منى حامد
يتعرض نحو 43% من النساء في العالم العربي لـ«تحرش إلكتروني» خلال استخدامهن لشبكات التواصل الاجتماعي، حسب إحصاء أورده معهد «تشاتام هاوس» عام 2021، ويتوقع زيادة هذه النسبة العام الماضي، مع زيادة استخدام منصات التواصل الاجتماعي المرئية عربياً، لا سيما «تيك توك»، وهو ما سلط الضوء على تفاقم معاناة المرأة العربية، التي تعاني أوضاعاً صعبة أصلاً.
فمن بين النسب الأدنى في كافة المؤشرات التنموية تأتي نسبة مشاركة النساء العربيات في سوق العمل، على سبيل المثال، 20.3%، وفق إحصاء البنك الدولي، وهي أدنى نسبة في العالم، مشيراً إلى أن النسبة أقل في دول مجلس التعاون الخليجي.
وإزاء ذلك يتصاعد استخدام النساء العربيات لوسائل التواصل المختلفة، لا سيما المرئية منها، ما يجعلهن، في المقابل، أكثر عرضة لأخطار هذه الوسائل، وعلى رأسها أنواع التحرش الإلكتروني المختلفة، خاصة ذات المحتوى الجنسي.
وتشير إحصاءات «تشاتام هاوس» إلى أن 38% من النساء العربيات يتلقين مكالمات مزعجة أو تواصلاً غير ملائم أو غير مرغوب فيه عبر الإنترنت، وأن 35% منهن يتعرضن لرسائل مهينة أو مكروهة.
والتحرش الإلكتروني هو استخدام الإنترنت أو وسائل إلكترونية أخرى لمضايقة أو ملاحقة أو إهانة فرد أو مجموعة أو منظمة، ويشمل 5 سلوكيات رئيسة، هي: الإساءة اللفظية، والإحراج المتعمد، والملاحقة، والتهديدات الجسدية، والتحرش الجنسي، بحسب التعريف المعتمد لدى مركز «بيو» الأمريكي، في دراسة نشرها عام 2021.
ويشير المركز إلى أن ظاهرة التحرش الإلكتروني عالمية، ويعاني منها 41% من الأمريكيين، ويرجع نصفها إلى آرائهم السياسية.
الأثر النفسي
لكن الوضع في العالم العربي مختلف، إذ تتصدر الإساءات المنطلقة من منطلقات جنسية أو عنصرية نسبة التحرش الإلكتروني، ومعظم ضحاياها من النساء، اللاتي يتعرضن لصور مختلفة من هذا التحرش، منها: نشر أكاذيب أو صور أو فيديوهات محرجة لهن، وإرسال رسائل أو صور أو فيديوهات جارحة أو تهديدية أو مسيئة لهن عبر منصات التراسل، وتقمص شخصيتهن ثم إرسال رسائل سيئة لآخرين بأسمائهن، أو نشر إساءات عبر حسابات وهمية تحمل أسمائهن، حسبما أورد موقع منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (يونيسف) عام 2020.
وحسب الموقع ذاته، فإن التأثير النفسي والاجتماعي لهذه التحرشات بالغة على النساء بوجه عام، ومنها الإصابة بالاكتئاب، وهو ما أورده تقرير لموقع مجلس أوروبا، في إحصاءاته لعام 2020، مشيراً إلى أن السبب الرئيس للتحرش بالنساء إلكترونياً هو «الثقافة الذكورية والعدوانية والإفراط في التحدي والمنافسة»؛ ما يؤثر سلباً على سلامة وأمان النساء.
ويشير التقرير ذاته إلى أن النساء اللواتي لديهن أكثر من صفة مستهدفة، مثل أن يكن نساء من أصول عرقية أو دينية أو جنسية مختلفة، قد يتعرضن للتحرش بمعدلات أعلى.
ووفق دراسة مركز «بيو»، فإن التحرش الإلكتروني غالباً ما يؤدي إلى إصابة النساء المتعرضات له بـ«اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق وانخفاض الثقة بالنفس».
وبحسب دراسة نشرتها مجلة «Computers in Human Behavior»، المتخصصة في تأثير الحواسيب ومنصات التواصل على نفسية وسلوك الإنسان، عام 2021، فإن النساء المستهدفات بالتحرش الإلكتروني يظهرن مستويات أعلى من التوتر والغضب والخوف، ومستويات أقل من السعادة والارتياح.
فيما أشارت لدراسة نشرت في العام ذاته بمجلة «Technological Forecasting and Social Change»، أن التحرش الإلكتروني يمكن أن يؤدي إلى تقليل فرص المرأة في التعليم والعمل والمشاركة المدنية، عبر تأثرها النفسي الدافع إلى الانعزال وعدم الانخراط في الأنشطة العامة، ويزيد من خطر تعرضها للعنف الجسدي أو الجنسي في الواقع.
الدافع الجنسي
ووفق دراسة مركز «بيو»، فإن الدافع الجنسي هو السبب الرئيس للتحرش الإلكتروني بالنساء، مشيراً إلى أن 44% من النساء حول العالم تعرضن لشكل من أشكال التحرش الإلكتروني في حياتهن، مقارنة بـ37% من الرجال.
وتشير الدراسة ذاتها إلى أن 26% من النساء تعرضن للتحرش الجنسي عبر الإنترنت، مقارنة بـ13% من الرجال، ما يعكس التحيزات والصور النمطية والعدوانية التي تواجهها النساء في المنصات الإلكترونية، وهو ما تزيد معدلاته بالنسبة للنساء العربيات، بحسب تقرير «يونيسف»، الذي لفت إلى أن هذه المعدلات في تصاعد منذ جائحة «كورونا»، التي تلازمت مع زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم.
وأبلغت نسبة 49% من مستخدمات الإنترنت في الدول العربية عن شعورهن بعدم الأمان من التحرش الإلكتروني، بحسب التقرير الأممي، مشيراً إلى أن أغلب ضحايا هذه التحرشات يحملهن المجتمع مسؤولية تفادي التعرض له.
فحوالي 36% من المستطلعة آراؤهم في التقرير يعتقدون أن النساء اللواتي تعرضن للتحرش الإلكتروني عليهن «تجاهله»، فيما ألقى 23% باللوم عليهن، وطلب 21% منهن حذف حساباتهن على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أقر أكثر من ثلث الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً في العالم العربي بارتكابهم «نوعاً من التحرش الإلكتروني» بالنساء عبر منصات التواصل.
مواجهة الظاهرة
وإزاء ذلك، يوصي مركز «بيو» بتبني حملات تثقيف وتوعية عالمية للتعرف على أشكال وأسباب وآثار التحرش الإلكتروني، واستخدام لغة واضحة وموحدة لوصفه وإدانته، وتبني الدول لسياسات وقوانين وخدمات فعالة لحماية ضحايا التحرش الإلكتروني، وتشجيعهن على الإبلاغ عن الحوادث وطلب المساعدة، وإدانة ثقافة إدانتهن مجتمعياً.
كما يوصي المركز الأمريكي بتطوير آليات رقابة ومساءلة على المنصات الإلكترونية لمنع انتشار المحتوى المسيء أو المضلل، وفرض عقوبات على المخالفين لها، خاصة المتحرشين بالنساء، مشدداً على أهمية دفاع المتحرش بهن عن أنفسهن بطريقة حازمة، وضرورة إظهار التضامن معهن.