لا يختلف اثنان على أن المحتوى الإباحي على «الشبكة العنكبوتية» صادمٌ ومخيفٌ؛ فهناك (35%) من مجموع التنزيلات عبر الإنترنت ذات صلة بمواد إباحية. (30%) على الأقل من جميع البيانات المنقولة عبر الإنترنت ذات صلة بمحتويات إباحية. يعتبر (11) موقعًا إباحيًّا من بين أشهر (300) موقع إلكتروني في العالم، أحد هذه المواقع يحتل المرتبة (18) على مستوى العالم. حظي أكبر موقع إباحي مجاني في العالم بأكثر من (33 مليار) زيارة خلال عام 2018 وحده. (64%) من الشباب والشابَّات ما بين (13) و(14) سنة يبحثون بنشاط عن المواد الإباحية مرة أسبوعيًّا أو أكثر من ذلك.
وبنظرة سريعة إلى بلادنا العربية سنجد أن نحو (140) مليون عربي يستخدمون الشبكة بنسبة (54%) من إجمالي سكان العرب، وهي النسبة الأكبر للعرق في العالم، وقد تصدرت دول عربية (السعودية، ثم مصر، فالإمارات والمغرب) قائمة الدول في «مدة استخدام الإنترنت» بل تجاوزت المدة القصوى المتعارف عليها دوليًّا (ثلاث ساعات يوميًّا للفرد). فماذا يفعل العرب على الشبكة؟
الحقيقة: حافظ العرب على ريادتهم، ولسنوت طويلة، في زيارة المواقع الإباحية، فلم ينافسهم في ذلك دولة واحدة، حتى أمريكا التي تأتي في مقدمة كل شيء جاءت دائمًا في المرتبة الثانية بعد العرب. أما الصدارة المحلية فتتنازعها، مثل فرق كرة القدم: مصر والمغرب، وتأتي بعدهما في مراتب متغيرة: لبنان، العراق، السعودية. وفي الإحصاءات التفصيلية التي لا مساحة لعرضها كوارث فيما يخص النساء في البلاد التي تبدو محافظة، وفي الصغار دون السن.
وعليه؛ فقد وضعتْ تلك الموجاتُ المتتابعة من التحلل الخُلُقي المربين والدعاة أمام تحدٍ كبير، بل الأنظمة والحكومات التي باتت قوانينها ولوائحها غير كافية لكبح هذا الفساد، الغربي النشأة، والذي زادت أخطاره على مجتمعاتنا بعد ثورة «الإنترنت» وشبكات التواصل التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي ولا تزال تفزعنا كل لحظة بالجديد والعجيب.
كما ذكرتُ فإن هذا التحلل ليس وليد اليوم، بل يمتد لعقود خلت وكانت ساحته أمريكا ودول الغرب، وهناك إحصائيات تنبئ بانهيار هذه الدول ومن ثَمَّ انحسار الرجل الأبيض ووقوع تغيرات ديموجرافية حادة -بعد تراجع نظام الأسرة- من شأنها ترتيب خريطة العالم من جديد؛ سياسيًّا واقتصاديًّا ومجتمعيًّا..
فعلى سبيل المثال: نسبة الأولاد الذين وُلدوا خارج دائرة الزواج في أمريكا بلغت في عام 1995 (28%)، ارتفعت إلى (35.5%) عام 2001. وفى بريطانيا كانت النسبة في عام 1974 (8.8%) ارتفعت عام 1991 لتصل إلى (41.1%)، وبلغت في السويد في عام 1980 (40%) ارتفعت إلى (54%). وفى فرنسا ارتفعت من (11%) لتصل في عام 1998 إلى (40%).
