النكبة مصطلح فلسطيني يبحث من المأساة الإنسانية بأبعادها التي حلت بهذا الشعب، وما تعرض له من مجازر وفظائع همجية وتدمير للقرى والبلدات على أيدي عصابات القتل والإجرام «الهاجاناه»، و«شيترن»، و«الأرجون»؛ لهدم معالم المجتمع الفلسطيني الحضاري والاقتصادي لصالح الكيان الغاصب، وإن الذكرى تعكس الواقع المرير الذي حل بالشعب الفلسطيني، وشاهد حي على جرائم الاحتلال، ولأطول فترة لجوء في التاريخ.
ومن الجدير بالذكر أن الفلسطيني لم يتحول إلى لاجئ كسول يبحث عن مساعدة هنا أو هناك، يلهث وراء لقمة عيشة، وعبء على الآخرين، بل اجتهد وبنى شخصيته العلمية والعملية والنضالية من بدايات النكبة، وساهم في البناء والإعمار والنهضة حيثما حل وارتحل، ومدركاً لطبيعة عدوه داعماً لمقاومته مصمماً على عودته إلى أرضه ودياره.
الفلسطيني بنى شخصية النضالية والكفاحية وانخرط في العمل المقاوم من بدايات النكبة، وما زال مشتبكـاً مع عدوه مغتصب أرضه، ومحتل وطنه في كل ساحات تواجده، وحسب ظروفه، مدركـاً لواقع ساحة موطئ قدمه، ملتزماً بقانونها ومحترماً لإدارتها، مستثمراً أي مساحة حرية للتعبير عن موقفه وإسناده لقضيته.
إن أبناء الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم ساندوا كفاح الفلسطيني ونضاله بكافة وسائل الإسناد والدعم المتاحة؛ بدءاً من التعاطف والوقوف بجانب عدالة قضيــتـه، وما نشاهده من مظاهرات ومسيرات تأييداً له وإنكاراً لجرائم عدوه دليل على الإيمان بعدالة قضيته عدا عن مشاركـتـه بخنادق المقاومة وأكتافهم مع كتفه.
جوهر المشكـلة ولب الصراع هو الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتشريد شعبها، ولذا تعد منطقة الشرق الأوسط منطقة عدم استقرار، وعرضة للاهتزازات بسبب هذا الاحتلال، مع أن الدول العربية تمتلك ثروات هائلة ينبغي أن تنعكس على واقعها ورفاه شعوبها وبناء قدراتها واكتفائها، وتعبر شعوبها عن رأيها بحرية.
كما ينبغي أن تنتهي فيها الصراعات الداخلية والحروب الأهلية وخلافاتها البينية، مما يجعلها صفاً واحداً ضاغطاً مؤثراً على موازين القوى، لتؤمن بالحق الفلسطيني وعودته إلى أرضه ودياره ولا تنحاز لدولة الاحتلال كسابق مواقفها تاريخياً.
في ذكرى النكبة الخامسة والسبعين نرى حالة تصاعد هجمات المستوطنين، وبدعم من حكومتهم المتطرفة وبرنامجها، وبحماية شرطته وجنوده، على المسجد الأقصى المبارك، لتقسيمه مكانياً كما يحلمون ويخططون، لكن هذه المحاولات سيفشلها صمود المرابطين والمعتكفين فيه وفي باحاته وساحاته، وبدعم الحالة الشعبية للأمة، ومن المؤكد أن ضربات المقاومة من مختلف الساحات أربكت حساباته ومخططاته، وشكـلت معادلة ردع؛ لذا ينبغي تكريس هذه الحالة لردعه وتراجعه وإفشاله فوق أي أرض وتحت أي سماء كل حسب طاقاته وإمكاناتـه وظروف إقامته، فالانتفاضة الشاملة وبإسناد المقاومة في كل الساحات هي الطريق الأقصر لتحقيق الردع والتحرير والنصر.