من القمع والانتهاكات ومنع الشعائر الإسلامية وهدم المساجد وحظر الحجاب واللحى وقضم أراضيهم وثروات بلادهم، إلى الإبادة الممنهجة التي تستهدف محو هوية مسلمي تركستان الشرقية وتذويبهم أو بمعنى أدق “تصيينهم”، فما الذي يحدث هناك؟ وكيف يمكن أن نتعامل معه في ظل المعطيات الجغرافية والتاريخية والحالة السياسية الراهنة عالمياً؟
هكذا تناولت ندوة “المسلمون في تركستان الشرقية: إبادة ممنهجة” التي عقدتها أكاديمية العلاقات الدولية بالتعاون مع الاتحاد العالمي لمنظمات تركستان الشرقية، في إسطنبول، أمس الثلاثاء، قضية تركستان الشرقية ومعاناة مسلميها تحت الاحتلال الصيني، وما الإجراءات التي يمكن من خلالها التعريف بمأساة تركستان والتحرك في المسارات المختلفة إعلامياً وسياسياً وحقوقياً وقانونياً في سبيل هذه القضية.
عقدت الندوة على جلستين؛ الجلسة الأولى أدارها د. عصام عبدالشافي، رئيس أكاديمية العلاقات الدولية وأستاذ العلوم السياسية.
وتحدث خلال هذه الجلسة كل من:
– د. أمل خليفة، باحثة في تاريخ القدس ومهتمة بقضايا العالم الإسلامي، في كلمة بعنوان “تركستان الشرقية.. خرائط معلوماتية”.
– محمد أمين، حقوقي وباحث في العلاقات الصينية العربية، وجاءت كلمته بعنوان “المسلمون في تركستان الشرقية: خرائط الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية”.
– د. محمد صفر، مدير مركز الأقليات المسلمة “تركيا”، وكلمته بعنوان “المسلمون في تركستان الشرقية: الجذور والتحولات”.
– د. أحمد موفق زيدان، المدير السابق لمكتب “الجزيرة” في باكستان، وكلمته بعنوان “التحولات في أفغانستان وانعكاساتها على واقع تركستان الشرقية”.
أما الجلسة الثانية فأدارها عبدالوارث عبدالخالق، رئيس جمعية تركستان الشرقية للصحافة والإعلام.
وتحدث خلالها كل من:
– سراج الدين عزيزي، صحفي، نائب رئيس منظمات تركستان، وكلمته كانت بعنوان “دور الإعلام العربي في قضية تركستان الشرقية تقييمات واقتراحات”.
– د. طارق شندب، أستاذ في القانون الدولي، وكلمة بعنوان “مقترحات قانونية لمستقبل قضية تركستان الشرقية”.
د. سامي العريان، مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية بجامعة صباح الدين زعيم في إسطنبول، وكلمته كانت بعنوان “نحو رؤية إستراتيجية بمستقبل قضية تركستان الشرقية”.
– مفيد يوكسل، أكاديمي تركي وكلمته بعنوان “موقف تركيا تجاه قضية تركستان الشرقية ومجمل سياساتها نحوها”.
افتتحت الندوة بكلمة نائب رئيس مجلس أمناء هيئة الإغاثة التركية (IHH) حسين أوروتش، تحدث خلالها عن عزل تركستان الشرقية عن العالم، وكيف أن هيئة الإغاثة “IHH” استطاعت أن تنظم حملات وتقيم فعاليات إنسانية في أغلب مناطق العالم باستثناء تركستان الشرقية بسبب سياسة المنع الصينية.
وأوضح أنه زار تركستان الشرقية في عام 2001، وكيف أن مظاهر الإسلام كانت تملأ الشوارع وقتها، وهو ما لم يعد موجوداً في أرض الواقع بسبب السياسات الصينية بحق المسلمين هناك، ودعا إلى رعاية الأطفال التركستانيين الذين يعيشون في الخارج بما يضمن الحفاظ على هويتهم.
