لماذا هي مواجهة القرن؛ لأنه بناء على نتائج:
الصمود المذهل للمقاومة الإسلامية والدعم المطلق من فلسطينيي غزة، في مواجهة إصرار دولة الصهاينة، ولا أقول فقط الدعم اللامحدود من الغرب، بل المشاركة الفعلية بوجود 3 حاملات طائرات، ومشاركة رئيس أقوى دول العالم ووزير الدفاع و3 جنرالات في مجلس الحرب الصهيوني، وزيارة رئيس وزراء بريطانيا ومستشار ألمانيا، ناهيك عن الصهاينة العرب وتصريحاتهم؛ فمثلاً المدعو عباس رئيس ما يعرف بالسلطة الفلسطينية يقول: «حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني»، ورئيس نظام أكبر دولة عربية -وهي المحاصرة لغزة- عن اقتراحه للتهجير القسري لفلسطينيي غزة في صحراء النقب حتى ينهي الصهاينة مهمتهم بالقضاء على المقاومة الإسلامية!
لا يوجد أي قوى مؤثرة في نتائج هذه المواجهة غير هاتين القوتين المقاومة الإسلامية (حماس، والجهاد الإسلامي) في مقابل الحلف الصهيوني.
هناك قوى محتملة للدخول في الصراع وهي، إيران وتركيا (تدخل مباشر)، وروسيا والصين (التدخل غير المباشر من خلال الدعم العسكري)، ولكن هذا يتوقف على عاملين؛ امتداد وتوسع النطاق الجغرافي للمواجهة.
من المؤكد أن الإخوة في «حماس» و«الجهاد الإسلامي» أخذوا العُدة وتوقعوا الحصار وخزنوا الذخيرة والمؤن، ولكن نحن بعد أكثر من 4 أسابيع لبدء «طوفان الأقصى» مع قبضة حصار لو استطاع أن يحجز الأكسجين لحجزه، نعم نحسبهم قد صدقوا الله فصدقهم؛ (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (الفتح: 4)، ولكننا نقيس برؤيتنا البشرية القاصرة، فلله الحمد ما زال جند الله يدكون الجيش الصهيوني ومستوطناته بقذائف الحق حتى لم تنج عاصمتهم من القذف، ولكن إلى متى؟
من أين إذن يمكن أن يتسع النطاق الجغرافي للصراع:
– الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية: رغم تباين إعلاناتها بين إدانة دولة الاحتلال -حتى إن الكويت أعلنت أنها في حالة حرب مع الكيان الصهيوني- وإدانة «حماس» أو تمييع المواقف، لكنها ترى أن المقاومة قد أحرجتها وعرقلت مسيرة الاستسلام والخنوع، المهم إن أقصى ما يمكن أن تقدمه الأنظمة العربية معونات إنسانية وبالقدر الذي يسمح به المعتدي المتغطرس، أي أن كل الأنظمة العربية لا تملك إرسال شاحنة غذاء دون موافقة المحتل، وكم هو من المخزي كلمات الوفود وبيان ما اصطلح عليه بجامعة الدول العربية، وكذا كلماتهم في المؤتمر الذي دعا إليه رئيس النظام المصري وسماه «مؤتمر السلام»؛ أي سلام؟!
إذن لا أمل في النظم العربية، بل هي معوقة.
– «حزب الله»: لن يشارك في الحرب إلا إذا اجتاح الجيش الصهيوني لبنان، وما يحدث مجرد جس نبض من الصهاينة لرد الفعل، وطبعاً الصهاينة لا يريدون حالياً فتح جبهة أخرى، ولكنهم يخططون لاجتياح لبنان بعد انتهائهم من غزة.
– فلسطينيو الضفة الغربية والأردن: أما فلسطينيو الضفة فهم مفتاح الحل الوحيد؛ حيث يوجد بالضفة حوالي 3 ملايين فلسطيني تحت وحدة الاستخبارات «الإسرائيلية» المسماة السلطة الفلسطينية! نعم تحت ما سمي بالتبادل المعلوماتي والدعم المالي للسلطة فهي تخضع لـ«الشاباك الإسرائيلي» وتستخدم الأسلحة التي زودها بها المحتل لقمع المظاهرات ومتابعة رجال المقاومة.
إن قيام ما يقرب من مليون رجل -وأؤكد مليون وليس بضعة آلاف- بمهاجمة المستوطنات ووحدات الأمن «الإسرائيلية» سيربك العدو، وهو أجبن من المواجهة عند المسافة صفر.
أما فلسطينيو الأردن؛ فيوجد بالأردن ما يقرب من 5 ملايين فلسطيني معظمهم يحملون الجنسية الأردنية.
إن قيام ما يقرب من مليوني فلسطيني وأردني بالدخول إلى الضفة وتعضيد الفلسطينيين بالضفة في اقتحامهم للمستعمرات سيشعل المنطقة.
