إن نصر الله عز وجل مؤكدٌ للأمة الإسلامية على اليهود في غدٍ قادمٍ مزدهرٍ بكلمة الفصل وتطهير الأرض وحماية العرض من براثن إخوان القردة والخنازير الذين غضب الله تعالى عليهم بعدما عاثوا في الأرض بآيات الفساد.
وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخبر أن الحجر والشجر سيكونان مع المسلمين ضد اليهود، وسينطق الحجر والشجر بإذن الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي؛ فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود» (صحيح مسلم).
وليس هناك أصدق من النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم)، لكن هذا النصر الموعود لا بد له من مقدماتٍ تسبقه تعد هي في حد ذاتها من الواجبات المنوطة بأمة الإسلام، قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11).
وعلى الأمة كلها أفراداً وجماعات، حكاماً ومحكومين، أن يتجهزوا بكل وسيلةٍ لإحراز النصر على اليهود وتحرير البيت المقدس، وأهم هذه الواجبات كما يلي:
أولاً: بث روح الجماعة والوحدة في الأمة الإسلامية:
لقد جاء الإسلام العظيم ليوحد الأمة بعد تفرقٍ اكتوى العالم بناره قبل الإسلام، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقد أمر الله تعالى الجماعة المسلمة بالاعتصام بدينه والالتفاف حول رايته فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103).
إن الفرقة التي أصابت الأمة من جراء الاستعمار وأعوانه تعتبر سبباً كبيراً في عدم إحراز النصر المأمول على «إسرائيل» ومن يقف وراءها من الدول والأمم.
ثانياً: تأسيس القضية على أساس الدين:
إن قضية «الأقصى» في جوهرها دينية، ومعركتنا مع «إسرائيل» معركة دينية، وإن اتخذت أبعاداً سياسية واقتصادية وقومية.
لقد أكد زعماء «إسرائيل» واليهود «دينية» قضيتهم قبل قيام دولتهم وبعد قيامها، فمنذ أواخر القرن الماضي قال هرتزل: «إن العودة إلى صهيون يجب أن تسبقها عودةٌ إلى اليهودية»، وما أحرانا أن نقول: «إن العودة إلى فلسطين يجب أن يسبقها عودة إلى الإسلام».
ثالثاً: إحياء دستور الأخلاق:
إن الأخلاق الحميدة الكريمة ومحاسن الشيم تعد صمام أمانٍ لحماية الأمم وتفوقها على غيرها في شتى المجالات، وما انتصرت أمةٌ انتصاراً حقيقياً إلا بأخلاقٍ راشدة.
أما إذا كانت أخلاق السوء هي التي تحكم في أرض الواقع على شتى الواجهات، فإن مصير الأمة المتسمة بذلك إلى ضياع.
وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم فأقِمْ عليهم مأتِماً وعَويلاً
وقد حفل القرآن العظيم والسُّنة المطهرة ببيان الأخلاق الكريمة التي تصون المجتمع المسلم وتجعله متماسكاً ملتفاً حول راية الإسلام في تطبيق واقعي لتعاليم القرآن والسُّنة الأخلاقية.
ويحكي التاريخ أن استرداد بيت المقدس من أيدي الصليبيين في «حطين» على يد الناصر صلاح الدين مَرَّ بمرحلةٍ مهمة من الإعداد الأخلاقي للأمة حين بث صلاح الدين العلماء والخطباء والدعاة يرشدون الجماهير إلى أخلاق الإسلام التي مهدت للنصر المؤزر عام 583هـ.
والتاريخ الحديث يشهد أيضاً أن انتصار العاشر من رمضان على اليهود قد سبقته أخلاق حسان كانت مضرب الأمثال في الوحدة والتآخي والشعور بوحدة الهدف والمصير، فكان أصحاب هذه الأخلاق الكريمة على وعد مع نصر الله الذي تحقق وأسبغ الكرامة والعزة لأمة الإسلام والعرب.
