لقد فرض الله سبحانه وتعالى الصلاة والزكاة والصيام والحج، حيث قال تعالى في شأن الصلاة والزكاة: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة: 43)، وقال في شأن الصيام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، وقال في شأن الحج: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (آل عمران: 97).
أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه العبادات الكبرى أسس الإسلام التي يقوم عليها، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ»(1).
وإن الناظر في هذه الشعائر الإسلامية الكبرى يجد أن لها مقاصد متعددة، منها: أن يحسن الإنسان علاقته مع ربه ومع نفسه ومع الناس من حوله، ويتبين ذلك فيما يأتي:
أولاً: حسن العلاقة مع الله تعالى:
الصلاة لها دور مهم في حسن العلاقة مع الله سبحانه، فهي أول فرائض الإسلام وأعظمها قدراً، وفيها مناجاة الله تعالى ليلاً ونهاراً، وهي تحقق القرب منه سبحانه وتعالى، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».
أما الزكاة فهي تحسن علاقة الإنسان بربه، لأنها تغرس اليقين في الله تعالى، فمن أخرج الزكاة فإنه يوقن أن الله يثيبه عليها، ويخلفها عليه، قال تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) (النحل: 96)، وقال عز وجل: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39).
وأما الصيام فإنه يحسن علاقة الإنسان بربه؛ لأنه يغرس التقوى التي تجعل الإنسان يراقب ربه فيفعل ما يأمره الله تعالى به ويجتنب ما نهى عنه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).
وأما الحج، ففيه شد الرحال إلى الله عز وجل، والتخلي عن الدنيا كلها والإقبال على الله تعالى، وحسن الاستجابة والتنفيذ لأوامر الله، والتعظيم لشعائره، حتى يصل إلى تقوى الله وحسن الصلة به، قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: 32).
فالناظر في هذه الفرائض الكبرى يجد أنها تسهم في تحسين الصلة بالله تعالى وحسن العبادة له، وفي القرآن الكريم ما يؤكد بقاء هذه الصلة ودوامها حتى بعد انتهاء المسلم من أداء العبادات، فالمسلم لا يؤدي العبادة وينتهي، بل يكثر من الدعاء واللجوء إلى الله تعالى أن يتقبلها منه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {60} أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون)، لما نزلت هذه الآية الكريمة قالت السيدة عائشة رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ»(2)، فدوام الخوف من عدم القبول يجعل الإنسان موصولاً بربه مكثراً من الدعاء حريصاً على مداومة الطاعة، وهكذا يتبين أن العبادات تسهم في دوام الاتصال بالله تعالى، وتحقيق القرب منه، والحرص على طلب رضاه.
ثانياً: حسن العلاقة مع النفس:
تسهم العبادات الإسلامية في تحسين علاقة الإنسان بنفسه، فالصلاة راحة واطمئنان للإنسان، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلّى(3)؛ أي نزل به أمر مهم أو أصابه غم أو حزن صلّى(4)، فالصلاة من عوامل ذهاب الهم والغم والحزن، ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا بلال، أرحنا بالصلاة»(5)، فهي بهذا تحسن علاقة الإنسان بنفسه.
أما الزكاة فإنها تطهر نفس الإنسان من البخل والطمع، وتطهر نفس آخذها من الحقد والحسد، حيث قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: 103).
والصيام يعلمنا الصبر والتحمل ويقوي الإرادة، حيث يصبر الإنسان على تناول المباحات من أجل إرضاء الله، فتبنى إرادته وتقوى عزيمته حتى يترك المحرمات.
والحج يعلمنا الانضباط في الزمان والمكان والأفعال، فالحج أشهر معلومة وأماكن محدودة وأفعال مخصوصة لا يمكن تجاوزها أو الزيادة عليها أو النقصان منها، إنه الانضباط في الأفعال والأقوال، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، (البقرة: 197)، إنها التربية الكاملة للنفس الإنسانية من خلال العبادات الإسلامية.
ثالثاً: حسن العلاقة مع الناس:
إذا كانت العبادات الإسلامية تسهم في تحسين العلاقة مع الله ومع النفس؛ فإنها تسهم كذلك في حسن العلاقة مع الناس، فالصلاة تثمر التواضع للناس والرحمة بهم وعدم التكبر عليهم؛ لأن المسلم يقف في الصف مع الناس ويفعل مثل ما يفعلون فلا تمايز ولا غرور، كما أن الصلاة تضبط أخلاق المسلم وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، فقد قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، (العنكبوت: 45).
والزكاة فيها الإحسان إلى الناس والتكافل والتراحم والعطف والمساعدة للمحتاجين.
والصيام فيه الشعور بالفقراء والمحتاجين، الذين يذوقون آلام الجوع والحرمان.
وأما الحج، فإنه يجعل الإنسان يمتنع عن القول الفاحش والجدال والسب والقذف، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة: 197)، كما يسهم الحج في غرس قيم الوحدة والمساواة بين الناس، فالجميع في مكان واحد يلبسون زياً واحداً، ويقولون قولاً واحداً، ويفعلون فعلاً واحداً ويدعون رباً واحداً، إنها الفريضة التي تجمع الأمة الإسلامية على قلب رجل واحد وفي مكان واحد، فمن حضر بجسده فقد أتم الله عليه النعمة، ومن لم يحضر بجسده فإن روحه حاضرة وشوقه إلى الحضور يعلو كل الأشواق.
___________________________
(1) أخرجه الترمذي في سننه بسند صحيح (2609).
(2) أخرجه الترمذي في سننه بسند صحيح (3175).
(3) أخرجه أبو داود (1319).
(4) عون المعبود شرح سنن أبي داود، العظيم آبادي (4/ 142).
(5) مسند أحمد (23087).