على الأبناء أن يعرفوا منذ الصغر وجود حدود للإنفاق مهما بلغ ثراء الأهل
من الخطأ الربط بين العمل والحصول على المال فقط بل يجب إخباره بفوائد العمل الأخرى
بعض الأهل يُعرضون أولادهم لمشكلات نفسية قد تصاحبهم مدى الحياة بإغراقهم بالمتع المادية
لا تشترِ حبه بالمال حتى لا تعلمه أن المال يشتري كل شيء فيبتزك ولو بعد حين
تضاعفت وسط طوفان الإعلانات عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي الرغبة بالشراء لدى الأبناء مع ضغوط الأصحاب الذين يشترون أحياناً معظم ما يريدونه؛ ما يجعل الأبناء -بكل الأعمار- يشعرون بالسخط تجاه أسرهم؛ فيتهمونهم بالبخل إن لم يلبوا كل تطلعاتهم المادية، ويشعرون بالنقص وقد ينعزلون أو يمارسون الضغوط على الأهل الذين كثيراً ما يستجيبون لهم لإغلاق أبواب النكد، وأحياناً لشعورهم بالذنب نحو أولادهم؛ وهو إحساس غير موفق.
ليس من واجب الأهل -مهما كان ثراؤهم- شراء كل ما يفكر به الأبناء، ولنا في سيرة معظم المليارديرات بالعالم ما يفيدنا، حيث يعرفون قيمة المال، ويزرعون ذلك في أولادهم ولا يعطونهم ما يزيد كثيراً عما يحصل عليه أبناء الأسر العادية؛ لتحفيزهم ليصنعوا نجاحهم المادي، وحتى لا يتعامل معهم الناس بالنظر لما يمتلكه أهلهم وليس لشخصياتهم.
على الأبناء أن يعرفوا منذ الصغر وجود حدود للإنفاق مهما بلغ ثراء الأهل، وأن بعض رغباتهم لن تتحقق رغم إمكانية الأهل؛ لأنها ليست مهمة ولا يحتاجونها أو لديهم مثلها.
ونوصي بمعرفة كيف ينفقون المال، وهل يقوم بعضهم بالإنفاق على أصحابهم؟ وهل يتعرضون للاستغلال المادي؟
تتساوى المبالغة بمنح الأبناء المال وحرمانهم منه؛ فكلاهما يضرهما بشدة؛ الأول يتسبب بشخصية هشة لا تتحمل مستقبلاً رفض رغباتها وتنهار عند تعرضها لأي أزمات مالية ولو كانت بسيطة وتشعر بالنقص عندئذ، أما الحرمان المادي فيؤلم الابن حتى عندما يكبر حتى لو استطاع تحسين أوضاعه المالية وحصل على ما يريد.
تنبه لهذه الأخطاء
من الأخطاء الشائعة تعويض الأبناء عن الغياب بالعمل أو عن طلاق الأم بالمال، ومبالغة الأهل الذين عانوا من الحرمان المادي من أسرهم أو من قلة المال بالصغر بإعطاء أولادهم الأموال؛ فيستهترون بها وقد يرونها قليلة ولو بعد حين.
ومن الخطأ الربط بين العمل والحصول على المال فقط بالقول للطفل: اترك والدك يذهب للعمل ليحضر المال؛ بل يجب إخباره بفوائد العمل الأخرى، والأفضل أن نقول له: إننا نعمل ليرضى الله عنا أولاً، ولنكون ناجحين ونفرح بالإنجاز ثم للمال.
كما يجب تجنب الشكوى من قلة المال أمام الصغار؛ فلن يدفعهم ذلك لتقليل الطلبات، وإن فعلوا فسيكبر داخلهم الشعور بالحرمان، وسيقل تقديرهم لأي عطاء مادي، وسيرون أنه يجب أن يكون أكثر، والأفضل القول: إن ما يطلبونه ليس متاحاً تلبيته حالياً، وعليهم التفكير بهدوء بأهميته، وإن أصروا عليه فيمكنهم المشاركة بجزء من مدخراتهم للمساهمة بشرائه، مع أهمية السيطرة على الشراء عبر الإنترنت؛ حيث الإغراءات أكثر.
