بلمح البصر، نسفت غارات جوية صهيونية مربعاً سكنياً في مخيم جباليا شمال قطاع غزة؛ ما أسفر عن ارتقاء مئات المدنيين بينهم أطفال وسيدات وآلاف الإصابات وأحدثت دماراً واسعاً في المكان، فيما لا يزال قصف الطائرات الحربية ومدفعية الاحتلال في شتى محافظات القطاع الخمس بقنابل وقذائف ثقيلة بينها قذائف فسفورية.
وفوق ركام الدمار عند مفترق ست الشهداء بمنطقة الفالوجا، يبحث مواطنون عن أفراد عائلاتهم الذين ما زالوا تحت الأنقاض، ويواجهون صعوبة في العثور عليهم، خاصة أن إمكانات فرق الدفاع المدني لا تسمح لهم في الوقت القصير بانتشالهم، وبالتالي يصعب حاليًا التعرف على مصير حياتهم.
صاحب المنزل المدمر، المصاب إياد أبو عيدة، الذي تمكنت فرق الإنقاذ لحظة الضربة التي دمرت نحو 20 منزلاً على الفور، من إخراجه تحت الركام، لكن ما يقرب من 15 فردًا من عائلته بينهم زوجته وابنه هيثم ووالده، وهم تحت المنازل المدمرة.
ويقف اللاجئ أبو عيدة على منزله الذي سوي بالأرض، ومكون من ثلاثة طوابق، برفقة أفراد من أبناء أعمامه ومواطنين من الجيران، بعد 48 ساعة من القصف، ويتفقد المكان بعناية، على أمل العثور على أشخاص أحياء أو شهداء.
ويقول المواطن في الأربعينيات من العمر: إن طائرات الاحتلال الحربية قصفت ظهر الأربعاء الماضي الحي السكني الذي يقطنه أكثر من 700 مواطن، بقنابل ذات تدمير هائل، بدون سابق إنذار.
ويضيف أبو عيدة أن المواطنين السالمين من الغارة منهم مصابون بجراح متوسطة، باتوا الآن بلا مأوى ومسكن، بل تغيرت ملامح المكان وأصبحت المنازل متلاصقة مع بعضها.
أما الشاب محمد أبو عيدة، المصاب في رأسه بجراح طفيفة، جراء سقوط أحد جدران منزله عليه، يبحث هو الآخر عن أفراد عائلته من تحت الركام، ويصف ما حدث بـ«الإبادة الجماعية».
ويشير إلى أنهم استخدموا الكلاب ومن خلال شم رائحة الدماء والجثث في البحث عن الشهداء، وفي اليوم الثاني من الغارة تم العثور على أشلاء لبعض ممن ارتقوا بهذه المجزرة الدموية.
ويضيف أبو عيدة أن العائلات المنكوبة قامت بدفن جثامين أبنائهم بقبور جماعية في مقبرة الفالوجا، وهناك جثامين لم يتم التعرف على هوياتهم، نتيجة تشوه ملامح أجسادهم بشكل كامل.
وناشد الشاب المجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل للضغط على الاحتلال لوقف الحرب، وحماية المدنيين.
وانتشلت طواقم الإسعاف شهداء وإصابات كانوا ملقيين في الشوارع الفرعية القريبة من هذه الاستهداف، جراء سقوط شظايا وحجارة عليهم، وتضررت محالات تجارية ومنازل تبعد عن المكان بنحو 70 مترًا، بإضرار كلية وجزئية.
مجزرة «حارة السنادية»
مخيم جباليا الذي يقطنه قرابة 116 ألف نسمة، يتعرض مثل باقي المناطق في القطاع، منذ بدء الحرب على غزة، في السابع من أكتوبر الماضي، لاستهدافات متتالية ومتكررة من غارات جوية وقصف مدفعي كثيف، وتشتد وتيرتها مع ساعات دخول المساء في كل ليلة.
وكان أعنفها مجزرة «حارة السنادية» بالقرب من مفترق «الترنس» ويربط عمق مخيم جباليا مع السوق المركزية للمخيم، التي وقعت يوم الإثنين الماضي، حيث أسقطت الطائرات الحربية على الحي السكني قنبلتين تزن الواحدة 900 كغ، دون تحذير الأهالي.
وزارة الصحة بغزة، أعلنت حينها، وعبر بيان، أن مجزرة «حارة السنادية» خلفت 400 شهيد وإصابة، بينهم حالات حرجة للغاية، مشيرة إلى أن هناك مفقودين ما زالوا تحت الأنقاض، وفرق الإنقاذ وبمساعدة مواطنين يبحثون عنهم.
