مطلع مايو 2024م، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يجرّم وصف دولة الاحتلال الصهيونية بأنها «عنصرية» أو «نازية»، وذلك ضمن سلسلة إجراءات تحاول القضاء على توسع الاحتجاجات المناصرة لفلسطين في الجامعات الأمريكية.
وحظي مشروع القانون الذي يوسع التعريف المعتمد في وزارة التعليم لمصطلح معاداة السامية، بما ينطوي على خلط بينه وبين انتقاد «إسرائيل»، بتصويت أغلبية من النواب بـ 320 صوتاً، مقابل 91 صوتاً، حيث صوت 70 نائباً ديمقراطياً و21 نائباً جمهورياً ضد مشروع القانون.
القانون هو معاداة السامية، ويشمل التعريف الجديد لها، وفقاً لمشروع القانون: “حرمان الشعب اليهودي من حقه في تقرير المصير من خلال الادعاء بأن دولة «إسرائيل» دولة عنصرية، وعقد مقارنات بين السياسة «الإسرائيلية» المعاصرة وسياسة النازيين”!
هذا معناه، وفق تغريدات ساخرة للأمريكيين على «تويتر»، أنه بإمكان أي أمريكي سب الرئيس الأمريكي واتهامه بالخيانة والعنصرية، ولكن لو قال أي أمريكي ذلك عن «إسرائيل» سيتم محاكمته وسجنه!
تمرير مجلس النواب في الكونجرس لمشروع قانون تعريف معاداة السامية هدفه التمكن من السيطرة على مظاهرات الطلبة الأمريكيين بشكل أوسع بعدما بات الطلاب يهتفون «إسرائيل» عنصرية ويصفون ممارسات الاحتلال بأنها نازية.
وهذا ثاني قانون يحاولون به حماية «إسرائيل» ومنع انتقادها في أمريكا بعد القانون الذي صادق عليه الكونغرس الأمريكي، في 6 ديسمبر 2023م، وينص على المساواة بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، ما جعل أمريكا رسمياً دولة صهيونية تُجرم من يعادي الصهيونية.
قانون عنصري
وفي مايو 2023م، أصدرت إدارة بايدن أول إستراتيجية لمكافحة معاداة السامية، ولكن إستراتيجية البيت الأبيض لم تتبن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى «الهولوكوست» (IHRA) الذي يتضمن 11 مثالاً على معاداة السامية، 7 منها تتعلق بـ«إسرائيل»، الذي كان سيعني تجريم إدانة سياسات «إسرائيل».
حيث استخدمت إستراتيجية البيت الأبيض تعريفات مختلفة للعداء للسامية، منها تعريف وثيقة «نيكسوس» (Nexus) وغيرها التي لا تعتبر انتقاد السياسات «الإسرائيلية» يدخل ضمن العداء للسامية.
إلا أن إستراتيجية مكافحة معاداة السامية لم تجعل من انتقاد الصهيونية ضمن تعريفات العداء للسامية؛ ما دفع منظمات يهودية للمطالبة بتجريم معاداة الصهيونية أيضاً لأنها، وفقاً لإستراتيجية بايدن، لا تعتبر معاداة للسامية.
وأخيراً ومع استمرار ضغوط المنظمات اليهودية الأمريكية الشهيرة، مثل رابطة مكافحة التشهير، واللجنة اليهودية الأمريكية، تم لهم ما أردوا، وصدر قرار الكونجرس باعتبار معاداة الصهيونية مثل العداء للسامية، مستغلين هجوم «طوفان الأقصى».
وقد وجهت لقرار الكونغرس انتقادات شديدة؛ لأنه بذلك سيجعل انتقاد «إسرائيل» وسياساتها عداء للصهيونية وتُعد معاداة للسامية!
وتُعرف معاداة الصهيونية بأنها حركة معارضة لفكرة إقامة دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية، والسياسات التي تنتهجها «إسرائيل» في سبيل ذلك، أما معاداة السامية فهي تعني التحيز ضد الشعب اليهودي والتعامل معه استناداً إلى أحكام مسبقة.
وقد لاقى التشريع الأخير الذي صدر في مايو 2024م لمنع وصف «إسرائيل» بأنها عنصرية أو نازية اعتراضاً واسعاً بين نواب في الكونجرس وجماعات حقوقية أمريكية، وصفه نواب، منهم النائب الديمقراطي جيري نادلر، وهو يهودي اعترض على مشروع القانون، بأنه يضع تعريفاً واحداً لـ«معاداة السامية»، ويمكن أن يضعف حرية التعبير التي يحميها الدستور الأمريكي.
وعبر محللون أمريكيون عن مخاوف من استخدام مشروع القانون ضد أي انتقادات للصهيونية أو «إسرائيل» باعتبارها معاداة للسامية، ومن المعروف أن الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي من الحزبين قد تلقوا تبرعات بملايين الدولارات من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة مقابل تقديم كل الدعم للاحتلال «الإسرائيلي».