رابعاً: الدعم المادي:
لا بد أن تدرك الأمة قيمة الدعم المادي لمناصرة قضية فلسطين وتحرير المسجد الأقصى، ذلك أن الكلمات وحدها لا تكسو بدناً عارياً ولا تطرد جوعاً ولا تأتي بجرعة دواء لمصاب أو جريح.
إن أرض فلسطين جزءٌ غالٍ من أرض العرب والمسلمين، ولا بد للكل أن يستشعر آلام البعض شعوراً يفرض العطاء لمناصرة القضية.
وبحق أخوة الإسلام يجب العطاء؛ لأن المسلم أخو المسلم ووليّه ودافع الظلم عنه، فإن استطاع ولم يفعل فقد عصى الله ورسوله.
ويجب التأمل في الرمزية التي ساقها حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن ميمونة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس؟ قال: «أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه فإن صلاةً فيه كألف صلاةٍ في غيره»، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: «فتهدي إليه زيتاً يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه» (الوادعي في الصحيح المسند 1662 عن ميمونة بنت سعدٍ رضي الله تعالى عنها بسندٍ صحيحٍ).
خامساً: المقاطعة الفعلية الكاملة ليهود العالم ومن يؤازرهم:
ومن أهم أسباب النصرة لـ«الأقصى» أن نقاطع جميع البضائع التي لن نجوع بعد مقاطعتها، بينما تصب العذاب على إخوتنا بما تدره من دخول وأخلافٍ مالية في جيوب المانحين لإخوان الخنازير.
مقاطعةٌ تخبر بامتيازٍ عن نفسها، بأنها صادرة عن قناعةٍ وإرادةٍ شعبيةٍ تشرحها مواقف الحكومات التي تعبر بالضرورة والصدق عن إرادةٍ شعبيةٍ عارمةٍ بفرض برامج حية ومؤثرة عبر أجهزة الإعلام الرسمية تحذر من شراء واقتناء السلع التي تصب مرابحها المالية في جيوب اليهود، وذلك بعد أخذ الاحتياطات اللازمة لعدم دخول هذه السلع أو البضائع والمنتجات إطلاقاً إلى أي أرضٍ مسلمةٍ أو عربية.
سادساً: الجهاد في سبيل الله ضد «إسرائيل» الصهيونية:
وأخيراً، يأتي الجهاد في سبيل الله تعالى «ذروة سنام الإسلام»؛ كي يكون آخر الدواء.
فإما حياةٌ تسر الصديق وإما مماتٌ يكيد العدا
والجهاد هو الكلمة الأخيرة مع «إسرائيل»، ومداد هذه الكلمة ربما يكون دماً مُراقاً.. لا بأس.
إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها
وبتتبع الحال مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة، نجد أنه عقد معهم عهوداً ومصالحات، لكنهم خانوها وغدروا في أول فرصةٍ سنحت لهم، فماذا فعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟ لقد حاربهم وحاصرهم وطردهم من المدينة.
وقد تم عقد عهود ومواثيق متواليات مع حكام وزعماء «إسرائيل» المغتصبين لفلسطين، وكلما جاء شقيٌّ جديد منهم يحكمهم أهال التراب على ما اتفق عليه سابقه مع العرب والمسلمين.
وبانتقال الدفة من حزب العمل «الإسرائيلي» إلى كتلة الليكود وشاس وكاديما المتخصصين في الإجرام والعدوان تتغير المواقف في الظاهر، ولكن الحقيقة أنهم أجمعين يمثلون «أيديولوجية» واحدة، فكلهم يُطلق عليه «يهودي»، وما الأحداث العظام والمذابح الجماعية قد تمت إلا في عهود أحسنهم كلاماً وأكثرهم ابتساماً، وما مذابح «دير ياسين»، و«قانا» الأولى والثانية، و«الحرم الإبراهيمي» عن خواطر المسلمين ببعيدة.
________________________________________________
المصدر: كتاب «المسجد الأقصى وضرورة التحرير»، حسين شعبان وهدان.