لا تغادر تفاصيل ذكرى النكسة الـ55 ذاكرة الفلسطينيين، ففيها الألم والتشرد وضياع الأرض.
ولم يعد الفلسطيني بقادر على إحصاء محطات الألم من نكبة ونكسة وجدار و”صفقة قرن” وقوانين تشرع للمستوطنين استملاك الأراضي الخاصة بالمواطنين.
ذكرى النكسة الـ55 في ذاكرة المزارعين ممزوجة بألم مستمر، فما زالت النكسة والنكبة تطل عليهم بصور وأشكال مختلفة، فالجدار عزل أراضيهم، والطرق الالتفافية قطعت أوصال الأراضي وتواصلها، والمستوطنات تزحف نحو الأراضي التي بقيت بعد المصادرة الواسعة.
في قلقيلية النموذج الأصعب للمزارعين، فمعظم الأراضي عزلت خلف الجدار، وتقدر مساحتها بأكثر من 20 ألف دونم، وأصبح المزارع يتنقل في حقل أشواك.
المزارع السبعيني عبدالله العبد حسن يذهب يومياً مع حماره على أرضه المعزولة خلف الجدار، وكانت عريشته على تلة تشرف على كل الأراضي المحيطة هدمها الجدار ولم يبق منها إلا الذكريات.
يقول الحاج عبدالله العبد حسن: العذاب اليومي لا يعلمه إلا الله، فبعد إقامة الجدار كنت أذهب في رحلة يومية بطول 7 كيلومترات وعبر بوابة أمنية وطرق التفافية حتى أصل أرضي منهكاً.
ويضيف: ذهابي للأرض من أجل إثبات وجودي، وأن الأرض غير فارغة كما يريد الاحتلال والمستوطنين.
ويتابع: رحلتي اليومية بين عذاب السير وعذاب التفتيش والخوف من إرهاب المستوطنين ومهاجمة الخنازير البرية التي تنتشر بكثرة في المكان، فالأراضي المعزولة خلف الجدار تصنفها دولة الاحتلال محميات طبيعية؛ أي تتكاثر الحيوانات فيها على حساب مزروعات المزارعين.
ويقول المزارع محمود عبدالكريم (70 عاماً): هذا اليوم يذكرني بضياع أرضنا في الـ48، وضياع أرضنا خلف الجدار وبناء منشآت المعبر الشمالي عليها بعد مصادرتها.
حياة قهر وملاحقة
وفي واد قانا، يعيش أكثر من 70 مزارعاً حياة التشرد والقهر والملاحقة والتضييق عليهم من قبل الإدارة المدنية وسلطة الطبيعة والبيئة.
يقول المزارع بلال منصور: النكسة حاضرة في تفاصيل كل شتلة وشجرة وحبة ثمر في واد قانا، فلا يسمح بزراعة أشتال جديدة ولا صيانة وسائل الري، ويكون كل شيء مراقباً كأننا في معسكر جيش عليه الحراسة المشددة.
ويضيف: فما تبقى من أشجار هي نتاج صمودنا في ظل القبضة الأمنية المشددة، وفي ذكرى النكسة نعيش في واد قانا حياة عذاب وقهر وملاحقة.
وفي بلدة الزاوية قضاء سلفيت، تستذكر الحاجة جزيلة شقير (80 عاماً) ما تلاقيه من معاناة أثناء ذهابها إلى أرض عائلتها خلف الجدار وتقول: نحن تربينا في الأرض وأولادي ولدوا فيها وحياتنا فيها، وأنا عمري 80 عاماً لا أذكر أنني يوماً لم أذهب إليها إلا في حالات اضطرارية.
وتضيف الحاجة شقير: عندما تغلق البوابة الأمنية ونمنع من الدخول لا نستسلم أنا وجارتي، فنذهب إلى فتحة في الجدار وندخل منها بصعوبة، فنحن لا نرفع الراية البيضاء أمام احتلال يريد أن يمنعنا من أرضنا التي هي كل ما نملك.