قبل 77 عاماً أنشئت الجامعة العربية؛ لتلبي طموحات العرب في الاستقلال والوحدة، وقد تزامن ذلك مع إنشاء منظمة الأمم المتحدة، لكن المقارنة بينهما بطبيعة الحال لن تكون في صالح الجامعة!
يرى المنتقدون لدور الجامعة العربية أن مشكلتها تكمن في عدم أداء دورها الذي أنشئت من أجله وليس في وجودها في حد ذاته؛ فالجامعة تضم 22 دولة عربية تتوزع على مساحة تبلغ 13.5 مليون كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكان دولها ما يزيد على 400 مليون نسمة.
هذا الثراء البشري والتنوع الجغرافي كان كافياً لإحداث نهضة عربية؛ بل إن الجامعة التي تضم في عضويتها دولاً ذات تاريخ عريق، كان عليها أن تلبي تطلعات الوجود العربي في عالم لا يحترم غير التحالفات والتكتلات الكبرى.
الجامعة تحمل في داخلها عوامل عجزها وقصور أدائها حيث باتت أشبه برجل بلغ من العمر أرذله
مشكلة الجامعة الرئيسة ارتهانها لقرارات الإجماع، فهي تحمل في داخلها عوامل عجزها وقصور أدائها، حيث باتت أشبه برجل بلغ من العمر أرذله، فصار قصارى جهدها الحفاظ على الحد الأدنى من وجودها في دورة الانعقاد السنوي!
لقد عقدت الجامعة 44 قمة؛ منها 11 قمة طارئة، و4 قمم اقتصادية، ولم يصدر عن أي منها قرار يؤثر في المجتمع العربي بله السياسة الدولية!
مظاهر القصور
ها هي فلسطين ترزح تحت نير الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من 70 عاماً ولا تجد القرارات الدولية أداة للتنفيذ، ويعاني أهلها في أرضهم من الحصار والتجويع والتهويد في صمت مريب وازدواجية مقيتة.
لقد عجزت الجامعة عن حل القضية الفلسطينية ووقف نزيف الدم العربي أو الحفاظ على الأراضي العربية وابتلاعها بالاستيطان والتهويد؛ ويكاد الاستيطان أن يلتهم ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية، فلا تواجه الجامعة قضايا العرب المصيرية إلا بالشجب والتنديد، رغم ما تملكه من إمكانات وقدرات اقتصادية وبشرية.
ولا يمكن بحال التقليل من الجهد العربي تجاه فلسطين؛ غير أن المأمول من الجامعة أن تردم الهوة بين العرب بعضهم بعضاً وأن تكون حاضنة لهم، وألا تكون هي نفسها أداة تسلبها التجاذبات الإثنية والخلافات القطرية.
وتشتبك الأحداث الراهنة من محاولة الصهاينة ذبح القرابين في المسجد الأقصى ونثر دمائها في أرجائه في تنفيذ لخرافة وأسطورة الهيكل والتعجيل ببنائه؛ ما يشي بحجم الكارثة التي يوشك أن يتعرض لها المسجد الأقصى وعجز جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي عن وقف تلك المحاولات الإجرامية لقطعان الصهاينة.
ثمة فرضية بأن بريطانيا دعمت إنشاء الجامعة حتى لا يعود بالعرب الحنين إلى الخلافة الإسلامية
بل إن الجامعة تقزمت أمام ما ارتكبه الروس من مجازر في سورية، ولم تهرع منظمة الأمم المتحدة لنجدتهم واكتفت بمفاهيم الشجب والإدانة مع ازدواجية الرأي العام العالمي وتجاهله لقضايا العرب؛ فهذا العالم تحكمه الأفكار والأيديولوجيات ولا مكان فيه للضعفاء.
وبصورة عامة، عجزت الجامعة عن حل الخلافات العربية، ولم تمكن العرب من استشراف تغيير اقتصادي وديموغرافي من سلع اقتصادية أو اتفاقية الدفاع العربي المشترك.
وتقف الجامعة العربية عاجزة عن نصرة القضايا العربية أو الدفاع عنها، فهي مستلبة الإرادة، وتقع تحت داء التشظي والانقسام، بل إن الجامعة لم تستطع أن ترفع نير الاحتلال عن سبتة ومليلة هاتين المدينتين المغربيتين اللتين ترزحان تحت سيطرة الاحتلال الإسباني.
لذلك، استقر في العقل العربي مفهوم عجز الجامعة، وأنها مسلوبة القرار، ولا تستطيع مواجهة قضايا الأمة المصيرية.
وثمة فرضية تقول: إن بريطانيا دعمت إنشاء الجامعة العربية حتى لا يعود بالعرب الحنين إلى الخلافة الإسلامية، ولا سيما أن الملك فؤاد طمحت نفسه إلى ذلك، وظل ذلك حتى أرادها الملك فاروق فأنشئت تلك المنظمة.
الطريق للإصلاح
رغم دعوات إصلاح الجامعة العربية المتعددة، فإنها ظلت حلماً لم يغادر خيال الآباء المؤسسين.
ولعل الخطوة الأولى في تفعيل دور الجامعة العربية تكمن في بث الشعور بالمشترك العربي، وأن قوة العرب ومقدرتهم تكمن في وحدتهم في غير نزعة عنصرية.
وينبغي تفعيل قرارات القمم العربية السابقة؛ فالعرب يحتاجون بنكاً عربياً موحداً تنصرف عنه عملة واحدة، ولن يكون العرب أقل من أوروبا في وجودها المشترك.
ويحتاجون كذلك لسوق عربية وعملة موحدة، ولا نكون حالمين لو قلنا: ويحتاجون لجيش عربي موحد.
بل على الجامعة أن تهتم بمقومات الوجود العربي في الدول المحيطة بدول الجامعة، فهل يعقل أن تغفل الجامعة دول الصحراء وغرب أفريقيا، مثل تشاد ومالي ونيجيريا وإريتريا؟!
ومن يراهنون على إصلاح الجامعة يرون أن المستقبل كفيل بأن يردم الهوة بين واقع العرب وحلمهم في أن تفعّل الجامعة دورها، وتتخلص مما يعيق دورها في غد عربي مأمول.
ويجب ألا يغيب عن وعينا أن وجود الجامعة رغم ما يثقل كاهلها من أدواء وعلل مما يمكن تداركه؛ فهي لا تزال حاضنة العرب ومرتكز وجودهم المعاصر.