موجه لطلاب الجامعات
ويطلب مشروع القانون من وزارة التعليم استخدام التعريف الصهيوني لمعاداة السامية، الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA) عند تطبيق قوانين مكافحة التمييز.
وينص مشروع القانون على أنه عندما تطبق وزارة التعليم القوانين الفيدرالية لمكافحة التمييز، ستستخدم تعريفاً لمعادة السامية طرحه التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (الهولوكوست)، وهو تعريف واسع يكبل حرية أي أمريكي في انتقاد «إسرائيل» ويؤدي لمحاكمته.
ويأتي التصويت في الوقت الذي تجتاح فيه الاحتجاجات المتجددة حرم الجامعات ضد الحرب «الإسرائيلية» في غزة، وتقوم الإدارة الأمريكية والكونجرس بشيطنة الطلاب وتقمعهم شرطة أمريكا بدعاوى أنهم إرهابيون وإخوان! حيث زعم أستاذ العلوم السياسية والتر راسل ميد، في مقال نشره بصحيفة «وول ستريت جورنال»، في 29 أبريل 2024م، أن الداعمين للاحتجاجات الطلابية من المتعاطفين مع الإخوان المسلمين.
كما زعم مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكي، أن جهات داخلية أو أجنبية هي التي تمول هذه الاحتجاجات داخل الجامعات الأمريكية، ليشوه الطلاب ويقول: إنهم إرهابيون، وزعمت قنوات أمريكية أن إرهابيين كانوا داخل اعتصامات الطلاب!
Speaker Johnson calls on the FBI to investigate campus protesters, because when he was at Columbia last week, he noticed many of the tents were the "same color make and model." Just breathtakingly idiotic and sinister. "Matching tents" = predicate for FBI investigation? Really??? pic.twitter.com/1RRdAhs1do
— Michael Tracey (@mtracey) May 3, 2024
وانتقد اتحاد الحريات المدنية الأمريكي القانون وقال: إن القانون الفيدرالي يحظر بالفعل التمييز والمضايقة المعادية للسامية من قبل الكيانات الممولة اتحادياً، وبالتالي ليس هناك حاجة إلى قانون للحماية من التميز المعادي للسامية، ورجح الاتحاد أن يؤدي القانون إلى تثبيط حرية التعبير للطلاب في الحرم الجامعي، من خلال المساواة بشكل غير صحيح بين انتقاد الحكومة «الإسرائيلية» ومعاداة السامية.
شيطنة الطلاب
وبجانب هذا القانون، سعى الحزبان الديمقراطي والجمهوري ونواب الكونجرس والشرطة والاستخبارات الأمريكية لشيطنة طلاب الجامعات؛ لأنهم هدموا واحدة من أكبر الصروح الصهيونية في أمريكا وأكذوبة المظلومية اليهودية وكشفوا عنصرية ونازية الاحتلال بجرائم الإبادة في غزة.
وانتقد نشطاء ومحللون ما أسموه المكارثية التي تحدث ضد الطلاب بشيطنتهم، التي تعيد للأذهان الحقبة المكارثية في الخمسينيات، وهي العملية التي قاد فيها السيناتور جوزيف مكارثي حملة بدعوى محاربة الشيوعية ضد كل من لديه ميول يسارية أو حتى نزعة سلامية أدت إلى اعتقال آلاف من الشيوعيين أو الذين يشك بأن لديهم توجهات شيوعية، وتمت محاكمتهم.
حيث يجري تصوير الطلاب ونشر صورهم لمنع توظيفهم في الشركات لاحقاً بدعاوى أنهم معادون للسامية (إسرائيل) وإرهابيون يؤيدون «حماس» التي هاجمت «إسرائيل»، واعتقالهم ومحاكمتهم.
واتهمهم عمدة نيويورك إريك آدامز بتلقي دعم من الخارج، وألقى باللوم في احتجاجات جامعة نيويورك على محرضين محترفين زعم أنهم يغسلون أدمغة طلاب جامعة كولومبيا التي تمثل نخبة الجامعات في العالم، وتحدث عن حماية الشباب بمساعدة الشرطة من الأفكار الراديكالية؛ أي تلقينهم ما يخدم «إسرائيل»!
أيضاً كرر أعضاء الكونغرس خطاب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو الذي يركز على مزاعم معاداة السامية في الاحتجاجات، رغم أن السيناتور اليهودي بيرني ساندرز رفض اعتبار انتقاد «إسرائيل» معاداة للسامية، ووصف مظاهرات الطلاب الأمريكيين بأنها سوف تعادل احتجاجات فيتنام بالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن.
