نثق أن من يتوسط للصلح بين أي زوجين يرغب بمساعدتهما والقضاء على أسباب الخلافات بينهما وإسعادهما، ويؤكد الواقع أن الغالبية العظمى من الوساطات تؤجج الخلافات الزوجية وتصعدها لصراعات ومحاولات كل طرف الانتصار لنفسه وأحياناً الانتقام ورد الاعتبار، وقد تصل بهما -لا قدر الله- للطلاق العاطفي أو للطلاق الفعلي.
نوضح الأخطاء لكل زوجين، للانتباه قبل قبول أي وساطات، ولكل من يتوسط للإصلاح.
صناعة الجروح
نبدأ بخطورة جمع الزوجين في جلسة الصلح، وهو أكثر الأخطاء شيوعًا، ويرتكبه الوسطاء وغالبية المختصين بالإرشاد الأسري والأطباء النفسيين، للمواجهة بين الزوجين وتفنيد أسباب المشكلات ومنع القول بما يخالف الحقيقة وإتاحة الفرصة للطرف الآخر للرد عند قول ما يسيء إليه، وخطورته تكمن في سماع كل طرف ما يؤلمه من انتقادات أمام الوسطاء وإن كانوا من المقربين، وتتحول الجلسة -مع الأسف- لحلبة صراع حادة، يتبادل فيها الزوجان الكلام المسيء والاتهامات المؤلمة، وتتعقد المشكلات وتقل فرص التفاهم ويصنعان الجروح النفسية -التي لا تُنسى- لبعضهما بعضاً، فلا أحد يحب تعرية أخطاءه أمام الآخرين، وكلنا نخطئ أحياناً، والتراجع عن الخطأ بين الزوجين يكون أسهل وأقل مشقة لو كان بعيداً عن أعين الناس.
الأسوأ شعور من تعرض للانتقاد العلني بالإهانة وبخذلان شريكه بالزواج له وبتشهيره به ولا يتقبل ذلك بسعة صدر ولا بالورود بالطبع، فيرد الصاع صاعين؛ فيذكر مساوئ الآخر وقد يبالغ أو يصفه بما ليس به ليدافع عن نفسه.
أسئلة مهمة
كل طرف سيتعامل بحساسية مع ملاحظات وأحياناً بتحفز أو عدوانية مع انتقادات شريكه بالزواج له، والأفضل تركه يحكي مشكلته وحده بلا إحراج، ونسأل عن أهم المشكلات وهل بدأت في الخطبة؟ وكيف تعامل معها كل طرف؟ وهل عانى مشكلات مع أهله؟ وردود الفعل عند التشاجر، وماذا يقول كل طرف للآخر ومدة الزواج. كيف يقضيان الوقت سوياً؟ ورأي أهل كل طرف في النزاع؟ ومزايا الطرف الآخر وعيوبه؟ ولا نخبره بما قاله الآخر عن عيوبه أو تفاصيل تؤلمه، فدور الوسيط التهدئة والحل وليس إشعال الموقف وتوتيره.
يفيد ذلك في التخلص من الشحنات المتراكمة، ويساعد في الإصلاح وإيجاد حلول، ونوصي كل زوجين بفعل ذلك كل مع نفسه قبل اللجوء لمن يتوسط بينهما.
نرفض وضع أحد الزوجين أو كلاهما بموقف الاتهام؛ فيلجأ للدفاع عن النفس بالحق أو بغيره، فلن يغفر ذلك شريكه، وإن استجاب للصلح فسيحتفظ بالغضب داخله، وسيظهر عند أقرب خلاف بسيط، كما يحدث كثيراً، وستنفجر الخلافات بأشد مما كانت قبل الصلح.
انحياز وضغينة
يتبنى بعض الوسطاء وجهة نظر مسبقة عن المشكلة بين الزوجين، ويقرر الحل دون السماع للطرفين، والأفضل التجرد من تصوراتنا حول موضوع الخلاف والاستماع بموضوعية ودون الانحياز لجنس دون آخر والإنصات بتفهم.
ينحاز الأهل أحياناً للأبناء من الجنسين عند حل المشكلات الزوجية، ويجهضون فرص الحل وإقناع الطرف الآخر، ويثيرون الضغينة ويعقدون الأمور بدلاً من حلها، والأسوأ عندما يقحمون الكرامة في الخلافات.
