كان خطاب رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو بشأن بدء الاجتياح البري لغزة دعوة مبطنة لجنود الاحتلال لتنفيذ عملية إبادة جماعية، عبر ترديد مقتطفات من التوراة، تعطي شرعية لإبادة الفلسطينيين، بحسب ما تشير لذلك دراسات يهودية.
نتنياهو، الذي يخشى مع قادة الاحتلال «لعنة الثمانين»؛ أي زوال دولة الاحتلال في عمر 80 عاماً (حالياً 74 عاماً)، حين لم يُعمر لليهود دولة في مرتين سابقتين حتى الثمانين عاماً، استخدم ما يزعم أنه آيات من التوراة ليبرر الإبادة.
لم يكتف بذكر «نبوءة إشعياء» اليهودية التي تتوعد الفلسطينيين والمصريين أيضاً بالإبادة، ولكن سعى لإعطاء الحماسة للجنود، بالتوراة قائلاً: «عليكن بتذكر ما فعله العماليق (عدو أسطوري لليهود مشكوك في وجوده تاريخياً) بـ«الإسرائيليين»، نحن نتذكر، ونحن نقاتل»، في إشارة لما فعله مقاتلو «القسام» بهم ودورهم في الانتقام.
ويزعم نتنياهو أن جنود جيش الاحتلال جزء من إرث المحاربين اليهود الذي يعود تاريخه إلى 3000 عام منذ عهد يوشع بن نون إلى أبطال حروب 1948، و1967، و1973م، وكل حروب «إسرائيل»، حسب تعبيره، وأكد أن هدفهم واحد؛ «دحر العدو وضمان وجودنا في أرضنا».
لهذا يبيدون الأطفال والنساء!
وفقاً للتراث اليهودي الذي استشهد به نتنياهو ووزراؤه المتطرفون، عانى اليهود من بطش «العماليق» الذين كانوا أول شعب وقف في وجه بنى إسرائيل، لكنهم انهزموا لاحقاً وقام اليهود بقتل أطفالهم ونسائهم والبطش بهم.
لذا يقول المتطرفون الصهاينة: يجب إبادة رجال ونساء وأطفال فلسطين وحتى حيواناتهم، كما حدث مع العماليق.
وحين استشهد نتنياهو بالأجزاء التي تتحدث عن العماليق في التوراة وما يجب أن يُفعل بهم كان يعطي رسالة لجيش الاحتلال بإبادة كل شيء؛ لذا لم يكن مستغرباً قتل الصهاينة أطفال غزة (40% من الشهداء وفق إحصاءات دولية)، والنساء، وحتى الخيول التي تنقل بعربات جرحى القصف الصهيوني للمستشفيات!
ففي كتاب صموئيل، الفصل (15)، تقول الآية (3): «والآن اذهب واضرب العماليق وحرموا كل ما لهم، ولا تعفوا عنهم، بل اقتلوا على السواء الرجل والمرأة، الطفل والرضيع، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً»، والتحريم هنا بمعنى الإبادة!
ولقد استشهد موقع «Medium» الأمريكي بهذه الآية، وقال: إن الآية تشرح بشكل مثالي موقف «إسرائيل» من الإبادة الجماعية ومن فلسطين وحرقها العشوائي للنساء والأطفال الفلسطينيين منذ عام 1947م، وذلك استناداً إلى التوراة.
ويضيف الموقع: تتضمن مثل هذه الآيات أيضاً قواعد الإبادة الجماعية والحرق العشوائي للنساء والأطفال، ولأجل هذا استخدم الحاخامات وغيرهم من العوام مصطلح «عماليق» للتعبير عن الشعوب التي تُهدد الوجود اليهودي، للدعوة لإبادتهم.
ويوشع بن نون (الغلام الذي رافق موسى أثناء مقابلته الخضر، وفق سورة «الكهف»)، والذي أشار إليه نتنياهو ضمن من وصفهم بأبطال «إسرائيل» التاريخيين على مدار ثلاثة آلاف عام هو من قاد بني إسرائيل لدخول أرض فلسطين لأول مرة بعد خروجهم من فترة التيه، لكن الصهاينة يقولون: إنه قتل 12 ألفاً من الرجال والنساء ليبرروا مجازرهم.
وربما يفسر هذا مطالبة وزير التراث المتطرف في حكومة الاحتلال عميحاي إلياهو، في 5 نوفمبر 2023م، بـ«إلقاء قنبلة نووية على غزة» لإبادة كل ما فيها.
وحتى مطالب 100 طبيب صهيوني في «إسرائيل» جيش الاحتلال بقصف المستشفيات في غزة وتفجيرها باعتبارها بنية تحتية لحركة «حماس»؛ ما يؤكد أنهم كلهم صهاينة دمويون حتى ولو كانوا يلبسون البالطو الأبيض.
