إذا كان لكلّ شيء في هذه الحياة «سوس» (حشرات من صنف العنكبوتيات الصغيرة) ينخر كيانه ويُضعفُ جَوْدتَه مع توالي الأيام، كما نرى ذلك مشهوداً بالعين المجردة في الدقيق وفي أنواع الحبوب وأصناف الكثير من المأكولات، وفي الصوف والخشب.. إلخ، فإن اليهود المؤيدين والمناصرين للصهيونية العالمية هم «سوس البشرية»؛ إذ إنّ الصنف المنتمي إليها ينطوي على صفات عجيبة غريبة مباينة لمعظم طباع البشر، بل يوجد من هذه الصفات الكثير مما يستعصي أصلاً على الفهم.
ومما لا ريب فيه أنّ أعظم كتاب حفل بالحديث عن طبائعهم الخسيسة وفَضَحَ طواياهم هو القرآن الكريم والقارئ اللبيب يستطيع استنتاج الحكمة من كون معظم الأنبياء بُعثوا فيهم، وذلك لمقارعة صلافة وغرور وعنجهية تلك الطبائع الرعناء، وإصلاح ما يمكن إصلاحه في منظومة أو تركيبة تلك السجايا والصفات الدنيئة، ولا بأس أن أعطي مثالاً يوضّح هذه الفكرة أكثر وبصورة أفضل، فنحن إذا قدّرنا مستويات الجهل والأمية والرعونة وانغلاق العقل في قرية ما أو بيئة من البيئات، فإننا نُرسل لها أكبر عدد ممكن من المعلمين والمدرّسين والوعاظ والمرشدين ونحوهم، ولله المثل الأعلى، فإن هذه الفكرة نستنبطها بعقولنا إذا نحن أحسنا التأمل في القرآن الكريم، لا سيما في حديثه عن مسار الوحي الكريم وقصص الأنبياء مع أقوامهم، وخير أنموذج على الإطلاق في تجلية هذه الفكرة قصة نبي الله موسى، عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام، مع بني إسرائيل.
مع العلم أنّ بني إسرائيل ليسوا هم كلّ اليهود، وإنما هم الطائفة أو القبيلة الغالبة أو المهيمنة في اليهود، كما كانت قبيلة قريش بالنسبة للعرب، فهي القبيلة الأهم في جزيرة العرب لكثرة رجالها وزعمائها وأموالها وتجارتها.. إلخ.
نأتي الآن للحديث عن المرحلة التاريخية التي نحن فيها، فإن يهود العالم، سواء كانوا من بني إسرائيل أو غيرهم، كانوا يعيشون مشتتين في العالم، خاصة في دول أوربا الشرقية والغربية، وفجأة ظهر منهم صحفي ومفكر نمساوي/ مجري، يُدعى تيودور هرتزل، فأسس الحركة الصهيونية الحديثة، أقول الحديثة لأن الفكرة الصهيونية لها بذور قديمة في المعتقدات اليهودية العتيقة، أي المعتقدات التي نشأت عن تحريف الأصل السماوي للكتب المنزّلة، ومنها صُحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، ويمكن في هذا الصدد مراجعة كتاب الشهيد د. إسماعيل راجي الفاروقي رحمه الله تعالى «أصول الصهيونية في الدين اليهودي».
واستقطب أعداداً معتبرة من المؤيدين، الذين كوّنوا على عجل خلية تفكير، ما لبثت هذه الخلية أن عقدت مؤتمر بازل في سويسرا من 28 – 31 أغسطس 1897م، وقد فكروا في عقد هذا المؤتمر بداية الأمر في مدينة ميونيخ بألمانيا، لوجود جالية يهودية كبيرة بها، لكن يهود هذه المدينة رفضوا هذه الفكرة، خاصة لما علموا بأنها تهدف إلى إخراجهم من أوربا، وأسفر ذلك المؤتمر عن جملة من النتائج والمقررات، أبرزها ضرورة إقامة وطن قومي لليهود بإشراف الحركة الصهيونية الجديدة، واقترحوا ثلاثة أماكن جغرافية محتملة، هي: فلسطين ومقاطعة في الأرجنتين، ومقاطعة تنجانيقا في أوغندا.
وتوجد معلومات تفيد بأن هرتزل سافر إلى إيطاليا واقترح على ملكها وقتئذ فكرة منحه الصحراء الليبية أو جزءاً منها ليقيم على أديمها الوطن القومي اليهودي المزعوم.