نوصي أن يكون الهدف حل المشكلة والحب الحقيقي للأبناء وللبنات بوضعهم على الطريق الصحيح وليس بالانتصار لهم وإن كانوا مخطئين، فمناصرتهم عند الخطأ وتبريره والدفاع عنه سيرسخ الخطأ وسيكون عادة يصعب التخلص منها.
لا نقل أبداً: إن الطرف الآخر لديه شروط أو طلبات ليقبل بالتصالح، فيتسبب بإفشال الصلح أو قبوله باضطرار وبضغينة ولا يستمر طويلاً وينهار، فالأفضل القول: إنه يقدرك ويرى أن بعض الأمور ستساعده على تحسين الحياة، ونقولها بأقل كلمات ونرفض الطلبات المبالغ بها، فحتى في الصلح بين الدول فالشروط القاسية التي تمس الكرامة، وإن قبلها طرف مضطراً لا تصمد طويلاً، فما بالنا بحياة زوجية أساسها الود والرحمة وليس الإذلال والإجبار لأي من الجنسين.
مرونة وذكاء
يجب ألا نخبر أي طرف بأي كلام سلبي قاله الآخر عنه، فغالباً ما يُقال تحت الشعور بالغضب وبالرغبة بإثبات أنه لم يخطئ ولا يقصد الإساءة ونقلها يرسخها لدى الآخر، فتصنع مشكلة أكبر من موضوع الصلح، ولا نبالغ بالزعم بأن الطرف الآخر يحبه جداً ويمتدحه كثيراً ونحترم ذكاء المتلقي، ونخبره بالكلام الإيجابي بلا مبالغات.
لا يوجد طرف منتصر بالخلافات الزوجية لا الأزواج ولا الأهل، ولا بد أن يرضى الطرفان ولا نستخدم كلمة التنازل، فيشعر بالتقليل من النفس ويتوقع من الآخر تقديم الكثير ولا يجده فينفجر لاحقاً، ونفضل المرونة الذكية وترتيب الأولويات ونستمع جيداً لكل طرف، فكثيراً ما يكون كل ما يريده إفراغ شحنات غضبه والاستماع لمن يهدئه ويخبره بأن الأمور ليست كما يظن وأنه يبالغ ويسيء الظن وأن الآخر يقدره جيداً، وننتبه إذا أفرط طرف في ذكر أمور بسيطة جداً في شكواه فهي ليست شكواه الحقيقية وقد تكون أمرًا شائكًا لا يريد الكلام عنه أو يخص العلاقة الزوجية الخاصة.
قد يشكو أحد الزوجين من أمور حدثت منذ سنوات طويلة ويحتفظ بها وتتراكم داخله، ونرفض مقاطعته بدعوى انتهائها، فلو انتهت لما ذكرها ودوماً يجب الاستماع باحترام مهما اختلفنا، ولنكن كالطبيب الذي يعالج المريض وليس قاضيًا يصدر الأحكام.
احترام وتهدئة
أحيانا تُقال كلمات قاتلة مثل: لقد تحملت كثيراً، أو هل فعل بك هذا حقا؟ ويقولها البعض بحسن نية لإثبات التعاطف وغيره لإفساد فرص الصلح.
مهم اختيار الوقت المناسب لكل طرف للكلام معه، واحترام كل طرف ولا نقول المشكلة تافهة ولا صعبة، ونقول قابلة للحل بإذن الله.
نوصي بمنح الزوجين الفرصة التامة لحل مشكلاتهما بعيداً عن الآخرين -مهما كان قربهم- وإفهامهم بود واحترام لمشاعرهما أن من الطبيعي وجود بعض الخلافات والمضايقات من وقت لآخر بين أي زوجين، فحتى الأشقاء يتشاجرون أحياناً وهم من نفس الأسرة ونشؤوا نشأة واحدة، ويتضايق الإنسان من نفسه أحياناً، فكيف نستغرب المشكلات بين الزوجين التي تكون بسبب تعارض الرغبات وأحياناً سوء تفاهم وتسرع في الحكم على الطرف الآخر.
ونخبرهما -كل على حدة- بضرورة تهدئة النفس قبل الكلام مع الشريك بالزواج وتجنب الكلمات الحادة وعدم الرد عليها بمثلها إن قالها الآخر، وتأجيل رد فعله عند الغضب، ويُذكر نفسه بأي أمور جيدة فعلها الآخر له ليهدأ وليغلق أبواب إبليس اللعين الذي يسعد بالشقاق بين الزوجين، وألا يتسرع بإخبار أسرته فستنتهي المشكلات بينه وبين شريكه.