يُقبل شهر رمضان بأجوائه الإيمانية، وشعائره التعبدية على أمتنا الإسلامية وهي تعيش حدثاً استثنائياً في تاريخ الصراع الإسلامي الصهيوني، الذي تمثل القضية الفلسطينية أحد أبرز فصوله، بل تعتبر في مشهدها الحالي أكبر تحدٍّ يعيشه المسلمون في صراعهم نحو البقاء كأمة اختار الله لها أن تكون الشاهدة على الأمم جميعاً.
ومع تلك الأجواء الروحانية التي ينتظرها أبناء الأمة في مشهد يعبر عن مظاهر الوحدة الإسلامية التي تعتبر مقصداً رئيساً للشعائر التعبدية، فإن الواقع الذي أفرزته معركة «طوفان الأقصى»، مع قرب دخولها شهرها السادس، وإن كان أظهر الوحدة القلبية والتعاطف بين أبناء الجسد الواحد حزناً على آلاف الشهداء والجرحى من أبناء غزة ونسائها وأطفالها التي يعجز المجتمع بمؤسساته الحقوقية وآلاته الإعلامية حصر ما فعلته آلة الحرب الصهيونية، فإنها كذلك أظهرت عجز أُمَّةٍ فقدت الوحدة الفاعلة التي تعمل على جمع قواها ومقدراتها في مواجهة عدوها المتربص بها وبمقدساتها منذ فترة زمنية!
ولعل تلك الأحداث تجعل العقل العربي والإسلامي الذي عُمل على تشويه ثوابته ومبادئه من خلال الطعن في نموذج الخلافة الإسلامية ليتحسر على ماضٍ تليد لم تكن الوحدة الإسلامية تقف فيه عند الشجب والاستنكار والإدانة وأبناء الأمة في بقعة من بقاع الإسلام يُنتقص من أطرافها ويُنتهك من حرماتها، بل كانت وحدة فاعلة تحرِّك الجيوش لنفض غبار الذل والهوان عن أُمَّةٍ ترى أنه من العار المرور على جرح نازف لإخوانها بالسكوت أو النسيان.
وإن تلك الأحداث لتأتي موازية لذكرى مرور قرن على إسقاط أقوى خلافة إسلامية توسعت رقعتها في أرجاء الأرض جغرافياً وزمانياً، وكانت سبباً في إظهار عزة الأمة ومنعتها حقبة من التاريخ؛ لتجعل مجلة «المجتمع» من خلال كتَّابها ومفكريها تقف مع قرائها الكرام على رصد وتحليل لأهم ما خسرته الأمة، بل العالم أجمع، بغياب تلك القوة التي كانت وحدة المسلمين تحت راية واحدة أقوى مظاهرها، ويلح واقع المسلمين في غزة العزة الذين توحدت عليهم قوى الغرب المسيحية واليهودية تحت راية صهيونية أن تقوم كل المؤسسات الدعوية والإعلامية وأصحاب المنابر الفكرية والحضارية بتسليط الضوء على هذا الواقع لتصحح في عقول أبناء هذا الجيل حاجة أمة الإسلام إلى وحدة جامعة تعطيها مقومات البقاء وتحميها من عوامل الاندثار والفناء متى صح في عقول أبنائها بأنها أمة الجسد الواحد عملاً بنداء الحق: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92).