وحول مؤتمر شرم الشيخ، قال د. يوسف القرضاوي: في الواقع، إنه ليس مؤتمراً ضد الإرهاب، إنه كما قال “رابين” في مؤتمر الدار البيضاء، الأعداء ثلاثة؛ الأصولية، والجوع، والمخدرات، فهم يحاربون الأصولية، لكن ما معنى الأصولية؟
هي الرجعة إلى الإسلام، التوجه إلى الإسلام، الدعوة إلى الإسلام، ينبغي أن يمحى هذا من الوجود، لأن “إسرائيل” تعرف أن بقاءها مرهون بإخماد الصحوة الإسلامية، فإذا أخمدت الصحوة الإسلامية اطمأنت جنوبها في المضاجع.
واستبشر د. القرضاوي بالأمل قائلاً: لكن الصحوة الإسلامية لن تموت، الصحوة الإسلامية باقية.
وحول العمليات الاستشهادية التي تسميها وسائل الإعلام عمليات انتحارية، قال د. القرضاوي: إني أعجب من أجهزة الإعلام العربية التي تسمي عمليات هؤلاء الشباب الذين باعوا أنفسهم لله عمليات انتحارية! لا يا سادة، ليس هذا انتحاراً، وليس هؤلاء منتحرين.. المنتحر إنسان يائس من روح الله، وهؤلاء كلهم أمل في رحمة الله وروح الله.. المنتحر إنسان لا يفكر إلا في نفسه وهموم نفسه، وهؤلاء لا يفكرون في أنفسهم، بل يفكرون في أمتهم ودينهم.. المنتحر إنسان فقد الرجاء في كل شيء، وهؤلاء يرجون الله والجنة والدار الآخرة.
ليس هؤلاء منتحرين، هؤلاء مستشهدون.. هم الشهداء الأحياء، الذين يحرصون على الموت لتوهب لهم الحياة، يريدون أن يموتوا في سبيل الله، الناس يخافون الموت، وهم يسعون إليه ركضاً.
هذا ليس انتحاراً يا سادة: هؤلاء شهداء في سبيل الله، بل هم في مقدمة الشهداء، الذين يقومون بهذه الأعمال يفدون أمتهم بأرواحهم، وضعوا رؤوسهم على أكفهم وقدموها رخيصة في سبيل الله، فكيف تسمونهم منتحرين؟ كيف تسمون عملهم انتحارًا؟ هذا ظلم، وهذا أمر غير مقبول.
وبيَّن د. القرضاوي مفهوم الجهاد، وأن تركه تهلكه للأمة، وليس العكس من خلال عرضه لهذه الرواية: روى الإمام الترمذي، وأبو داود، عن أبي عمران التجيبي قال: كنا بمدينة الروم (أي على أسوار القسطنطينية)، وكان معنا على الجند المصريين عقبة ابن عامر رضي الله عنه، وعلى الجيش فضالة ابن عبيد، ثم أخرج الروم صفاً عظيماً فقابلهم المسلمون بمثله، ثم قام رجل من المسلمين ودخل في غمار الروم، هجم عليهم وحده، فصاح الناس: سبحان الله! هذا يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أيها الناس، إنكم تتأولون الآية هذا التأويل، وإنما نزلت فينا معشر الأنصار بعد أن عزَّ الإسلام وكثر ناصروه، قلنا في أنفسنا سراً ولم نقل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنَّا بقينا في أموالنا فأصلحنا زرعنا، وأصلحنا أموالنا، وتركنا الجهاد؛ يعني أننا شغلنا سنين عدة بالجهاد، وتركنا النخيل والزرع، فلو أنَّا تركنا الجهاد وانشغلنا بإصلاح المال، قال: فأنزل الله تعالى على رسوله هذه الآية: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195)، فكانت التهلكة أن نترك الجهادة وننشغل بأموالنا الخاصة.
هذه هي التهلكة، التهلكة هي ترك الجهاد، بعض الناس يريدون أن يكون الذي يرمي بنفسه في سبيل الله، في هذه الأعمال الجسورة، يعتبرونها إلقاء باليد إلى التهلكة.. لا، التهلكة أن تنشغل بدنياك الخاصة وتترك الجهاد في سبيل الله.. هؤلاء هم الذين يرهبون أعداء الله.
ثم قال عن الاستشهاد في سبيل الله: هذا سلاح جديد أودعه الله في أيدي المؤمنين وأيدي الضعفاء، جعله الله في يد المستضعفين، ليقفوا به في وجه الأقوياء المتجبرين المستكبرين في الأرض بغير الحق، جعله الله في يد المؤمنين سلاحاً يخيفون به المشركين والكفار، ماذا تستطيع أن تفعل في إنسان جعل من نفسه قنبلة موقوتة؟ ليكن عندك الأسلحة النووية والأسلحة الإستراتيجية وما شئت من أدوات الدمار، ماذا تفعل أمام إنسان باع نفسه لله ولا يبالي بموت؟ لقد دخل المعركة ميتاً في سبيل الله، يقول ما قال الأول: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طه: 84)، فإذا ما انفجر قال: “فزت ورب الكعبة”، وعند “إسرائيل” ترسانة نووية، وعند الإسلاميين ترسانة إيمانية؛ قنابل بشرية قادرة على التحدي.
واختتم د. القرضاوي تصريحاته قائلاً: هذا هو الذي ينبغي أن نعيه في هذه القضية التي التبس فيها الحق بالباطل، واختلط الحابل بالنابل، وأصبح إعلامنا أسيراً للإعلام الغربي، والإعلام الصهيوني، حتى أصبحت “إسرائيل” قادرة على تهويد عقولنا، على “صهينة” عقولنا وإعلامنا وصحافتنا، إلا من رحم ربك.
إننا لا يسعنا إلا أن نسأل الله للإخوة في فلسطين أن يوحد صفهم ويقيهم أن يفتن بعضهم بعضاً، وأن يحارب بعضهم بعضاً، وأن يعصمهم من كيد اليهود ومكرهم، فإن كيد الله أقوى.
_________________________________
العدد (1192)، ص28-29 – 29شوال 1416هـ – 19/3/1996م.