بدأت تلوح في الأفق علامات صفقة سياسية بين منظمة التحرير وحكومة العدو الصهيوني، ستكون القدس بمقدساتها الإسلامية ومكانتها لدى المسلمين هي المحور الذي سيتنازل عنه عرفات ورفاقه لليهود من أجل صورة هزيلة لما يسمى بالحكم الذاتي، ولمعرفة رأي الشرع فيما حدث ويحدث الآن بدعوى التعايش السياسي مع اليهود، كان لـ “المجتمع” هذا اللقاء مع فضيلة د. يوسف القرضاوي.
- هل يجوز لفرد، أو جهة، أو جماعة أو هيئة.. أو ما شاكل ذلك التنازل عن جزء من القدس في مفاوضات سياسية يزعم تحقيق السلام مع اليهود؟
– هذا لا يجوز مطلقاً، لا عن القدس ولا عن غيرها من بلاد المسلمين، بل إن الاعتراف بالكيان الصهيوني خيانة لله والرسول وللأمانة التي وكل إلى المسلمين المحافظة عليها، وأي خيانة أشد وأذكى من بيع المقدسات الإسلامية، أو التنازل عنها، وهناك فتوى شهيرة وقَّع عليها أكثر من ستين من كبار علماء وفقهاء ودعاة الأمة الإسلامية، ونشرتها عام 1989م جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، ولكن إذا ما اضطرتنا الظروف في بعض الأحيان –كما في البوسنة الآن– في فرض هذا السلام الجائر الظالم علينا، بقوة المحتل وبطش السلاح، فإنه يجب أن ننظر إلى هذه الأمور في ضوء الأجيال الإسلامية القادمة، وليس في ظل ما نحن فيه اليوم من ضعف وفرق.
- وهل يجوز إعلان الجهاد مرة أخرى لتحرير الأراضي التي تم توقيع المعاهدات بشأن التنازل عنها في سبيل تحقيق السلام؟
– هذه المعاهدات لم يوقعها خليفة المسلمين، ولا وافق الكل عيها، وهؤلاء الذين وقّعوا أو يوقّعون عليها، لم يصدروا عن رأي شرعي، ولا أقر مجلس إسلامي عالمي أعمالهم مثلاً، ومن هنا فعن حق الآخرين أن يعترضوا عليهم، لأنهم جماعة صدرت عن رأي سياسي بعيد كل البعد عن شرع الله، ولا حرج في ذلك الخروج على ما يصنع هؤلاء.
- ربما يكون هذا التنازل عملاً “تكتيكياً”، فما رأيكم؟
– من ناحية المبدأ؛ الرأي الشرعي واضح كل الوضوح في هذا الشأن، وإذا لم نكن مكلفين بأن تعود فلسطين إلى أهل الإسلام في عمرنا؛ فإننا مكلفون بالعمل لتحقيق هذه الغاية الكريمة، ولكن يظل حقنا إلى الأبد، في أن نجاهد في سبيل تحرير ما أخذ ظلما وغصباً، وهذه أمور ليست في حاجة إلى دليل؛ لأنها قواعد متفق عليها، ونحن لم ولن نعترف بهذه الاتفاقيات التي تكبل الناس إلى مدد لا يعلمها إلا الله، وتضع المجاهدين في حرج، وكيف يكون هذا هو الحل الوحيد كما يروج هؤلاء!
- وما رأيكم من خلال متابعتكم للأحداث الجارية الآن بفلسطين ولبنان والمفاوضات حول السلام؟
– مبدئياً، يجب أن نؤكد أنه لا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضي المسلمين لأي غاصب، ولكن هل وجود الغاصب في أرض ما مدة من الزمن، يجعل ما اغتصب مباحاً له، كنا قديماً نقول: “إسرائيل” يجب أن تزول كلها لأنها قامت على الاغتصاب، ثم جاء عدوان عام 1956م فأنسى الناس ما كان من عام 1948م، ثم جاء عام 1967م فأنسى العرب ما كان من عام 1956م، وأصبح شعارهم “إزالة آثار العدوان”، ثم كان الآن فأنسى العرب كل ما مضى، ولكن سيظل للجهاد أهله وسوف يصنعهم الله على عينه، والانتفاضة المباركة التي ينحت أهلها في الصخر، لأوضح دليل على أنه إذ صح العزم، وضح السبيل، وصدق الشاعر الإسلامي د. محمد صيام في قوله:
أطفالنا.. سكتت مدافعنا فقاموا ينطقون
ويحطمون حواجز الجبهات.. وليك ما يكون
هذه أرض النبوات والرسالة، أرض الأقصى ومسجد الصخرة، روتها دماء الصحابة ولا بد أن تروى أرضها دماء تابعيهم بإحسان، وليس من حق جيل واحد أن يصنع هذا الصنيع المنكر في التنازل عن شبر واحد منها؛ لأنها ليست ملك الفلسطينيين وحدهم، ولا العرب وحدهم، بل هي ملك المسلمين جميعاً، وليست ملك المسلمين في هذا الجيل ولا في هذا العصر الذي نعيشه، فقد يضعف هذا الجيل أو يلين، إنما نحن بانتظار الأجيال الإسلامية القادمة؛ (وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ {7} لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال).
[1] العدد: (1063)، ص23 – بتاريخ: 7 ربيع الأول 1414هـ – 24 أغسطس 1993م.