جدل واسع تثيره تقنيات البرمجة اللغوية وتأثيرها المعرفي على البشر وعلاقتها بالدين، بين مؤيد ومعارض، استناداً إلى تأثير تجاربها على قناعات البشر وسلوكهم؛ ما دفع كثيراً من علماء الدين المسلمين إلى التحذير من كونها سلاحاً ذا حدين، يجب التعامل معه بالحرص الواجب.
فالعلاقة بين البرمجة اللغوية والدين لا يمكن تحديدها بشكل قطعي، لأنها مجرد أداة أو منهجية يمكن استخدامها لأغراض مختلفة، وليست عقيدة أو فلسفة، ولذا قد تتوافق أو تتعارض مع الدين حسب طريقة استخدامها والغرض منها.
وفي بعض الحالات، قد تساعد البرمجة اللغوية على تعزيز الإيمان والثقة بالله والتقرب منه، وفي بعض الحالات الأخرى، قد تستخدم للتأثير على المعتقدات الدينية أو التلاعب بها، بحسب دراسات عديدة، أكدت ضرورة حذر المتلقين للبرمجة اللغوية أثناء استخدامها.
ويعود إنشاء البرمجة اللغوية لـريتشارد باندلر، وجون جرايندر في سبعينيات القرن الماضي، وأصبحت شائعة في المجالات التجارية والتنمية الذاتية، ومع ذلك لا يوجد تنظيم محدد لها، ولا يوجد تعريف مشترك للتقنيات التي تشكلها حتى اليوم، إذ تظل مجموعة من المبادئ والتقنيات التي تهدف إلى تحسين الوعي بالذات وزيادة الثقة وبناء مهارات التواصل وتحفيز السلوك الاجتماعي الإيجابي.
وتتيح هذه التقنيات فهم كيفية تنظيم الناس لتفكيرهم وشعورهم ولغتهم وسلوكهم لإنتاج النتائج التي يحققونها، وتوفر منهجية لـ«نمذجة الأداء المتميز الذي يحققه العباقرة والقادة في مجالاتهم»، ومن ثم استخدام هذه النماذج في التطوير الشخصي والنجاح في الأعمال، حسبما أورد موقع «NLP Academy».
ووفقاً لدراسة نشرها آرون كاندولا بمجلة «Medical News Today» عام 2017، فإن التقنيات الحسية والسلوكية والاتصالية للبرمجة اللغوية جعلتها أكثر سهولة في تغيير أفكار وأفعال الناس، ولذا أصبحت أكثر شعبية في المجالات التجارية والذاتية، رغم عدم وجود تنظيم محدد لها، ولا تعريف مشتركاً للتقنيات التي تشكلها.
وفقاً لخلاصة أوردها موقع «Psychology Today»، المتخصص في دراسات علم النفس، في 12 مايو 2022، فإن البرمجة اللغوية قد تستخدم لتحقيق أهداف شخصية أو متعلقة بالعمل، مثل زيادة الإنتاجية والتقدم في المهنة، كما تستخدم في علاج بعض المشكلات الصحية النفسية، مثل القلق والاكتئاب والرهابات وضعف الثقة بالنفس.
لكن الموقع ذاته يشير إلى أن هناك قلة من الأدلة التجريبية التي تدعم فعالية تلك البرمجة.
تقنيات عمل البرمجة اللغوية
وتعتمد طريقة عمل البرمجة اللغوية على فكرة مفادها أن الناس يعملون بـ«خرائط» يتعلمونها من خلال التجارب الحسية، وتحاول اكتشاف وتعديل التحيزات أو القيود اللاواعية لتلك الخرائط لدى الفرد.
وبذلك تعمل البرمجة اللغوية، من خلال استخدام اللغة بشكل واعٍ؛ لإحداث تغييرات في أفكار وسلوك الأفراد عبر تقنيات، حددتها دراسة نشرها موقع وفقاً لموقع «Mantra Care» عام 2020، وهي:
– التثبيت: ربط تجارب حسية بحالات عاطفية معينة حتى تصبح آلية.
– التقارب: ضبط المعالج على الفرد من خلال مطابقة سلوكه الجسدي لتحسين التواصل والاستجابة من خلال التعاطف.
– التبديل: تغيير أنماط التفكير أو السلوك لتحقيق نتيجة مرغوبة بدلاً من نتيجة غير مرغوبة.