أما د. أمل خليفة، فاستعرضت خلال كلمتها خرائط معلوماتية حول تركستان والجانب الجغرافي والتاريخي لها كونها أرض الترك في آسيا الوسطى، أو أنها أصل العرق التركي، وظللت بهذا الاسم حتى انقسمت إلى قسمين بين الاتحاد السوفييتي والصين، وتطرقت للتعريف ببعض المحطات التاريخية وكيف أن تركستان منطقة غنية بالثروات وتستنزفها الصين.
الباحث الحقوقي الإيغوري محمد أمين، استعرض في كلمته جانباً تاريخياً، وكيف تأسست جمهورية إسلامية في تركستان الشرقية مرتين؛ الأولى عام 1933، والثانية عام 1944، ثم استعرض ما يتعرض له مسلمو تركستان من إبادة ممنهجة تهدف لتذويب التركستانيين من خلال اعتقال الملايين منهم واستخدامهم في العمالة القسرية والإجهاض القسري ومنع ممارسة الشعائر وأيضاً التعذيب والقتل البطيء داخل المعسكرات الصينية.
ومن جانبه، تحدث د. محمد صفر، مدير مركز الأقليات المسلمة، في نقاط عامة تؤكد أن تركستان الشرقية لم تكن يوماً أرضاً صينية، فسور الصين العظيم بني بهدف حماية الصين من غزوات المغول والأتراك، وهذا السور لا يشمل تركستان الشرقية، وهو ما يثبت أن تركستان لم تكن ضمن حدود الصين في الأساس، وتطرق للتسمية الصينية لتركستان بـ”شينجيانج” أي الحدود أو المستعمرة الجديدة، وهذا أيضاً يعني أن هذه المنطقة جديدة على الصين نفسها ولم تكن تابعة لها.
وأشار إلى التعاون القديم بين الاتحاد السوفييتي والصين بتقاسم منطقة تركستان ككل ليسيطر السوفييت على الجزء الغربي والصين على الجزء الشرقي، كما أشار إلى غنى تركستان بالثروات وحرص الصين على هذه الثروات والسيطرة عليها، إلى جانب أيضاً تخوف الصين من التفكك بمطالبة أقاليمها بالانفصال، كما أن الصين تمارس ضغوطاً على أي دولة تعترف بأحقية أي من أقاليمها في الانفصال.
أما د. أحمد موفق زيدان، فتحدث عن التغيرات في أفغانستان وكيف يمكن أن تؤثر على قضية تركستان الشرقية، موضحاً أنه سبق وأن عرضت الصين على حركة “طالبان” وقت الملا محمد عمر تعبيد كل طرق أفغانستان مقابل تسليم العشرات من التركستانيين إلى الصين، وهو ما رفضته “طالبان” وقتها، كما تنظر الصين بأهمية لأفغانستان لعدة اعتبارات، منها طريق الحرير، وأن أفغانستان تمثل محطة “ترانزيت” لنقل البضائع الصينية من باكستان إلى آسيا وغيرها وحتى دول أوروبا.
كما تدرك الصين حاجة حركة “طالبان” لمساعدتها في كسب الاعتراف الدولي بحكومتها والانفتاح على العالم.
الجلسة الثانية
الجلسة الثانية بدأت بكلمة هداية الله أوغوز خان، رئيس الاتحاد العالمي لمنظمات تركستان الشرقية، تحدث خلالها عن التاريخ الممتد لتركستان وما تتعرض له من إبادة ممنهجة تضاعفت خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وأشار إلى أن التعامل الغربي مع قضية تركستان بات ملحوظاً وواضحاً، وتم اتخاذ خطوات ملموسة تجاه الصين على خلفية قضية تركستان، إلا أنه للأسف لا يزال الموقف العربي والإسلامي ليس بالقدر المناسب لما يحصل في تركستان الشرقية.
