رجل أسلم بعد مرور بعض أيام رمضان هل يلزمه قضاء الأيام التي مضت من الشهر قبل إسلامه؟
– لا يلزمه قضاء الأيام التي كانت قبل إسلامه، لأنه حين ذاك لا يوجه إليه الأمر بالصيام، فليس من أهل وجوب الصيام حتى يلزمه قضاؤه(1).
شهر رمضان هل هو خاص بالمسلمين أم كان عند الأمم السابقة؟
– يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، دلت هذه الآية الكريمة على أن الصيام عبادة قديمة فرضت على من قبلنا کما فرضت علينا، ولكن هل هم متقيدون بالصيام في رمضان أم في غيره؟ هذا لا أعلم فيه نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم(2).
في منطقة الصحراء الكبرى، قد يحل شهر رمضان على الناس في فصل الصيف ويصعب عليهم الصيام، وقد يكون عليهم مستحيلاً ويستمر ذلك لعدة سنوات، كيف يصوم هؤلاء؟
– إذا دخل شهر رمضان وجب على كل مسلم مکلف مقیم صحيح أن يصومه، قال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة: 185).
فيجب الصيام ولو كان الوقت حاراً؛ لأن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، ومن صام ثم أصيب بعطش شديد خشي معه الهلاك فإنه يفطر بتناول ما يبقي على حياته، ثم يمسك ويقضي هذا اليوم في وقت آخر، والله أعلم(3).
لديَّ صديق يرغب في اعتناق الإسلام، ولكن عندما علم أنه يجب أن يصوم، ويمتنع عن الأكل والشرب أحجم عن ذلك؛ لأنه مدمن على القهوة ويشربها باستمرار، لكونه يعاني من الشقيقة والصداع فهي بمثابة العلاج له، فكيف أستطيع أن أساعده؟ وهل لديكم أي مقترحات؟
– أولاً: إن أعظم نعم الله على عبده، وهي -أيضاً- علامة سعادته وفلاحه: أن يوفقه ربه للدين، ويشرح صدره للإيمان به، والاستسلام له، قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام: 125)، قال الشيخ السعدي رحمه الله: «يقول تعالى – مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته، وعلامة شقاوته وضلاله: إن من انشرح صدره للإسلام، أي: اتسع وانفسح، فاستنار بنور الإيمان، وحيي بضوء اليقين، فاطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله، متلذذاً به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومَنَّ عليه بالتوفيق وسلوك أقوم الطريق.
وإن علامة من يريد الله أن يضله، أن يجعل صدره ضيقا حرجاً، أي: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، لا ينشرح قلبه لفعل الخير، كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء، أي: كأنه يكلف الصعود إلى السماء، الذي لا حيلة له فيه.
وهذا سببه، عدم إيمانهم، هو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم، لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان، وهذا میزان لا يعول، وطريق لا يتغير، فإن من أعطى واتقي، وصدق بالحسنى: يسره الله لليسرى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسييسره للعسرى»(4).
فنسأل الله أن يهديه، وأن يشرح صدره للإسلام، وأن يرزقه الإنابة إليه، والخضوع لدينه.
ثانياً: ليعلم أن صيام شهر رمضان ليس بالأمر الهين في دين الله، بل هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وأحد المباني العظام التي ينبني عليها هذا الدين، كما في الحديث المعروف عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان”(5).
وليعلم -أيضاً- أن النطق بالشهادتين، والدخول في الإسلام يعني: أن يستسلم العبد بقلبه وجوارحه لرب العالمين، وأن يؤمن به وبما جاء من عنده، وأن يخضع لربه، ويقبل حكمه وأمره ونهيه، ويصدق خبره. قال الله تعالى: (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا. فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء: 64-65).
قال ابن كثير رحمه الله: “وقوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهراً؛ ولهذا قال: (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليما كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة»(6).
والآيات في تقرير هذا الأصل، وتوضيح هذا المعنى كثيرة جداً في القرآن الكريم.
ثالثاً: إذا فهمنا هذا الأصل العظيم من أصول الإيمان، وهو الانقياد والقبول لكل ما جاء من عند الله تعالى، والاستسلام له باطنا وظاهرا، وعلمنا -أيضاً- أن صوم رمضان ركن عظيم من أركان الإيمان، لا يصح لأحد إيمانه من غير أن يقبل به، كانت المهمة التالية في دعوة هذا الراغب في دين الله، أن نبين له أنه لا مشكلة أمامه تمنعه من الدخول في الإسلام، وأن الله تعالى ما جعل على عباده حرجاً في دينهم، بل يسَّره عليهم، ورفع عنهم ما يوقعهم في الحرج والمشقة.
فإذا كان هذا الرجل يشرب القهوة لأجل ما يصيبه من الصداع والشقيقة، فبإمكانه أن يأخذ القسط الكافي من ذلك في أثناء الليل، حتى إذا بدأ الصيام في النهار: امتنع عن ذلك حتى غروب الشمس، وبإمكانه أيضا أن يستعين بالأدوية المساعدة على الشفاء من صداعه، أو تخفيف آثاره.
على أنه من المعلوم أن المريض الذي يشعر بمرضه أثناء النهار، ويتأثر مرضه بالصوم، من المعلوم أن مثل هذا معذور في دين الله، فإذا أصابه الصداع، واحتاج إلى الدواء، ولم يستطع الصوم أمكنه أن يفطر ذلك اليوم، ثم إذا انتهى الشهر يقضي ما أفطره من الأيام بعذر المرض، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 183- 184).
رابعاً: إن الله عز وجل أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ومتى أقبل العبد على ربه أقبل الله عليه أكثر مما فعل هو، كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “يَقُولُ اللهُ عز وجل: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأِ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأِ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً”(7).
فكن على ثقة -يا عبد الله- أنك متى أقبلت على الله بصدق، أقبل الله عليك، وجبر كسرك، ويسر لك أمرك، وشرح صدرك، وكفاك شر ما أهمك، وأعانك من حيث لا تحتسب، فلعل الله أن يشفيك من دائك، ولعله أن يغنيك ويصرف عنك ذلك الإدمان لما تشربه، فأقبل على الله، وأحسن الظن بربك، وألق عليه حاجتك، لكن شريطة أن تكون جادا في الانقياد لأمر الله، والقبول لما جاء من عنده. قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (الليل: 5-7).
خامساً: ليعلم أنه متى صدق العبد في إيمانه بربه، ثم عجز عن بعض التكاليف، أو غلبته نفسه وشهوته، فوقع في معصية، أن المعصية ليست نهاية الطريق، بل باب التوبة والإنابة إلى ربه مفتوح، ثم هو –على معصيته – في محل العفو من الله، والرجاء بالتجاوز عن ذنبه وزلته، لكن المشكلة التي لا حل لها هي أن يبقى على شرکه وإعراضه عن دین ربه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء: 48).
_____________________________________
* بتصرف من موقع “الإسلام سؤال وجواب”
(1) الإجابات على أسئلة الجاليات للشيخ محمد بن عثيمين (1/ 8).
(2) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (15/7)
(3) فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية (9/ 145)
(4) تفسير السعدي (272).
(5) رواه البخاري (8)، ومسلم (16).
(6) تفسير ابن كثير (2/349)
(7) رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).