وقبل وفاته عام 1904م نصح الحركة الصهيونية التي أنشأها باستبعاد مقترح فلسطين من قائمة المقترحات السابقة الواردة في لوائح مؤتمر بازل، وذلك بعد دراسته المعمقة لطبيعة الشعب الفلسطيني العقائدية والنفسية، لكنّ أحداث الحرب العالمية الثانية وتنفيذ الزعيم الألماني النازي للمحرقة أو الهولوكوست ضد يهود أوربا، وظهور بلفور قبل ذلك على ساحة الأحداث، الذي وعد الحركة الصهيونية بتسليم فلسطين ليقيموا فيها الوطن القومي المزعوم، ويبدو أن ذلك لم يكن قراراً بريطانياً صرفاً، إنما هو قرار أوربي جماعي، اتخذ في اجتماعات سرية، الهدف الرئيس منه التخلص من اليهود في أوربا أو تقليص أعدادهم الآخذة في الازدياد، خاصة بعد أن أحدثوا شغباً هائلاً في روسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من دول أوربا، كلّ ذلك عجّل بهجرة اليهود إلى فلسطين دون غيرها من الأماكن الجغرافية المقترحة أي عكس ما ورد في نصيحة هرتزل التي سجلها في يومياته قبل وفاته.
أصوات يهودية منصفة للحقيقة التاريخية
لكنّ الإنصاف يقتضي أن نشير إلى أنّ اليهود عبر العالم ليسوا سواء، إذ يوجد منهم ومن بينهم استثناءات منصفة للحقيقة، فمنهم مَن يناوئ صراحةً وبصوت عالٍ دولة الاحتلال الصهيوني، ويقرّ بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، حيث توجد عدة منظمات يهودية سياسية وثقافية ونحوها، تناهض بشدة دولة الحركة الصهيونية الحديثة «إسرائيل»، ويمكن للقارئ الكريم أن يقرأ عن هذه المنظمات: «ناطوري كارتا»، «ترابط»، «زوخروت»، «فوضويون ضد الجدار»، «صوت يهودي للسلام» (jvp)، «هعيدا هحريديت».. وغيرها من المنظمات التي تدعو إلى وجوب طرد الصهاينة من فلسطين، وإلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ـعاصمتها القدس مع الاحتفاظ بحق يهود الشرق ومسيحيي الشرق بالإقامة في فلسطين، كما كان الوضع التاريخي قبل مجيء الاحتلال الصهيوني/ الغربي الصليبي، وقبل أن يزرع الغرب الصليبي الحاقد على الإسلام هذه الجرثومة في أوصال الجسد الإسلامي بهدف استنزافه والحيلولة دون تحقيق نهضته، ولمنع عودة الإسلام إلى الصعيد الدولي وممارسة دوره الحضاري في الهداية وبناء الإنسان والحضارة وفق المنهج الرباني المتوازن الذي يُسعد البشرية في الدنيا، ويُطمئنها بمصيرها في الحياة الأبدية في الآخرة.
ومن هؤلاء المناهضين والمناوئين المنصفين للحقيقة، يوجد حاخامات ورجال دين يهودي لهم وزنهم أمثال الحاخام إلحدان بيك، والحاخام ديفيد وايس وغيرهما كثير، كما يوجد من بينهم أيضاً مفكرون وكُتاب شرفاء، أمثال إفراييم سيفيلا صاحب كتاب «وداعاً يا إسرائيل» والكاتبة إيلين بيتي صاحبة كتاب «أزيلوا إسرائيل» هذا هو الحل، والكاتبة دافنا ليفيت التي خدمت في مؤسسة الجيش الصهيوني صاحبة كتاب «الصراع مع الصهيونية» وغيرهم كثير جداً، بل هناك من يشير إلى أن كتاب عالم اللسانيات اليهودي الأمريكي المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني نعوم تشومسكي الذي يحمل هذا العنوان «وداعاً للحلم الأمريكي» يصبّ في الترعة ذاتها، أي ضرورة فك الارتباط بين أمريكا ودولة الاحتلال الصهيوني، والعودة إلى العمل بوصايا الرئيس الأمريكي فرانكلين الذي حذّر الأمريكيين، قبل وفاته، من اليهود، لأنهم حسب وصيته في حال تمكنّهم وتنفّذهم في أوصال الدولة الأمريكية ومؤسساتها، سوف يجرّون عليها الويلات ويمرّغون سمعتها في الوحل، وإلى الأبد.