ومن العجيب أن منظمات عالمية، من بينها «الأمم المتحدة» هي من تدعو لهذه الكارثة البشرية؛ فمنذ عام 1948 وهذه المنظمة تهتم بما أسمته «حقوق المرأة الجنسية»، فلذلك عقدت العديد من المؤتمرات الدولية بخصوص هذه الحقوق؛ في مصر (1950)، المكسيك (1957)، نيروبي (1965)، مصر (1994)، بكين (1995)، بكين (2005)، ودعت، بل ألزمت المشاركين بـ: الدعوة إلى حرية العلاقة الجنسية المحرّمة واعتبار ذلك من حقوق المرأة الأساسية، نشر وسائل منع الحمل، الدعوة إلى تحديد النسل، الاعتراف بحقوق الزناة، الاعتراف بالشذوذ الجنسي، التنفير من الزواج المبكر، تشجيع التعليم المختلط. وقد أكد الراحل الدكتور محمد عمارة في كتابه: [حقائق وشبهات حول مكانة المرأة في الإسلام]: أن (60% من أعضاء المنظمات الأنثوية في أمريكا سحاقيات، وهذه المنظمات -وأمثالها في الغرب- هي المسيطرة على لجنة المرأة في الأمم المتحدة، ومن خلالها فرضت شذوذها الفكري والسلوكي على العالم أجمع).
أما ثورة الاتصال المعاصرة فجاءت لتوقع شرقيّ العالم وغربيّه وما تبقى فيه من أمم محافظة -ومنها أمتنا الإسلامية، وشبابها على وجه الخصوص- في هذا الشَرَكِ القاتل، بعدما صار العالم قرية واحدة، وبعدما فاقت أعداد أجهزة «الأندرويد» أعداد سكان المعمورة، وبنقرة واحدة يستطيع صاحبه، كبيرًا كان أو صغيرًا، مشاهدة ما يحلو له، دون رقيب أو حسيب، فاختلط الحابل بالنابل، وانتقلت التجربة الثقافية الغربية المدمرة بكاملها إلى جهات العالم الأربع؛ فصار مراهق غير راشد في قرية بجنوب الفلبين أو بأخرى في صعيد مصر يتوفر على مشاهد وصور وسلوكيات مشينة لا تتوفر لأجداده وإن علوا، بل لم تكن تتوفر لمخابرات دولته حتى وقت قريب.
وقد كان لهذه التغيرات آثار سلوكية وأخلاقية خطيرة على مجتمعاتنا لا نستطيع حصرها، ولكن نشير إلى بعض منها وهي: سفور المرأة، الاختلاط، التنمر والتحرش بالنساء، تفشي الفاحشة، البذاءة والسبّ، التعرّي والحط من الكرامة لأجل الشهرة والمال إلخ، وجميعها أصابت الأخلاق في مقتل، ودلَّت على ابتعاد الناس عن الدين. فما يفعل الدعاة إزاء هذا الطغيان من التحلل والإباحية؟
إن على الدعاة واجب النصح والإرشاد بما يلائم الموقف والزمن، وسوْق الأدلة والإحصائيات التي تؤكد أخطار هذا الأمر ومنافاته للشرع الحنيف الذي يحض على العفة ويدعو إلى الفضيلة والاحتشام. ويا حبذا لو كانت هناك برامج عملية وخطط ومستهدفات لقمع الظاهرة التي طفت سوءاتها على المجتمع من تفشي جرائم الزنى والخطف والاغتصاب وغيرها. ويمكن التعاون والتنسيق فيما بين الدعاة لتدشين منصات لمواجهة هذا السيل العفن الذي يروِّج له سماسرة الداخل والخارج، وتشجيع كل محاولة تصبُّ في صالح القيم الخلقية والسلوك الحسن، وكذلك إنشاء الجمعيات الأهلية والمنظمات الوقفية التي تحارب تلك الرذائل والمنكرات.
ومن بين مهام الداعية أيضًا حثّ الجهات الرسمية لاستئصال جذور هذا الفساد، وهذا ممكن لو توافرت النيات الصالحة، فإن الأنظمة الذي تغلق مئات الموقع الإخبارية ويعمل بها آلاف الإعلاميين الوطنيين، قادرة على حجب المواقع الإباحية التي وصلت دعايتها القذرة إلى كل بيت وغزت كل حساب من حسابات التواصل.