- هل يجوز للمسلم أن يتزوج من اليهوديات اللاتي يعشن في الكيان الصهيوني الآن على أساس أنهن أهل كتاب، وقد أجازت الشريعة الإسلامية الزواج من الكتابيات؟
– الأصل في الزواج من نساء أهل الكتاب عند جمهور المسلمين هو الإباحة، فقد أحلَّ الله لأهل الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم في آية واحدة من سورة “المائدة”، وهي من أواخر ما نزل من القرآن الكريم، قال تعالى: (طَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) (المائدة: 5).
ولكن هذا الأصل معتبر بعدة قيود، من أهمها: ألا تكون من قوم يعادون المسلمين ويحاربونهم، ولهذا فرَّق جماعة من الفقهاء بين الذمية والحربية، فأباحوا الزواج من الأولى، ومنعوا الثانية، وقد جاء هذا عن ابن عباس فقال: من نساء أهل الكتاب من يحل لنا، ومنهن من لا يحل لنا، ثم قرأ: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29)، فمن أعطى الجزية حلت لنا نساؤه، ومن لم يعط الجزية لم تحل لنا نساؤه.
وقد ذكر هذا القول لإبراهيم النخعي –أحد فقهاء الكوفة وأئمتها– فأعجبه (تفسير الطبري، جـ9، ص788 بتحقيق شاكر)، وفي مصنف عبد الرزاق عن قتادة قال: لا تنكح امرأة من أهل الكتاب إلا في عهد، وعن عليّ رضي الله عنه بنحوه.
وعن ابن جريج قال: بلغني ألا تنكح امرأة من أهل الكتاب إلا في عهد.
وفي مجموع الإمام زيد عن عليّ أنه كره نكاح أهل الحرب، قال الشارح في “الروض النضير”، والمراد بالكراهة: التحريم؛ لأنهم ليسوا من أهل ذمة المسلمين، قال: وقال قوم بكراهته ولم يحرموه لعموم قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ) (المائدة: 5) فغلبوا الكتاب على الدار (الروض النصير، جـ4، ص 270-24) يعني: دار الإسلام، والذي من أهل دار الإسلام بخلاف غيره من أهل الكتاب.
ولا ريب أن لرأي ابن عباس وجاهته ورجحانه لمن يتأمل، فقد جعل الله المصاهرة من أقوى الروابط بين البشر، وهي تلي رابطة النسب والدم، ولهذا قال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) (الفرقان: 54)، فكيف تتحقق هذه الرابطة بين المسلمين وبين قوم يحادّونهم ويحاربونهم؟ وكيف يسوغ للمسلم أن يصهر إليهم، فيصبح منهم أجداد أولاده، وجداتهم وأخوالهم وخالاتهم؟ فضلاً عن أن تكون زوجة وربة داره وأم أولاد منهم؟ وكيف يؤمن أن تطلع على عورات المسلمين وتخبر بها قومها؟
ولا غرو أن رأينا العلاَّمة أبا بكر الرازي الحنفي يميل إلى تأييد رأي ابن عباس، محتجاً له بقوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (المجادلة: 22)، والزواج يوجب المودة، يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21).
قال: فينبغي أن يكون نكاح الحربيات محظوراً؛ لأن قوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) إنما يقع على أهل الحرب؛ لأنهم في حد غير حدنا. (أحكام القرآن، جـ3، ص397، 398).
يؤيد ذلك قوله تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة).
وهل هناك تولٍّ لهؤلاء أكثر من أن يزوج إليهم، وتصبح الواحدة من نسائهم جزءاً من أسرته، بل العمود الفقري في الأسرة؟
وبناء على هذا، لا يجوز لمسلم في عصرنا أن يتزوج يهودية “تقيم على أرض فلسطين وراضية بما يفعله قومها بالمسلمين”، ما دامت الحرب قائمة بيننا وبين الصهاينة، والله أعلم.
__________________________________________________________
العدد (1654)، ص57 – 27 ربيع الآخر 1426ه – 4/6/2005م