ومن بين الضحايا عائلة مهندس البث في مكتب «الجزيرة» محمد أبو القمصان، حيث فقد 18 فردًا من عائلاته، بينهم والده واثنان من أخواته.
وعن إحصائية مجزرتي جباليا، قالت الوزارة: إنها أسفرت عن 1000 شهيد وجريح.
كما تم تدمير نحو 30 منزلاً تدميرًا كليًا، وتعرض عشرات المنازل القريبة من الاستهداف لإضرار بالغة وجزئية، بحسب ما أفاد به المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
ونزح مئات آلاف المواطنين من سكان أطراف المحافظة الشمالية إلى مخيم جباليا ومراكز الإيواء منها مستشفى الإندونيسي ومدارس تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، جراء القصف العنيف، ظننًا منهم أن المخيم أكثر أمنًا.
وقصف طيران الاحتلال مدرستين تابعتين لـ«الاونروا» في مخيم جباليا، وتؤوي نازحين، وأسفر عن ارتقاء 42 شهيداً وما يزيد على مائة إصابة.
عدد الشهداء والإصابات
وفي أحدث إحصائية لوزارة الصحة بغزة، أفادت في تقريريها اليومي، بأن عدد الشهداء وصل إلى 9488 شهيدًا منهم 3900 طفل، و2509 سيدة، وإصابة 24158 ألفاً بجراح مختلفة.
وأشارت الوزارة إلى أنها تلقت 2000 بلاغًا عن مفقودين منهم 1250 طفلاً ما زالوا تحت الأنقاض.
وتعمد الاحتلال استهداف 105 مؤسسات صحية، وإخراج 16 مستشفى و32 مركز رعاية أولية عن الخدمة جراء الاستهداف أو عدم إدخال الوقود، بحسب وزارة الصحة بغزة، التي أوضحت أن مستشفيات القطاع متكدسة بالحالات الحرجة والخطيرة.
وبدأت وزارة الصحة تفقد حياة العديد منهم يوميًا نتيجة عدم توفر الإمكانيات الطبية لعلاجهم ومنع الاحتلال لخروجهم من شمال القطاع إلى معبر رفح البري الوحيد مع الجانب المصري.
وناشدت المؤسسات الدولية كافة بالتدخل العاجل لتزويد مجمع الشفاء الطبي ومستشفى الإندونيسي بالوقود قبل حدوث الكارثة الكبرى المتمثلة في وفاة المرضى المزمنين، كما أطلقت مناشدة لكافة الأطراف ذات العلاقة بتوفير ممر آمن لتدفق عاجل للمساعدات الطبية والوقود والوفود الطبية لإنقاذ آلاف الجرحى والمرضى.
كم هائل من المتفجرات
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، أكد أن الاحتلال دمر حتى الآن أكثر من 8 آلاف مبنى سكني وعشرات المرافق والمنشآت العامة، وتضررت 214 مدرسة وخرجت 45 مدرسة عن الخدمة، وارتقاء 46 صحفيًا، جراء القصف.
وتسبب القصف الصهيوني، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي، في تدمير 53 مسجداً، وإلحاق الإضرار بـ210 مساجد، و3 كنائس، مؤكدًا أن الاحتلال أسقط حتى الآن 25 ألف طن من المتفجرات على القطاع.
المكتب الإعلامي لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أعلن عبر بيان صحفي، عن استشهاد 23 شخصًا جراء القصف «الإسرائيلي»، منذ بدء العدوان، واستهداف 5 ملاجئ تابعة لها في غزة، خلال 48 ساعة الماضية.
ومع دخول اليوم الـ30 من الحرب على غزة، يواصل جيش الاحتلال بكافة أذرعه العسكرية في القصف وتدمير أحياء وأبراج سكنية واستهداف مراكز إيواء النازحين ومستشفيات ومساجد وطرق رئيسة وفرعية، إلى جانب منع إدخال الوقود.
وتشهد مناطق بيت لاهيا وبيت حانون وحي الزيتون في مدينة غزة وشمالها، وأيضًا في منطقة جحر الديك شرق وسط القطاع، اشتباكات على مدار الوقت بين المقاومين الفلسطينيين وقوات الاحتلال المتوغلة بآلياتها ومدرعاتها العسكرية المسنودة بغطاء ناري من الجو.
ويواجه الاحتلال صعوبة في التقدم لبعض مئات الأمتار في مناطق العمق، جراء شراسة المعارك من منطقة صفر، ويستخدم المقاومون في تصدي الاجتياح البري المحدود عبوات أرضية وقذائف محمولة على الكتف وهاون ورشاشات خفيفة.