الزواج أمر طبيعي ألفه البشر منذ قديم الزمان، سواء كان في إطار الدين الإسلامي أو ضمن العرف الإنساني، لقد خلق الله الناس من ذكر وأنثى، وجعل بينهم مودة وسكينة وعلاقة غريزية ضمن الزواج تدعو إليها الطبيعة البشرية لإشباعها؛ لكي تتحقق الحكمة الإلهية من عمارة الكون.
وبشأن عادات الزواج في المجتمع المسلم في بوركينا فاسو، نحتاج أن نعرف كيف كان يعقد الزواج في المجتمع البوركيني وخاصة عند قبيلة «موسي» حتى نعرف ما الذي بقي من تلك العادات القديمة بعد دخول الإسلام، واعتماده أساساً في شؤون الحياة الاجتماعية.
الزواج ثلاثة أنواع في بوركينا فاسو: الزواج الدينيّ، والزواج العرفي، والزواج المدني، ويعنينا في هذا البحث الزواج الديني الإسلامي، كانت قبيلة «موسي» تعرف الزواج التقليدي أو العرفيّ، وكانت لها عادات قبل دخول الإسلام وانتشاره في ربوع البلاد، وكان الزواج عندها ينعقد لأسباب ثلاثة:
1- صداقة الأجداد والآباء:
إذا الشخصان تصادقا وتصاحبا زمناً طويلاً، ولم يعكر صفوَ الصداقة شيءٌ، وأحبا أن يحافظا على علاقتهما، ويوسعا دائرة الصداقة، يبادر صاحب البنات بتزويج إحدى بناته لأهل وده؛ ليدوم الود، وتنشأ علاقة المصاهرة بين الأسرتين، والبنت أغلى ما يوهب لصديق وفيّ.
2- البر والإحسان:
عندما يمر بالمرء أصعب حالات من فقر، ومرض، وهموم الحياة، فيحسن إليه غيره كأن يطعمه عام المجاعة إذا أجدبت الأرض، أو يعالج مريضاً فقد الأمل في الشفاء، أو يدفع عن الغريم ديناً كاد أن يصبح عاراً وفضيحة عند سؤاله، فيقضي عنه، فيؤثر هذا الموقف الإنساني في نفسه، فلا يجد ما يكافئه به غير أن يزوجه أو يزوج أحد أولاده من بناته اعترافاً بجميل صنعه.
3- حسن الجوار والقرابة:
وهذا يكون بين أسر متجاورة أو لأسر بينهما القرابة قد تباعدتا بسبب طلب المعيشة والسعي في الأرض، أو لأخت تزوجت في أسرة وخاف الأخ أو الأخت أن ينقطع حبل الرحم، فيهب أحدهما بنته إلى الأسرة الأخرى؛ ليصل الرحم، كما يمكن أن يطيب الجوار، ويحسن المقام بينهما، ولم يُرَ ما يسيء من الجار إلا ما يدعو إلى قرة عين، واطمئنان القلب، وحسن المعاملة، فيحبون أن تدوم تلك الصفة الطيبة بينهما والألفة المعروفة.
وقلما ينعقد الزواج بسبب عشق بين رجل وامرأة، لأن ذلك كان يعتبر في العرف العائلي قلة حياء، لأن أمور العشق كانت مما لا ينبغي الخوض فيه إلا بين الأزواج أو كبار السن لعلم به ولأهلية الخوض فيه دون الخوف من حدوث الفساد.
كيف ينعقد الزواج في قبيلة «موسي»؟
لكي ينعقد الزواج في هذه القبيلة هناك مراحل عدة لا بد منها، وفي كل مرحلة طقوس وعادات:
1- مرحلة التعارف الأسري:
فيها تتقدم أسرة الزوج لتعرّف من تكون، وعندئذ ستعرف أسرة البنت أصول تلك الأسرة، وموطنها الأصلي، وهل كان بينهما عداوة أم لا؟ وأهم ما تحب القبائل معرفته في هذه المرحلة هو هل انتهك شرف القبيلة من الأسرة المتقدمة للخطبة، كأن يغتصب أحدهم زوجة أحد أفراد القبيلة، وكذلك إذا لم توجد عادات تمنع الزواج بينهما، فعندئذ لا ترى مانعاً من تزويجها وهذا الهدف من التعارف، ويلزم التعارف الأسري عندما لا تعرف أسرة البنت الأسرة التي تتقدم لطلب يد فتاتها، وإلا لا يحتاج الأمر إلى ذلك.
2- مرحلة الإذن للتقدم بالخطبة:
ترسل أسرة البنت بعد التعارف العائلي من فتيانها من يذهب ليبشر أسرة الشاب أنها لا تمانع من أن تتقدم لخطبة ابنتها، وإذا كانت الأسرة غير مسلمة فمن العادات أن تقدم قرابين لمعرفة إذا كان الزواج سيكون موفقاً وسعيداً قبل أن يأذن للخطبة.
