- يدعي البعض أن الربا الذي حرمه الله تعالى في كتابه إنما هو ربا الاستهلاك وليس ربا الإنتاج، فهل هذا الكلام صحيح شرعاً؟
– لقد قال من يرى إباحة الربا: إن الربا الذي حرمه الله ورسوله هو ما يعرف بـ “ربا الاستهلاك”، وهو خاص بالإنسان الذي يستدين لحاجته الشخصية؛ ليأكل ويشرب ويلبس، هو ومن يعول، وذلك لما في هذا الربا من استغلال حاجة المجتمع وفقر الفقير، الذي دفعه العوز إلى الاقتراض، فرفض المرابي الجشع أن يقرضه إلا بالربا بأن يرد له المائة مائة وعشرة مثلاً.
وهذا الكلام لم يقله فقيه مسلم قط طوال القرون الثلاثة عشر الماضية، قبل أن نبتلى بالاستعمار، وهو تقييد للنصوص المطلقة بمحض الظن والهوى، وقد ذم الله من فعل ذلك بقوله: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) (النجم: 23).
والتاريخ الصحيح يكذب هذا التأويل: فإن الربا الذي كان سائداً في الجاهلية لم يكن ربا استهلاك، فلم يكن الشخص يستدين ليأكل، وما عرف عن العربي الغني أن يأخذ الربا ممن جاءه يطلب قرضاً لطعامه وشرابه، وإن حدث ذلك كان شيئاً نادراً لا تقام الأحكام على مثله.
إنما الشائع في ذلك الزمن هو ربا المتاجرة، الذي كان يتمثل في القوافل التجارية الشهيرة في رحلتي الشتاء والصيف، يعطيهم الناس أموالهم ليستثمروها لهم؛ إما إقراضاً ومضاربة يتقاسمان فيها الربح على ما اشترطا، وإن حدثت خسارة فعلى رب العالم، وإما قرضاً محدد الفائدة مقدماً، وهو الربا، ومن هذا النوع الأخير كان ربا العباس بن عبدالمطلب، عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أعلن في حجة الوداع أنه موضوع، حيث قال: “إن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا عمي العباس”.
وما يتصور دارس منصف أن ابن عبد المطلب الذي كان يسقي الحجيج في الجاهلية متبرعاً من حر ماله، يعمل عمل اليهود الجشعين، فيقول لمن جاءه يسأله قرضاً لطعامه وطعام عياله: لا أعطيك إلا الربا.
ولو كان الربا الذي حرمه الله ورسوله هو ربا الاستهلاك؛ أي ربا المقترض لحاجته الشخصية والعائلية، كما يدعي مدّعو اليوم، ما كان هناك وجه لأن يلعن رسول الله موكل الربا؛ أي الذي يعطي الفائدة، كما يلعن آكل الربا؛ أي الذي يأخذ الفائدة، إذ كيف يلعن من يقترض ليأكل؟ قد أباح الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير لضرورات المخمصة والجوع، كما قال تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 173).
ولكنَّ الإمام مسلماً روى في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: “هم سواء”، وعن ابن مسعود: “لعن آكل الربا وموكله”، وهو مروي عن غيرهما من الصحابة، والله أعلم.
العدد (1611)، ص58 – 7 جمادى الآخرة 1425ه – 24/7/2004م