كتاب «الاعتصام» يعد من مفاخر أهل الإسلام، وهو وكتاب «الموافقات»، أخص كتب الإمام إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (ت 790هـ) رحمه الله ورضي عنه.
وقد ذكر في مقدمته معنى حديث «بدأ الإسلام غريباً»، ثم التحذير من البدع وبيان أنها ضلالة وخروج عن الجادة والترغيب في إحياء السنن، ثم بيان سبب تأليف كتاب «الاعتصام».
تعريف البدع وذمها والرد على شبهات المبتدعة
وجعل الباب الأول في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتُق منه لفظاً، ومعنى البدعة التَّركية.
وجعل الباب الثاني في ذم البدع وسوء منقلب أصحابها، والأدلة من النظر على ذم البدع، ثم الأدلة من النقل على ذم البدع، وما جاء في القرآن في ذمها وأهلها، ثم ما جاء من الأحاديث في ذلك، وذكر ما جاء عن السلف الصالح في ذلك، ثم ما جاء عن الصوفية، وما جاء في ذم الرأي المذموم.
ثم عقد فصلًا عن الأوصاف المحذورة والمعاني المذمومة في البدع، ومنها أن البدعة لا يقبل معها عبادة، وأن صاحب البدعة تنزع منه العصمة ويوكل إلى نفسه، وأن الماشي إلى المبتدع والموقر له معين على هدم الإسلام، وأن المبتدع ملعون على لسان الشريعة، وأنه يزداد من الله بعداً، وأن البدع مظنة إلقاء العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام، ومانعة من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ورافعة للسنن التي تقابلها.
وكذلك أن على المبتدع إثم من عمل بالبدعة إلى يوم القيامة، وليس له توبة، وآثارها السيئة في أنه يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله تعالى، والبعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر الخوف على المبتدع أن يكون كافراً، والخوف عليه من سوء الخاتمة، واسوداد وجهه في الآخرة، ووجوب البراءة منه وفتنه، ثم ختم الباب بفصل فيه الفرق بين البدعة والمعصية.
وجعل الباب الثالث في ذم البدع والمحدثات والرد على شبه المبتدعة، وذكر فيه أن ذم البدع والمحدثات عام، وعقد فيه فصلًا في أقسام المنسوبين إلى البدعة، ففصّل في لفظ أهل الأهواء ولفظ أهل البدع، ثم ذكر أن إثم المبتدعين ليس على رتبة واحدة، ثم الاختلافات من جهة وقوعها في الضروريات ومن جهة الإسرار والإعلان، ومن جهة الدعوة إليها وعدمها، ومن جهة كونه خارجاً على أهل السُّنة أو غير خارج، ومن جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية، ومن جهة كون البدعة ظاهرة المأخذ أو مشكلة، وبحسب الإصرار على البدعة أو عدمه، ومن جهة كون البدعة كفراً وعدمه.
ثم ذكر أنواع الأحكام التي يقام على أهل البدع بها، فبدأ بشبه المبتدعة والرد عليهم، كالرد على زعمهم أن من سن سنة خير فهو خير، والأمة لا تجتمع على ضلالة، وعلى زعمهم أن البدعة تنقسم خمسة أقسام، وعلى ما قاله الشيخ عز الدين بن عبدالسلام في تقسيم البدعة، وعلى قول بعضهم: إن الصوفية هم المشهورون باتباع السُّنة المقتدون بأفعال السلف.
مدارك البدع وتسافلها وطرق استدلال أصحابها عليها
ثم جعل الباب الرابع في مأخذ أهل البدع بالاستدلال، فذكر أن الراسخين لهم طريق يسلكونها في اتباع الحق والزائغين على غير طريقهم، وفصّل في وجوه مخالفة طريق الحق، كاعتمادهم على الأحاديث الواهية والمكذوبة، وردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم، وتخرصهم على الكلام في القرآن والسُّنة العربيين مع العزوف عن علم العربية، وانحرافهم عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات التي للعقول فيها مواقف، وأخذهم بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها، وتحريفهم الأدلة عن مواضعها.
وبناء طائفة منهم الظواهر الشرعية على تأويلات لا تعقل، ومغالاتهم في تعظيم الشيوخ، وأخذهم الأعمال إلى المنامات، واجتماعهم في بعض الليالي والأخذ بالذكر الجهري على صوت واحد.
