الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وأزواجه وذريته وصحابته ومن اتبع الهدى.
أما بعد فنذكر في هذه الرسالة خصال اليهود التي أوجبت عليهم سخط الله ورسوله والمؤمنين، فنقول: إن الله سبحانه وتعالى قضى على اليهود بتسعة أشياء ذكرها في القرآن الكريم.
أولها: الذلة، وثانيها: المسكنة، وثالثها: المسخ، ورابعها: اللعنة، وخامسها: الغضب، وسادسها: الإصر، وسابعها: الأغلال، وثامنها: أنه لا تقوم لهم دولة، بل يكونون تحت حكومة الإسلام، وتاسعها: البغضاء بينهم؛ كما قال تعالى: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (البقرة: 61).
وفي هذا الموضع ذكر عز وجل أربعة أسباب لكونهم استوجبوا السخط عليهم؛ وهي: كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء وعصيانهم ثم اعتداؤهم لذلك استحقوا الذلة والمسكنة والغضب من الله، وهذه ثلاثة أشياء من التسعة المذكورة التي قضى الله بها على اليهود.
وقال تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة: 60)، وفي هذه الآية ذكر الله لعنه اليهود وجعله منهم القردة والخنازير بالمسخ، وهذان شيئان من التسعة المذكورة التي قضى الله بها على اليهود بسبب عصيانهم وعبادتهم الطاغوت.
وإلى هذا المسخ أشار القرآن في موضع آخر فقال: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (الأعراف: 166)، وقال في موضع آخر: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ {65} فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) (البقرة)، وكان سبب ذلك هو العدوان والعصيان.
وقد ذكر الله لعنه اليهود وغضبه عليهم بسبب كفرهم وبغيهم فقال: (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ {89} بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (البقرة).
أما الإصر والأغلال التي قضى الله بها عليهم فأشار إليها القرآن في قوله: (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا) (البقرة: 286)؛ وهم اليهود.
وقال تعالى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ {155} وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ {156} الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف)، وأما العداوة التي ألقيت بينهم فقال الله تعالى: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (المائدة: 64).
فهذه ثمانية أشياء: الذلة والمسكنة والمسخ واللعنة والغضب والعداوة والإصر والأغلال ذكرت في هذه الآيات من القرآن الكريم.
أما أنه لا تقوم لهم مملكة وهي الظاهرة التاسعة فقد قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران: 55)، ومن أجل ذلك كانت النصارى تتغلب عليهم في كل معركة.
وقال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) (آل عمران: 112)؛ ومعنى ذلك أنه لا عز لهم إلا بالرجوع إلى الحق وبذل الجزية، وهذا هو المراد بحبل من الله وحبل من الناس، وسبب ذلك هو كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء، وقد روى أنهم قتلوا ثلاثمائة نبي في أول النهار، ثم أقاموا سوق الخضرة في آخر النهار.
وأيضاً قال الله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29)، وهذا دليل عدم قيام دولتهم إطلاقاً.
ونذكر هاهنا الأسباب التي أدت باليهود إلى هذه الذلة وقد علمت أنهم كفروا بآيات الله وقتلوا الأنبياء وعبدوا الطاغوت وعتوا عما نهوا عنه وبغوا واعتدوا وعصوا وكذبوا على الله وطغوا وأفسدوا فضرب الله عليهم الذلة لذلك ولم يجعل لهم سلطاناً وأعد لهم في الآخرة الويل والعذاب.
_______________________
كتاب «رسائل الشيخ المحدث أبي محمد عبدالحق الهاشمي»، الجزء الثاني، قبائح اليهود، ص 63 – 65.