يُعرض بعض الأهل أولادهم لمشكلات نفسية قد تصاحبهم مدى الحياة بإغراقهم بالمتع المادية كإقامة أعياد ميلاد، أو احتفال بالنجاح بفنادق فاخرة أو تلبية رغباتهم بشراء سلع غالية جداً، أو الإكثار من السفر للخارج والإقامة بأماكن غالية؛ فترتفع توقعات الأولاد من الحياة ولا شيء يبقى على حاله؛ فما يقبلون به اليوم بعد أن طلبوه بشدة سيكون عادياً ولن يسعدوا به بعد حين، وسيطالبون بالأكثر ويلومون الأهل إن لم يسارعوا بتحقيقه، أو سيتألمون نفسياً إن لم يتحقق.
لا نطالب بالتقتير على الأولاد، بل بالاعتدال، وتعويدهم على الادخار مبكراً، وعلى التصدق أيضاً، وتذكر أن رغباتهم ليست أوامر يجب تنفيذها.
ننبه إلى لجوء بعض الأبناء لطلب أموال أكثر مما يحتاجونها، ثم يتظاهرون بقبول الأقل، وأحياناً يتعمدون أن يشعر الأهل أنهم قبلوا ذلك مضطرين، وقد يعتذر الأهل أيضاً!
من المهم عدم ترك المال أمام الأطفال ليس لمنع التفكير بالسرقة فقط، ولكن ليعرفوا أهميته، ويجب عدم الإكثار بالعقاب المادي للأبناء، ومراقبة تصرفاتنا مع المال؛ هل نبالغ بالإنفاق أم نقتر؟ وهل نرتب أولوياتنا المادية جيداً أم لا؛ فسيتعلم أولادنا بما نفعله وليس بما ننصحهم به.
خطط واقعية
قبل اصطحاب الطفل للتسوق اكتب أمامه ما تود شراءه، وحدد المبلغ، وأكد حرصك ألا تتجاوزه وألا تشتري ما لا تحتاجه؛ لأنك ذكي وسيكون المال معك عندما تريد شراء ما تحتاجه، بينما إذا أنفقته فلن تجده، وعوّده على ادخار بعض المال وتنبه حتى لا يدخر مصروفه كاملاً ويأخذ الحلوى من إخوته، أو يأخذ مالاً منك أو من الطرف الآخر، ونبهه أن يفكر جيداً قبل إنفاق مدخراته، وأخبره أن لدينا خيارات لإنفاق كل مبلغ من المال، ولن يغطي كل ما نريده، ويجب ترتيب أولوياتنا والفرح بما نشتريه وتأجيل الباقي أو تجاهله.
ينصح البعض بتعويد الطفل على المشاركة باحتياجات البيت وهذا خطأ؛ فماله يخصه سواء حصل عليه بالادخار من مصروفه أم من عمله بالإجازة الصيفية.
تذكر دائماً:
– لا تجعل المكافأة دوماً مادية؛ حتى لا يجعل المال أهم شيء بالحياة؛ فكافئ أيضاً بكلام جميل واحتضان.
– لا تشترِ حبه بالمال؛ حتى لا تعلمه أن المال يشتري كل شيء؛ فيبتزك ولو بعد حين، وسيراه حقاً له ولن يرضى.
– لا تحل أي مشكلة بينكما كرفضه للمذاكرة أو كثرة بكائه أو عناده بعرض مال عليه؛ حتى لا تعلمه الرشوة ولن يتوقف أبداً.
– استخدم الرغبة بالشراء لتقوية شخصية الابن؛ بحثِّه على البحث عن العروض والصبر لشراء الأفضل سعراً وجودة.
– تجنب السخرية من الطفل الذي يبالغ بالادخار، وامتداح الذي يسرف ووصفه بأنه يعيش حياته جيداً؛ فتضر الاثنين معاً.
– علّم الأبناء شكر نعمة المال، وعدم التعامل معها باعتياد أو كأنها حق لهم، وألا يعتادوا النعم أو يرونها قليلة.
– يجب أن يعتاد الابن مبكراً على ادخار جزء من مصروفه لشراء هدايا لأفراد أسرته بالمناسبات.
– لا تشجع ابنك على الاقتراض منك أو من إخوته، ولا تسدد ديونه أبداً.
– لا لمواساة الطفل إذا لم يستطع الأهل تلبية رغباته حتى لا يحزن أو يبتز الأهل.
– لا تُظهر أبداً أي إعجاب بأثرياء أمام أولادك إلا بعد التأكد أنهم حصلوا عليها بطرق مشروعة ومحترمة؛ حتى لا تزرع داخلهم -دون قصد بالطبع- أن الغاية تبرر الوسيلة، فتضعفهم أمام شهوة المال -لا قدر الله- أو تجعلهم يربطون بين الالتزام بالمبادئ وقلة المال.
* نائب رئيس تحرير الأهرام.