ثم جعل الباب الخامس في أحكام البدع الحقيقية والإضافية والفرق بينهما، فبدأ بذكر معنى البدعة الحقيقية والبدعة الإضافية، والأقسام الإضافية لما يقرب من الحقيقة وما يبعد عنها، والأخذ في التسهيل والتيسير مع الالتزام على جهة ما لا يشق الدوام، والدخول في عمل على نية الالتزام له، والرد على إشكال أن الأدلة على كراهية الالتزامات التي يشق دوامها معارض بما دل على خلافه، ثم النظر في تعليل النهي وأنه يقتضي انتفاءه عند العلة، والرد على إشكال أن التزام النوافل التي يشق التزامها مخالفة للدليل.
ثم تكلم عن تحريم ما أحل الله من الطيبات تديناً أو شبه التدين، وتحريم الحلال وما أشبه ذلك يتصور في أوجه، والعمل بغير شريعة أو العمل بشرع منسوخ، والخروج عن السُّنة إلى البدعة الحقيقية أو الإضافية، وحالة ما إذا كان أصل العمل مشروعاً ولكنه يصير جارياً مجرى البدعة.
وتناول الدعاء بإثر الصلاة بهيئة الاجتماع دائماً كمثال، وتناول سكوت الشارع عن الحكم في مسألة ما، والرد على القول بعمل السلف بما لم يعمل به من قبلهم، ثم البدع الإضافية وتناوُل كل عمل اشتبه أمره فلم يتبين أهو بدعة أم غير بدعة، ثم إن من البدع الإضافية إخراج العبادة عن حدها الشرعي، وهل يعتد بها عبادات يتقرب بها إلى الله أم لا.
وجعل الباب السادس في أحكام البدع، وأنها ليست على رتبة واحدة، فتناول أحكامها، وتفاوتها، ومثال لوقوع البدع في الدين، ولوقوعها في النفس، ولوقوعها في النسل، ولوقوعها في العقل، ولوقوعها في المال، ثم تقرير أن كل بدعة ضلالة، وإجابة سؤال هل في البدع صغائر وكبائر؟ وتقرير ذلك، ثم شروط كون البدعة صغيرة من أن لا يداوم عليه، وألا يدعو إليها، وألا تُفعل في مجتمعات الناس أو في مواضع إقامة السنن، وألا يستصغر أمرها ويستحقر.
وجعل الباب السابع في الابتداع ودخوله في الأمور العادية والأمور العبادية، فتناول أفعال المكلفين التي تكون من قبيل العادات وهل يدخل فيها البدع، وهل فشو المعاصي والمنكرات والمكروهات والعمل بها يعد بدعة، وأصل نشوء البدع.
وجعل الباب الثامن في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان، وأن كثيراً من الناس عدوا أكثر المصالح المرسلة بدعاً ونسبوها إلى الصحابة والتابعين، وأقسام المعنى المناسب الذي يربط به الحكم، وأمثلة توضح الوجه العملي في المصالح المرسلة كجمع القرآن، واتفاق الصحابة على حد شارب الخمر، وقضاء الخلفاء الراشدين بتضمين الصناع، واختلاف العلماء في الضرب بالتهم، وتوظيف الإمام على الأغنياء عند الحاجة، ومعاقبة الإمام بأخذ المال على بعض الجنايات، وما إذا طبق الحرام الأرض وانسدت طرق المكاسب الطيبة ومست الحاجة إلى الزيادة على سد الرمق، وقتل الجماعة بالواحد، وحالة خلو الزمان عن مجتهد يظهر بين الناس، والحاجة إلى إمام يقدم لجريان الأحكام، وإذا خيف عند خلع غير المستحق وإقامة المستحق أن تقع فتنة، وما لا يصلح فتكون المصلحة في الترك، ثم ذكر الأمور المعتبرة في المصالح المرسلة.
وجاء الباب العاشر في بيان معنى الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه سبل أهل الابتداع، فذكر أن التعيين للفرقة الناجية اجتهادي لا ينقطع الخلاف فيه، وأن الله عز وجل أنزل القرآن وجاء في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب، وأنه تعالى أنزل الشريعة فيها تبيان كل شيء، وأنه سبحانه جعل للعقول في إدراكها حداً تنتهي إليه لا تتعداه، ثم ختم الكتاب بفصل في اتباع الهوى.
فرحمه الله ورضي عنه وسائر أئمة المسلمين.. آمين.