قال مصطفى بن حمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى في المغرب (أعلى هيئة دينية في المملكة)، إن شهر رمضان له سمات خاصة في بلاده، إذ يزداد فيه البذل والعطاء والاهتمام بالعلم وخاصة العلوم القرآنية والدعوية، كما يتميز بزيادة النشاط الاقتصادي.
وفي مقابلة قال بن حمزة، وهو أيضا رئيس فرع المجلس بمدينة وجدة (شمال شرق)، إن “رمضان ليس فقط للصيام، وإن كان أبرز أعماله وعباداته، غير أنه شهر للعلم أيضا، خاصة وأن الأمة الإسلامية تلقت فيه الهدية الكبرى، وهي القرآن الكريم”.
شهر العلم
ويحرص المغاربة في غير رمضان على مدارسة وقراءة القرآن في المساجد، وفي رمضان يكون إقبالهم أكبر، وفق المتحدث.
وأضاف: “الناس في المغرب يقرأون حزبان (واحدً بعد صلاة الصبح وآخر بعد صلاة المغرب)، وفي رمضان لكلٍ ورد يومي أو حزب أو حزبان، ولو سألت في نهاية الشهر عن ختم القرآن، ستجد أن عددا كبيرا ليسوا طلبة قرآن، أنهوا قراءته مرتين وثلاث، خصوصا النساء في البيوت”.
واستدرك: “هذا الأمر يجعل الناس تقبل على شراء المصحف، بل في المغرب المصاحف تمد وتمنح مجانا، وهناك مؤسسة كبرى هي مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف تسهر على ذلك”.
وفي أغسطس/ آب 2010، أطلق العاهل المغربي الملك محمد السادس، العمل بـ”مؤسسة محمد السادس” لطباعة المصحف الشريف، وذلك لإعادة نسخه برواية ورش عن نافع، ووفق القواعد المعتمدة عند المغاربة في علوم الرسم والوقف والضبط والقراءة.
وأردف: “شهر رمضان يقترن بدروس العلم، والرسول صلى الله عليه وسلم كان دائما يأتيه جبريل ويدارسه العلم، لذلك الكثير من الناس في رمضان يتحلقون حول الفقهاء والعلماء في المساجد، يسألون مسائل الصيام وغير الصيام”.
وزاد: “بعض المساجد تعقد المجالس قبل العصر أو قبل الظهر أو بين العشاءين وأصبح هذا معروفا، بالإضافة للعدد الهائل من المحاضرات الأخرى التي تنظمها مختلف الجمعيات والمؤسسات ليتحول ليل رمضان إلى سمر مع العلم”.
البذل والعطاء
وقال بن حمزة، إنه من الأشياء التي يحرص المجتمع المغربي على تجسيدها بشكل كبير في رمضان هو التضامن بين الناس.
وأضاف أن الناس في المغرب يتعاونون فيما بينهم، حتى أضحت قفة (سلة) رمضان تقليدا في الأحياء، تجمعها النساء والرجال، ويذهبون بها إلى قمم الجبال والأماكن النائية والمهمشة لتوزيعها على الفقراء.
ولفت أنه “من يضيق برمضان يجب أن يعلم أن هناك من ينتظر هذا الشهر، لأنه يفتح له المجال لتلقي المساعدة والارتباط بالمسجد وقراءة القرآن”.
ووفق المتحدث، لا يغفل المغاربة الروحانيات في رمضان، فهم “لا يتساهلون في قضية الإفطار في رمضان، إلى درجة أن الذي يفطر لا يستطيع أن يجاهر بذلك لأن المجتمع يستطيع أن يعاقبه بالإهمال”.
وأوضح أن “كل محاولات الإفطار في رمضان، لم تقابل اجتماعيا بترحاب لذلك تموت في لحظتها”.
صيام متعدد
وأفاد المسؤول الديني بأن “المغاربة من جملة المسلمين الذين لاحظوا أن هناك نصوصا شرعية كثيرة تتحدث عن الصيام وعباداته وما له من ميزة، ولذلك يحرصون على ذلك”.
وذكر أن “الأمر لا يتعلق بصيام رمضان فقط بل هناك مناسبات في السنة كلها يصوم فيها الناس حتى يكاد يكون الصيام شيئا مجمعا عليه”.
وتابع: “فالناس يصومون في (تاسوعاء/ اليوم التاسع من شهر محرم) ويصومون في ذي الحجة إلى درجة أن الحياة تتغير لكثرة اجتماع الناس على الصيام”.
وزاد: “فإذا كانت علاقة المغاربة كبارا وصغارا نساء ورجالا، مع صيام النوافل على هذا الحال، معنى ذلك أن لهم حرص شديد على الصيام الواجب الذي هو صيام رمضان”.
يتأثر فيه كل شيء
ولا تقتصر أدوار رمضان الفعالة في حياة المغاربة، على الجانب الروحي فقط، بل هو مناسبة لزيادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع.
وأوضح بن حمزة، أن “رمضان شهر لافت النظر يتأثر فيه كل شيء، فالاقتصاد في رمضان هو غيره في الأيام الأخرى، هناك مبيعات و نشاط وإقبال على كل الأشياء التي يعتبرها الناس من لوازم الصيام”.
واستطرد: “رمضان يؤدي دورا اجتماعيا مهما من حيث إنه يتيسر للناس الالتقاء يوميا، على الأقل من أجل أداء صلاة التراويح مع ما يعقبها من تواصل وتواد والتقاء وهو أمر مهم”.
وبسبب جائحة كورونا، لم يتمكن المغاربة شأنهم شأن باقي المسلمين في أغلب بلدان العالم في السنتين الماضيتين، من أداء صلاة التراويح في المساجد.
وبعد تخفيف القيود الصحية التي فرضت جراء تفشي الجائحة، يتمكن المغاربة من إقامة التراويح من جديد هذا العام، في آلاف المساجد المنتشرة في عموم المملكة.