لم يعلم جوزيف جوبلز، وزير الدعاية السياسية لهتلر وألمانيا النازية، أنه سيكون لأفكاره المسمومة والدعاية الكاذبة رواج كبير حول العالم، خاصة لدى الجانبين الأمريكي والصهيوني؛ فهو لم يصوِّر هتلر بأنه منقذ الألمان فحسب، ولكن منقذ العالم، أيضًا، فمقولته الشهيرة «اكذب حتى يصدقك الناس» صارت منهجًا للدعاية الصهيونية.
تصدير الأفكار الصهيونية المسمومة
نجح جوبلز، صاحب المدرسة الإعلامية الفريدة من نوعها، وأبرز أساطير مجال الحرب النفسية، في تصدير منهجه، وبقوة، حتى أضحت برنامجًا واضحًا ومميزًا للصهاينة فيما بعد، بل مهنة حقيقية نجح قادتها في تصدير الأفكار الصهيونية المسمومة للمجتمع الدولي أجمع، وصناعة وسلعة رائجة؛ إلا أن عملية «طوفان الأقصى» نجحت في تعرية هذه الأفكار الإعلامية والدعائية، بل كشف حقيقة الكيان الهش، الأوهن من بيت العنكبوت!
في 19 ديسمبر 2023م، وصف المحلل السياسي الصهيوني حاييم ليفنسون، في صحيفة «هاآرتس»، المهمة الأساسية للمتحدث باسم الجيش «الإسرائيلي» دانيال هاغاري، بـ«وضع أحمر الشفاه على الهراء»، مشيرًا في مقال مطوَّل إلى أنه لا أحد في الكيان الصهيوني يريد سماع حقيقة تركيع حركة «حماس» للجيش «الإسرائيلي» في السابع من أكتوبر 2023م، ولا أحد يريد الاعتراف بأن لدى الكيان جيشاً متواضعاً وأجهزة استخبارات فاشلة؛ معللاً ذلك بأن المواطن الصهيوني يريد أن يُكذَب عليه، وتحقيق وهم قوة الردع على الأعداء، والقول: إن الجيش الصهيوني لا يُقهر، والقوة الجوية «الإسرائيلية» ليس لها مثيل في العالم!
الغريب أن الكاتب الصهيوني نفسه شدد على أن الكذب حبله قصير ولا بد من نهاية لأحلام بيع الوهم للآخرين؛ فها هو هاغاري وآخرون من كبار المسؤولين الصهاينة في نظام المعلومات بالجيش «الإسرائيلي» يسقطون ويقدمون استقالتهم الجماعية، احتجاجًا على طريقة سير الأمور العملياتية والشخصية، لتسقط من ورائهم أسطورة الدعاية الصهيونية التي تروِّج لأكذوبة «الجيش الأكثر أخلاقية حول العالم»؛ وذلك بعد إدراكهم لكمّ الأكاذيب التي روجوها بشأن الحرب الدائرة على غزة، وعدم تصويرهم لكم البشاعة والمذابح والجُرم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني في القطاع.
الشاهد أنه من بين الذين أعلنوا استقالتهم الجماعية الجنرال ريتشارد هيشت، المتحدث باسم الجيش الصهيوني لشؤون الإعلام الأجنبي، ومعه الجنرال شلوميت ميلر بوتبول، وهو الرجل الثاني في قسم المتحدثين باسم الجيش بعد دانيال هاغاري، ناهيك عن تقديم عدد كبير من الضباط المسؤولين في قسم المعلومات بالجيش استقالتهم.
اقتراب نهاية «جوبلز إسرائيل»
«القناة الـ 14 العبرية» انفردت بنشر خبر الاستقالة الجماعية للعدد الكبير من المسؤولين في نظام المعلومات، إلا أن بعض الوسائل الإعلام «الإسرائيلية» الأخرى لم تكتف بذلك، بل زعمت أن هاغاري لم يُقدم استقالته بعد، وأنه ما يزال في منصبه، وكأنه يؤكد أن رأس الحية مستمر في سُدَّة قيادة جهاز الدعاية الصهيوني، يمارس نشاطه الإرهابي، رغم فراغ مرؤوسيه؛ مفسرة سبب الاستقالات الجماعية بعلاقات هاغاري بعدد من رؤساء هيئة أركان الجيش السابقين، والمحسوبين على أطراف سياسية معينة، وهي العلاقات التي تثير بدورها تساؤلات كثيرة وحالة من الاضطراب داخل دائرة الاتصالات في وحدة المتحدث باسم الجيش «الإسرائيلي».
تقرير القناة العبرية يطرح في مضمونه الكثير من التساؤلات بشأن الاستقالات الجماعية، بمعنى أنه يفتح الباب على مصراعيه أمام الحديث عن اعترافهم بالقصص الملفقة حيال حرب غزة، أو عن الخلافات الحقيقية بين المستقيلين ورئيسهم في العمل، أو غيرها من الأسباب، التي تشير إلى اقتراب نهاية «جوبلز إسرائيل»، والممثل في هاغاري.
توالي الاعترافات الصهيونية بنجاح «حماس»
ويبدو أن هاغاري في طريقه لمصير مشابه لمصير أستاذه في مهنة الدعاية السياسية، جوزيف جوبلز، الذي أقدم على الانتحار في 1 مايو 1945م، هو وزوجته وأولاده الستة، بعد ابتعاد أقرب مرؤوسيه منه، حيث ما يزال يغرِّد وحيدًا، ويعيش في أوهام الماضي القريب، الذي يروِج لنجاح الجيش «الإسرائيلي» في حربه على غزة، رغم توالي الاعترافات الصهيونية بنجاح «حماس» وصمودها أمام الجيش الذي لا يُقهر!
في الإطار نفسه، أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إلى أن 80% من أنفاق «حماس» في غزة لا تزال سليمة، وهو ما يعوق عمل الجيش الصهيوني، ليعترف ناحوم برنياع، المحلل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، بأن السنوار ما يزال قويًا ولديه ذخائر وقوة عسكرية متعددة، كما أنه ليس بعجلة من أمره حيث يُعوِّل على حرب إقليمية تاريخية في شهر رمضان المبارك، تعيد الآمال للشعب الفلسطيني، بإحياء الدولة الفلسطينية بعد ممات.
مسمار جديد في نعش الكيان
يتزامن ذلك مع نشر الجيش «الإسرائيلي» تأكيدات بأن التحقيقات الداخلية بشأن نجاح عملية «طوفان الأقصى» لحركة «حماس»، في 7 أكتوبر الماضي، ستبدأ خلال أيام، ليضع مسمارًا جديدًا في نعش الكيان، الذي وُصِف بأنه أوهن من بيت العنكبوت!
لم يفت الحديث هنا عن تقديم وزيرة الإعلام «الإسرائيلية» غاليت ديستال استقالتها من منصبها بعد مرور 6 أيام فقط من اندلاع عملية «طوفان الأقصى»، وكأنها استبقت الأحداث، ووفرت على نفسها عناء الكذب المتواصل في بلادها، لتنجو بنفسها من السفينة التي أوشكت على الغرق، فعليًا.
_________________
1- صحيفة «هاآرتس» العبرية.
2- قناة «كان» العبرية.
3- صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية.