في هذه الأبيات يعتذر حسان بن ثابت لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مما نُسب إليه من الخوض في الإفك، وقد مدحها فيها مدحًا خُلد على مر الأزمان لما فيه من رائق التشبيه وصدق اللهجة وتصديق القرآن لصدقها رضي الله عنها، فلما وقَعَت حادِثةُ الإفْكِ، وتكلَّمَ المُنافِقونَ في أُمِّ المؤمِنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، واتَّهَموها في عِرضِها؛ كان مِن الَّذين تَكلَّموا في الحادِثةِ بعضُ المؤمِنينَ الصَّادِقينَ، ولم يَقْصِدوا بذلك الطَّعنَ في أُمِّ المؤمِنينَ رَضيَ اللهُ عنها، وإنَّما رَدَّدوا ما قيلَ فقطْ، وكان مِن هؤلاء المؤمِنينَ حسَّانُ بنُ ثابتٍ.
وفي حَديثِ رواه البخاري يُخبِرُ التَّابِعيُّ مَسْروقُ بنُ الأجدَعِ أنَّه وبعضَ أصْحابِه دَخَلوا على أُمِّ المؤمِنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، فوَجَدوا عندَها حسَّانَ بنَ ثابتٍ يَذكُرُ بعْضَ الأبْياتِ الَّتي فيها مَدْحٌ لها، وذِكرُ مَحاسنِ خِصالِها، وكان مِن هذه الأبْياتِ: «حَصانٌ رَزانما تُزَنُّ برِيبةٍ»، أي: عَفيفةٌ صاحِبةُ وَقارٍ لا تُتَّهمُ بالشَّكِّ والظَّنِّ لعِفَّتِها، «وتُصبِحُ غَرْثى مِن لُحومِ الغَوافلِ»، أي: تُصبِحُ جائعةً مِن لُحومِ المؤمِناتِ الغافِلاتِ، والمَقْصودُ أنَّها لا تَغْتابُ أحَدًا، فلا تَأكُلُ مِن لَحمِه، كما أخبَرَ تعالَى عنِ المُغْتابِ.
ثمَّ ذكَرَتْ أنَّه كان يُنافِحُ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أي: يُدافِعُ عنه، وقد كان حسَّانُ رَضيَ اللهُ عنه هجا قُرَيشًا بالشِّعرِ، لَمَّا هجَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما في الصَّحيحينِ: «اهْجُهُم وجِبريلُ معك»، تقول الأبيات: