روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» أن شقيق البلخي ودع صديقه إبراهيم بن أدهم، لسفره في تجارة، ولم يلبث إلا مدة يسيرة، ثم عاد ولقيه إبراهيم، فعجب لسرعة إيابه من رحلته، فسأله: لِمَ رجع؟
فقص عليه قصة شهدها أنه رأى طائراً أعمى كسيحاً، وجاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني.
وقرر العودة، فقال له إبراهيم بن أدهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز، ولا تكون أنت الطائر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمره على العُمي من حوله، أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من اليد السفلى» (متفق عليه).
وفي هذه القصة عبرة وعظة ودرس عظيم بين فقه التوكل وحجج المتواكلين المدعين المتقولين على دينهم وشريعتهم، فمن قال: إن ضمانة الله لرزق العباد تقتضي التوقف عن السعي في ذلك، وإلا فما كانت الدنيا كلها ولا الثواب ولا العقاب ولا السعي لطلب العلم وإرضاء الرب، إذ العلم والهدى من الرزق، وبالتبعية فلا ضرورة من السعي لتحقيقهما وإدراك ما قسم الله للعبد منهما.
ثم إن الله سبحانه وتعالى لما خلق آدم في الجنة لم يكن محتاجاً لسعي أو كد، وإنما له فيها ما يشتهي يطلب، فلما أنزل إلى الأرض كانت الأمور بأسبابها، فهو لن يأكل إذا جاع، بل إذا عمل ووفر لنفسه وحواء ما يقوتهما، وهكذا في ذريته إلى يوم القيامة.
ثم كانت الحكمة العظيمة من إبراهيم بن أدهم: «لماذا رضيت أن تكون الأعمى»؛ وهي ترجمة لبعض النفوس التي ترضى بالدنيّة من الأفعال، مقابل الراحة وعدم الكد والاتكال على الغير، وقد روي أن أحدهم حج في غير زاد فقيل له: لمَ؟ قال: توكلت على ربي، فقال له الفقيه: لا، بل على جراب القوم توكلت!