من المؤكد أنه سيسقط شهداء على أيدي السلطة وقوى الأمن الأردنية، ولكن من المؤكد أيضاً أن هناك قوى في السلطة وفي الجيش الأردني ستنحاز للمقاومة مما يضاعف من قيمة المقاومة، وهذا ما لا تحسب حسابه آلة البطش الصهيونية.
إن التحام المقاومة بالمستوطنات ومع الجيش في الشارع يفقد العدو أقوى أسلحته وهو الطيران.
لن تسمح أمريكا وحلفاؤها بتعرض دولة الاحتلال للخطر، حيث لن تقوى قوى الأمن الداخلي للصهاينة على التعامل مع الهجوم الشعبي الفلسطيني بالضفة، ستضطر إلى التدخل المباشر برياً.
إن من المؤكد أن بالجيش المصري والأردني رجالاً يتحينون الفرصة لرد الكرامة للأمة، ولن يقبلوا الفرجة على آلاف الشهداء نتيجة التدخل المباشر لقوات أمريكا وحلفائها، مما قد يشعل كل المنطقة.
– الشعوب العربية والإسلامية: لا قيمة للمظاهرات، فلتتوجه الشعوب إلى سفارات ومصالح الدول الخمس (أمريكا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا) وتحاصر سفاراتها وتمنع مصالحها من العمل.
كيف يُفهم التدافع غير المنطقي للتحركات العسكرية إلى منطقة الصراع؟ السؤال المنطقي الذي من المؤكد أن كلاً من إيران وتركيا وروسيا والصين تبحث إجابة عنه، هناك احتمالان، لكن بداية دعونا نؤكد حقيقتين مهمتين:
إن المقاومة الإسلامية بغزة لا تستدعي كل هذه القوى، ويمكن لجيش الاحتلال مع الدعم غير المحدود سواء بالمستشارين العسكريين والجسر الجوي من الدول الخمس لأحدث التقنيات العسكرية، كل ذلك في تقديراتهم يمكّن الكيان الصهيوني من التعامل مع المقاومة الإسلامية بغزة.
كذلك الأنظمة العربية جمعاء ليس لديها الرغبة -ناهيك عن القدرة- للدفاع عن غزة، بل إن بعض الأنظمة قد طالب «إسرائيل» بدك غزة.
إذن، لماذا كل هذا الحشد في شرق المتوسط؛ الاحتمال الأول: ضمان تنفيذ الكيان الصهيوني في القضاء على المقاومة وإخلاء غزة، والاستعداد لأي تطورات مهما كانت احتمالاتها ضعيفة، مثل التدخل الإيراني أو التركي، لكن إذا استطاع الكيان الصهيوني من تنفيذ مخططه فلن تتدخل وستعود قوى الظلام أدراجها دون مهاجمة أي دولة.
رسالة تحذيرية للصين، التي ما زالت تلوح بعودة تايوان إليها، إننا (أمريكا وحلفاءها) قادرون على الحشد في ساعات، إننا لا نترك حلفاءنا.
رسالة صريحة لروسيا أن أمريكا هي الأقوى وما تريده ستنفذه، إن الغرب قادر –إن قرر– على دعم أوكرانيا بما يمكنه من دحر روسيا.
ترى أمريكا أن تركيا تغرد خارج السرب، وأنها استطاعت أن تعتمد في قوتها العسكرية على ذاتها بنسبة 85% مما قد ينعكس على استقلالية قراراتها؛ فهل تريد استفزازها لتقلم أظفارها؟
تنامى دور إيران في العقد الأخير وأصبحت الأكثر تأثيراً في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن، كما أن «حزب الله» تضاعفت قدراته العسكرية من خلال الحرب الدائرة في سورية، وما زال التعاون الروسي الإيراني يمثل تهديداً باحتمال دخول إيران النادي النووي! فهل تريد استفزازها لتقلم أظفارها؟
أتوقع أن تسعى أمريكا إلى إعادة صياغة شكل الأنظمة القائمة، حيث ستختفي دول وتُقسم دول وتزداد هيمنة دولة الصهاينة.
روسيا والصين:
– أعربت كل من روسيا والصين عن قلقهما من وجود هذا الحجم من القوات الغربية في شرق المتوسط.
– القاعدة العسكرية الروسية في سورية هي الأقوى لها بالشرق الأوسط.
– ضاعفت روسيا من قدراتها الجوية في منطقة البحر الأسود.
– عرضت كلتا الدولتين على «إسرائيل» التوسط إلا أنها تجاهلت ذلك.
أتوقع أن كلا البلدين يتمنى عدم انفراد الحلف الغربي سواء بدون تدخل مباشر أو بتدخله المباشر من الانفراد بالهيمنة على المنطقة، إذا استطاع الكيان الصهيوني من تنفيذ مخططه دون تدخل مباشر من الحلف الخماسي، فلن يكون لروسيا أو الصين فرصة للحد من هيمنة الغرب، وتكون أمريكا قد استطاعت توصيل رسائلها لكل من الصين وروسيا، لذا فهما يتمنيان اتساع رقعة الصراع ليتمكنا من دعم العرب في مواجهة الغرب؛ مما يقوى دورهما في شكل العالم الجديد.