3- مرحلة الخطبة:
وقبل أن تتقدم أسرة الخطيب للخطبة يجب أن تعرف عادات القبيلة التي تُقام عند الخطبة، فتسأل من يعرف عاداتها وتقاليدها لتستعد لها، ومن العادات السائدة أن أسرة الخطيب تجمع الحوائج اللازمة من العطايا (الدجاجة أو الديك أو الخروف -حسب ما تشترطه القبيلة- ودقيق الدخن، ومن التوابل كُولْغُو، والملح) وتطبخ أسرة المرأة لتستقبل الضيوف القادمين وتصنع المشروب من دقيق الدخن الأحمر وغيره.
مرحلة انتقال المرأة إلى بيت أسرة الزوج
وعندئذ تقوم أسرة البنت بتجهيزها، ونقلها إلى أسرة زوجها، لتألف أسرة الزوج، وتتعلم عاداتها وأمور العشرة الزوجية في بيت عائلة الرجل، وبعد فترة من إقامتها يعينون لها زوجها، إذا لم يسبق أن عينوا من يكون زوجاً، ثم تزف إلى زوجها، ومن العادة أن تبيت عند والدة الزوج، وتأتي زوجها ليلاً، ثم تعود إلى أن تنجب، فيبني لها بيتاً لتستقل فيه عن الأم.
الفرق بين الأسرة المسلمة والوثنية
الأسرة المسلمة نبذت كل أمر خالف الشرع كذبح القرابين للآلهة؛ لتبارك الزواج، أو لمعرفة ما إذا كان الزواج سعيداً أو وبالاً، وشرب الخمور عند الخطبة وعقد القران، واستبدلت بهذه العادات المذمومة ما هو أفضل، منها مشروبات طبيعية من دقيق الدخن والزنجبيل وبيساب وتويدو.
ويُعقد الزواج الشرعي سواء انتقلت البنت إلى أسرة الزوج لتألف البيت، وتطلع على العادات قبل العقد أم بقيت في بيت الوالد، وأصبحت هذه العادة قليلة الآن، فالمرأة لا تنتقل إلى بيت الزوج إلا بعد عقد القران وتزف إلى زوجها، كما أن الزوج يكون معلوماً غالباً قبل الخطبة.
وعند عقد القران يحضر حبات «كولا» ويعطي الزوج أسرة البنت نفقات الأكل والشرب وكل ما يلزم لاستقبال ضيوفه الذين سيحضرون العقد في بيت الزوجة، وينفق ما يلزم من زينة العروس.
ومن العادات المحمودة أن الأم تستعد لزواج ابنتها بعد سن البلوغ، فتشتري لها أواني وأدوت الطبخ والأقمشة، والأب يساهم وربما تحمل نفقات جميع تجهيزات ابنتهما، وتعطي البنت عماتها وخالاتها وأخواتها وصديقاتها ملابس وأقمشة وأحذية وغيرها من مساعدات تجمع في وعاء ثم تعرض على كبار السن في الأسرة من رجال ونساء، فيدعون للجميع وللبنت بالبركة، وهي عادة تعبر عن الوئام والتآلف والتكاتف بين أفراد الأسرة.
وأما الزوج، فإن أفراد أسرته يجمعون له كذلك مالاً، ويقدمون له مساعدات في كثير من الأمور، ويجمع له أصدقاؤه مالاً ويعطونه هدايا تعبيراً عن فرحتهم وتضامنهم معه.
وعند ربط هذا الواقع مع هذه العادات نجد انسجاماً وتآلفاً ما يسهل أمر الزواج، وتبتدئ مراسم الزواج بعد ذلك، كما أن الزواج لا يكون بمهر غال عند مسلمي بوركينا فاسو؛ لأنهم يرون أن البركة تكون في أقلهن مهوراً، ويرون أن شرف المرأة دخولها بيت الزوجية، وأنها ليست مالاً، فمغالاة المهور تعطي صورة سيئة في النظر العرفي عن الأسرة والمرأة وكأنها بيعت لزوجها.
ومن عادات الأفارقة التعدد، ويرون أن كمال الرجولة أن يكون لرجل أكثر من زوجة، وهذا يناسب أهل البدو أكثر من غيرهم لأنهم يحتاجون إلى أيد عاملة.
وأما الحياة المدنية فسبب لتأخر الزواج لدى الشباب نظراً لكثرة مستلزمات الزواج وصعوبة المعيشة في المدن، وعلى الرغم من ذلك ما زال الزواج أمراً سهلاً لدى مسلمي بوركينا فاسو؛ لتيسير أموره لدى الأسر حفاظاً على شرف البنات، ومنعاً من وقوعهن في الزنى إن شددت أمور الزواج، فتفضل أن تتزوج ابنتها وهي حافظة شرفها وسمعة الأسرة من مغالاة مهرها فتكون عائقة لها من الحياة الزوجية الشريفة.
ومن عادات الزواج عند قبيلة «موسي» مسلميها وغيرهم ترك الزواج من الأقارب، وقد بلغ الأمر عندها حرمة زواج من أولاد العموم، وإن كانوا لا يقولون بحرمتها بعد علمهم بجواز ذلك شرعاً، إلا أن أولاد العموم لا يتناكحون فيما بينهم، فبنت العم أخت بمنزلة شقيقة.