نبوءة إشعياء
نتنياهو هدد أيضاً، في خطاب تلفزيوني، في 25 أكتوبر 2023م، أنه سيحقق «نبوءة إشعياء»؛ وهي نبوءة دينية توراتية، واصفاً الفلسطينيين بأنهم «أبناء الظلام»، حسب تعبيره، و«الإسرائيليين» بـ«أبناء النور»!
وتتضمن نبوءة إشعياء المزعومة تدمير دول مثل مصر والسودان، بخلاف غزة، ويؤكد المسيحيون الإنجيليون المتطرفون في أمريكا أن الحرب بين «إسرائيل» و«حماس» جزء من هذه النبوءة.
وتتحدث نبوءة إشعياء التي وردت في التوراة الحالية التي بين أيدي اليهود في سفر «حزقيال» عن أنه يجب أن تخرب مصر ويتشتت أهلها في العالم وجفاف النيل وانتصار اليهود وتكوين دولة (يهودية) من آشور (العراق) لمصر.
وفيها عبارة تقول: «وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خِرَبًا خَرِبَةً مُقْفِرَةً، مِنْ مَجْدَلَ (عسقلان حالياً) إِلَى أَسْوَانَ (جنوب مصر)، إِلَى تُخْمِ كُوشَ (السودان)».
لذلك وصفت صحيفة «ديلي بيست» خطاب نتنياهو بأنه يستحضر النبوءة الدينية في خطاب الحرب بين «إسرائيل» وغزة.
وقال موقع «كلاش ريبورت» أن خطاب نتنياهو وحديثه عن نبوءة إشعياء التي تصور استعادة «إسرائيل» ومجيء «ملك مسياني»؛ يعني أن نتنياهو يصور نفسه على أنه الملك المسيحاني الذي سينصر الصهاينة على الفلسطينيين في غزة والعرب.
ويقصد بـ«المسيانية» أو «المسيحانية»، الإيمان بقدوم المسيح الذي يعمل كمخلص لمجموعة من الناس، ويرى بعض الصهاينة المسيحيين الذين يدعون إلى إعادة إنشاء ودعم دولة يهودية في «إسرائيل»، أن حركتهم بمثابة تحقيق لهذه النبوءات.
وحين اندلعت حرب غزة، قال السيناتور الأمريكي الجمهوري، ليندسي غراهام، وهو من المنتمين لهذا التيار من المسيحيين الإنجيليين في تعليقه على حرب غزة: «نحن في حرب دينية»، حسب ما صرح به لقناة «فوكس نيوز».
وكان رونالد ريجان، رئيس أمريكا في الثمانينيات، أشهر من رفع راية الحرب الدينية سواء ضد الروس أو ضد العرب والمسلمين، بحسب سيرته الذاتية المنشورة في كتاب «حياة أمريكية» (An American Life).
حيث قال (ص 257): إن الحرب النووية مع الروس حتمية لبداية معركة «هرمجدون»، وكان دائم الحديث عنها في أي لقاء له مع اليهود وينتظر بشوق ولهفة أحداثها ومجرياتها.
أما «هرمجدون» فهي معركة آخر الزمان التي يؤمن بها المتطرفون المسيحيون واليهود معاً، ولكن بتفاصيل مختلفة وأسماء مختلفة، حيث يتبنى الإنجيليون الغربيون واليهود رؤية شبه موحدة حول تفاصيل هذه الحرب باعتبارهم مؤمنين بضرورة إنشاء دولة المسيح والهيكل الثالث الذي هو أساس قيام الدولة الدينية اليهودية.
كانوا سيهدمون «الأقصى»
ربما لهذا كشف مصدر فلسطيني رفيع المستوى على اتصال بالقيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لموقع «ميدل إيست آي» البريطاني، في 4 نوفمبر 2023م، أن الدافع وراء هجوم 7 أكتوبر 2023م قلق «حماس» من أن اليهود اليمينيين المتطرفين كانوا يعتزمون تقديم حيوان كأضحية في موقع المسجد الأقصى، وبالتالي تمهيد الطريق لهدم قبة الصخرة وبناء الهيكل الثالث.
وقال: إن «حماس» كانت تتابع عن كثب الخطط «الإسرائيلية» لإقامة وجود يهودي دائم داخل مجمع «الأقصى»، وكان اليهود اليمينيون المتطرفون يتواجدون يومياً في المسجد الأقصى، ويستعدون للتضحية ببقرة حمراء قبل إعادة بناء الهيكل الثالث.
وقد تم استيراد أبقار حمراء من الولايات المتحدة لهذا الغرض، وقالت مجموعة «الهيكل الثالث»، في وقت سابق من هذا العام: إنها تأمل في ذبح خمس بقرات مستوردة خلال عطلة عيد الفصح العام المقبل، التي توافق أبريل 2024م.
وقال: الشيء الوحيد المتبقي كان ذبح العجول الحمراء التي استوردوها من الولايات المتحدة وإذا فعلوا ذلك، فهذه إشارة لإعادة بناء «الهيكل الثالث»؛ أي هدم المسجد الأقصى وسط الصمت العربي والإسلامي.