقتصادية المباشرة، وإنها لظاهرة غريبة أن المجتمعات نفسها التي تفتقر بوجه عام إلى الإدارة الجيِّدة هي التي تعمد إلى تجربة أكثر الضوابط الإدارية تعقيداً وتعويقاً.
يفترض أن تخطيط التنمية يعني تشجيع القطاع العام، وفرض مجموعة منوّعة من الضوابط الإدارية لتنظيم النشاط الاقتصادي، وبخاصة في القطاع الخاص.
3 – وَهْم الاستثمار: وثمة خطيئة أكثر أهمية هي انشغالهم الدائم بمستويات الاستثمار، دون اهتمام بمستوى الاستثمار من الناحية الفعلية، ولا مدى إنتاجية هذا المستوى، ولا ما تعنيه زيادة الاستثمار في الموارد البشرية على الاستثمار في التسهيلات المادية، وكثيراً ما نسمع أن رأس المال نادرٌ في البلاد النامية، ومع ذلك نجد مقادير كبيرة من رأس المال الإنتاجية عاطلة في كثير من المجتمعات الفقيرة.
إن تقديم مواد أولية ملائمة في الوقت المناسب يمكن أن يكون بمثابة إسهام في جهود الدولة المقبلة من أجل الادخار والتصدير، عن طريق جعل نظام الإنتاج يتحرك بأسرع من تحركه في حالة تقديم قطع من الآلات الرأسمالية.
أما الإصرار في مثل هذا الوضع على تقديم مساعدة لإقامة مشروعات فيعني المضي بوَهْم الاستثمار إلى حدوده غير الرشيدة.
4 – إغفال الموارد البشرية: وثمة خطيئة خاصة لتخطيط التنمية استمرت قائمة، على الرغم من بعض الجهود التي بذلت في بعض خطط التنمية لملاحقتها، هي الإغفال العام للموارد البشرية، وعلى الرغم من أي احتياجات ضد ذلك، فإنه يبدو أن استثماراً قليلاً للغاية قد وجّه إلى تنمية الموارد البشرية في معظم البلاد النامية.
وسبب ذلك جزئياً هو الطول المفترض لفترة التطوير اللازمة لاستثمار من هذا النوع، والافتقار إلى أي علاقة مقرّره كمياً بين مثل هذا الاستثمار والناتج.
ومع ذلك، يمكن أن تتوافر بعض الأمثلة المثيرة لما يمكن تحقيقه عن طريق تنمية الموارد البشرية، وربما كان مثال الصين هو الأكثر إثارة، ففي غضون فترة زمنية قصيرة، استطاع الصينيون نقل المهارات التقنية والمهنية إلى معظم قوة العمل لديهم، والتعليم الأولي إلى معظم السكان.
إن التحدي الأكثر أهمية الذي يواجهه مخططو التنمية هو أن يبتكروا نظاماً للتعليم يستطيع التوسع في محو الأمية على النطاق العام، ويوفِّر التعليم اللازم، ويكون متاحاً للجميع بصرف النظر عن مستويات الدخل، ودون مثل هذا الأساس السليم، فإن نمط التنمية يمكن أن ينحرف بسهولة لصالح أقلية متميزة.
ونتيجة لهذه الخطايا التنموية، كانت الحاجة ملحّة لوجود منظور جديد للتنمية، يكون هدفها الهجوم الانتقائي على أكثر أشكال الفقر سوءاً، كما أن أغراضها يجب تعريفها من زاوية الخفض المتصاعد والإلغاء الفعلي لسوء التغذية، والمرض، والأمية، والفقر المدقع، والبطالة، ومظاهر عدم المساواة.