– الانفصال المرئي/الحسي: محاولة إزالة الأفكار أو المشاعر السلبية المرتبطة بحدث ماضٍ.
تأثير البرمجة السلوكي والاجتماعي
وبحسب دراسة نشرتها مجلة «Journal of Police and Criminal Psychology» عام 2019، فإن العقائد المتعلقة بالكذب والخداع يمكن أن تؤثر بشكل كبير على تصورات السلوك غير اللفظي للمشتبه في ارتكابهم للجرائم، وبالتالي يمكن للمحققين استخدام تقنيات البرمجة اللغوية لاكتشاف مؤشرات التحايل أو الخداع.
وتستند تلك البرمجة إلى تحليل لغة الجسد أو التعبيرات الوجهية أو نبرة الصوت، ومع ذلك، تشير الدراسة ذاتها إلى أن هذه التقنيات قد يشوبها عدم الدقة أو التضليل، خاصة إذا كان المحقق لديه عقيدة مسبقة بأن المشتبه به كاذب أو مذنب.
ووفق دراسة أخرى، نشرها موقع «NLP-Techniques»، فإن البرمجة اللغوية تساعد على تغيير العقائد التي تحول دون تحقيق الأهداف أو الرغبات.
وقد تكون هذه العقائد مستندة إلى عادات ذهنية دون أي دليل حقيقي يدعمها، ولذا تستخدم البرمجة اللغوية تقنيات مثل التثبيت و«التغيير المعتقدي» وإعادة التأطير والتصور لإزالة الأفكار أو المشاعر السلبية واستبدالها بأفكار أو مشاعر إيجابية، وتساهم هذه التقنيات في زيادة الثقة بالنفس والإنتاجية والسعادة، بحسب الدراسة.
ومن هذا المنطلق، فإن تأثير البرمجة اللغوية على عقائد وإيمان البشر يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً، حسب طريقة استخدامها والغرض منها.
فوائد وأخطار البرمجة
ووفق دراسة «Mantra Care»، فإن البرمجة اللغوية لها فوائد عديدة، منها:
– زيادة الثقة بالنفس: إذ تساعد على زيادة هذا الشعور للفرد بتشجيعه على التركيز على الجوانب الإيجابية في حياته وشخصيته.
– تحسين العلاقات مع الآخرين: عبر تحسين مهارات التواصل والتفاهم مع الآخرين، وبناء علاقات صحية ومتوازنة.
– التغلب على الخوف والرهاب: عبر التخلص من الأفكار أو المشاعر السلبية المرتبطة بحدث ماضٍ أو مستقبلي، وتحويلها إلى أفكار أو مشاعر إيجابية تدعم تحقيق الأهداف.
– تحسين الوعي بالذات والذكاء العاطفي: عبر فهم طريقة تفكير وشعور وسلوك الفرد، وكيفية تأثيرها على حياته ومحيطه، وتطوير قدرته على التحكم في مشاعره والتعامل مع مشاعر الآخرين.
– زيادة الإنتاجية: عبر تحديد الأهداف والخطط بشكل واضح ومنطقي، وزيادة التركيز والانضباط في تنفيذها، وتحقيق نتائج أفضل في المجالات المختلفة.
– خفض مستوى التوتر: عبر التحفيز على التخفيف من ضغوطات الحياة، وإدارة التحديات بشكل إيجابي، وزيادة شعور بالرضا والسعادة.
وفي المقابل، تشير دراسة «Medical News Today» إلى أن البرمجة اللغوية، التي تستخدم كعلاج نفسي، قد تحمل في طياتها أخطاراً صحية، مثل تفاقم الأعراض النفسية أو الانسحاب من العلاجات التقليدية أو التأثر بالتلاعب أو الانطباعات.
وتشير المجلة إلى أن فعالية تقنية البرمجة اللغوية تدعمها «قلة من الأدلة التجريبية»، وأنه يجب على المرضى استشارة أطبائهم قبل استخدامها.
كما تورد دراسة، نشرها موقع «Psych Central» عام 2020، أن البرمجة اللغوية قد تحمل في طياتها أخطاراً اجتماعية، مثل استغلال الآخرين أو التأثير على قراراتهم أو خداعهم بشكل غير أخلاقي.
وتشدد الدراسة على ضرورة وضع الضمانات الممكنة لاستخدام تقنيات البرمجة اللغوية المتنوعة بشكل مسؤول وشفاف، بما يضمن احترام حرية وكرامة ومعتقدات الآخرين.