"لا تُهِن ذكاء الشعب الأمريكي".. السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز يهاجم نتنياهو ويقول له إن الكشف عن جرائم حكومته "المتطرفة" ليس معاداة للسامية أو تأييداً لحماس. pic.twitter.com/GrvG5EAEJR
— TRT عربي (@TRTArabi) April 26, 2024
وضمن عملية الشيطنة، زعمت إدارة بايدن ونواب في الكونجرس ورؤساء جامعات أن احتجاجات الطلاب تزعج الطلبة اليهود، برغم أن كثيراً من اليهود يشاركون في المظاهرات ضد «إسرائيل» ويرفعون شعار «ليس باسمنا»؛ أي ليس باسم اليهودية تقومون بإبادة غزة.
خطط وأد مظاهرات الطلاب
وكان موقع «إنترسيبت» الأمريكي، كشف يوم 10 مارس 2024م، عن وثائق تؤكد أن وزارة الأمن الداخلي الأمريكية تكثف جهودها لاختراق الجامعات تحت ستار محاربة «حماس» أو ما تسميه النفوذ الأجنبي الخبيث لمنع مظاهرات الطلاب، وقال: تأتي هذه الحملة في الوقت الذي تبذل فيه وزارة الأمن الوطني جهوداً غير معلنة للتأثير على المناهج الجامعية لمحاربة ما تسميه التضليل، وفق المصدر ذاته.
ونال تركيز وزارة الأمن الداخلي على الاحتجاجات في الجامعات مباركة الرئيس جو بايدن، وفقاً للبيت الأبيض، ففي نهاية أكتوبر 2023م، قال مسؤولو الإدارة: إنهم يتخذون إجراءات لمكافحة معاداة السامية في الجامعات، وعيّنوا العشرات من خبراء الأمن السيبراني والأمن الوقائي في وزارة الأمن الداخلي للتعامل مع الجامعات، وجاء تحرك المباحث الأمريكية في ظل تخوف من تحول في المجتمع الأمريكي بفعل حرب غزة وعداء شعبي خاصة من الأجيال الجديدة للصهيونية والسياسة الأمريكية المناصرة لـ«إسرائيل».
وسبق أن كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، في 26 نوفمبر 2023م، ومع بدء التحركات في الغرب ضد العدوان على غزة ومشاركة طلاب جامعات، عن خطة أو إستراتيجية وضعتها حكومة الاحتلال مع اللوبي الصهيوني ضد طلاب الجامعات في أمريكا، قالت: إن الهدف منها شيطنة وتشويه والتشهير بالطلاب المتظاهرين وطلاب الجامعات في أمريكا وأوروبا بزعم أنهم يحرضون على كراهية اليهود ويعادون السامية.
وأوضحت أن الخطة تقوم على إلحاق عواقب اقتصادية وتوظيفية على الطلاب المعادين للسامية وإجبار الجامعات على إبعادهم عن حرمهم الجامعي، وزعموا أن مصادر التمويل (للطلاب) تأتي من دول مثل قطر، وبسبب صعود المنظمات الطلابية الإسلامية التي تتحدى القيم الغربية (في الجامعات الأمريكية)!
وتقوم الخطة «الإسرائيلية» على محاور، منها: التشهير بالمتضامنين مع غزة، بنشر أسماء الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الأمريكية الذين يتضامنون مع غزة، ومنعهم من الحصول على وظائف.
ومارس الملياردير الأمريكي اليهودي بيل أكمان دوراً في هذا المحور، من الزاوية الاقتصادية، ضمن هذه الخطة لشيطنة الطلاب ورصد من يتظاهر منهم وتهديدهم وقيادة حملة لمنع توظيفهم بعد التخرج، وكان له دور في استقالة رئيسة هارفارد.
أيضاً ساهم الإعلام الأمريكي في شيطنة طلاب الجامعات الداعمين لغزة وزعم أنهم معادون للسامية، ومع هذا بدأت جامعات في الولايات المتحدة الأمريكية الرضوخ لبعض مطالب الطلبة المحتجين الداعمين لفلسطين بعد اعتصامات استمرت عدة أيام؛ حيث كشفت قناة «CNN» الأمريكية أن جامعة كاليفورنيا ريفرسايد توصلت لاتفاق مع المحتجين لإنهاء اعتصامهم يوم 4 مايو 2024م، والاتفاق يتضمن تعهد إدارة الجامعة بالشفافية والإفصاح عن الاستثمارات وبرامج التعاون الأكاديمي مع الخارج.
كما أعلنت شبكة «NBC» الأمريكية أن جامعة فيرمونت ألغت خطاباً للمندوبة الأمريكية بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد استجابة لمطالب الطلبة المحتجين، أيضاً توصلت جامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي، وجامعة مينيسوتا، وجامعتا نورث وسترن في ولاية رود إيلاند، إلى اتفاقيات مع المسؤولين عن الحراك الطلابي لإنهاء المعسكرات الاحتجاجية، مع استمرار المحادثات بشأن مطالب الطلاب بسحب الاستثمارات من الشركات والجهات التي لها علاقات مع «إسرائيل».