أما د. طارق شندب، المحامي، الأستاذ في القانون الدولي، فتناول تقرير “العفو الدولية” بعنوان عن قضية تركستان الشرقية، وأشار إلى اتفاقية موقعة بين الصين وتركستان الشرقية عام 1955م، وتحدث عن مقترحات قانونية يمكن العمل بها مثل تفعيل دور الأمم المتحدة بشكل أكبر كفتح تحقيق فيما يتعرض له مسلمو تركستان الشرقية.
كما أشار إلى الدور الذي يمكن أن يقوم به مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتشكيل لجنة تقصي حقائق ذات صلاحيات واسعة، كما تطرق إلى دور المؤسسات الإسلامية في العالم وضرورة تعاملها بجدية مع قضية تركستان، والاستفادة من مواقف الدول التي تسمح لمحاكمها بقبول قضايا لمحاكمة مرتكبي جرائم حقوق الإنسان في الصين، ودعا المتضررين من أبناء تركستان الشرقية في الخارج إلى رفع دعوى قضائية ضد الصين أمام هذه المحاكم.
وأشار كذلك إلى أن الدول الإسلامية لديها وسيلة مهمة يمكنها من خلالها الضغط على الصين؛ وهي مقاطعة البضائع الصينية، كما تحدث عن دور البرلمانات العربية والإسلامية وأهمية أن تحذو حذو البرلمانات الغربية مثل البرلمان الكندي والأمريكي في تجريم الممارسات الصينية بحق مسلمين تركستان الشرقية.
وفيما يخص الإستراتيجيات، كانت كلمة د. سامي العريان، حيث تناول القضية في الجانب الإستراتيجي والفكر على المدى البعيد والتعامل السياسي، وقال: إن هناك جانباً إنسانياً، وآخر إستراتيجياً.
وأضاف أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، صعدت الولايات المتحدة لقيادة العالم ثم الاتحاد السوفييتي في الوقت الذي كانت الصين قوة لا يعتد بها كثيراً في هذه الأوقات، بدأت الولايات المتحدة إستراتيجية لإضعاف وإسقاط القطب الثاني وهو الاتحاد السوفييتي الذي تفكك وأصبح العالم أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة.
وأشار إلى أنه في عام 1991 كان اقتصاد الصين يمثل 6% من الاقتصاد الأمريكي، بينما في عام 2021 أصبح الاقتصاد الصيني يمثل حوالي 66% من اقتصاد أمريكا.
أما فيما يخص التعامل الإعلامي، تحدث الصحفي التركستاني سراج الدين عزيزي، نائب رئيس اتحاد منظمات تركستان الشرقية، وقال: ليس سراً ما يتعرض له مسلمو تركستان، في السابق كنا نتحدث عن قمع وانتهاكات وهدم المساجد، لكن الآن نتحدث عن إبادة ممنهجة في تركستان الشرقية خلال السنوات الأخيرة، فقد تم هدم نحو 25 ألف مسجد، وهناك حوالي 5 ملايين في المعسكرات، إلى جانب حظر التواصل مع الخارج، فالمسلمون هناك محرومون وممنوعون من مجرد التواصل مع ذويهم خارج تركستان.
وثمن دور بعض وسائل الإعلام التي تولي اهتماماً بقضية تركستان الشرقية كقناة “الجزيرة”، ومجلة “المجتمع”، موضحاً أن الصين تسـخّر أدواتها للترويج بأنها تواجه الإرهاب، وأن التركستانيين يعيشون بسلام وينعمون بالاستقرار، وأكد ضرورة المصطلحات في الإعلام باستخدام تركستان الشرقية بدلاً من الاسم الاستعماري “شينجيانج”، داعياً المهتمين والباحثين والمثقفين إلى إدراك حقيقة قضية تركستان الشرقية.
واختتمت الندوة بكلمة للأكاديمي التركي مفيد يوكسل الذي استعرض الجانب التاريخي وسيرة بعض الشخصيات التركستانية البارزة تاريخياً وأدوارها في مجالات مختلفة.