في ليلة الأحد 5 مايو، حين كانت قناة «الجزيرة» تنقل عن مصدر قيادي في حركة «حماس» تحميله مسؤولية عدم التوصل لاتفاق لبنيامين نتنياهو، كانت وسائل الإعلام في العالم تنقل عن صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية، أن عدداً من الصحفيين «الإسرائيليين» قرر كشف هوية المصدر «الإسرائيلي» الذي يسرب (معلومات) إلى الصحافة تحت اسم «مسؤول دبلوماسي»، ويؤكد إفشال صفقة التبادل وعزم الحكومة «الإسرائيلية» اجتياح مدينة رفح، وأن هناك إجماعاً «إسرائيلياً» حول ذلك.
في الوقت نفسه، كانت وسائل الإعلام العبرية تؤكد رفض نتنياهو التوصل لصفقة، وكانت وسائل الإعلام العالمية نشرت، السبت، أخباراً عن وصول وفد حركة «حماس» والوفد القطري ومدير وكالة المخابرات الأمريكية وليم بيرنز إلى القاهرة، بينما رفض نتنياهو إرسال الوفد «الإسرائيلي» بقرار ذاتي اتخذه هو دون الرجوع لخلية الحرب.
وفي الوقت الذي كان فيه «الإسرائيليون» يتظاهرون في 70 موقعاً مطالبين نتنياهو بعقد اتفاق مع «حماس»، قال الجنرال عاموس يدلين، رئيس المخابرات العسكرية السابق: إن نتنياهو هو الأسير رقم 133 في يد سموتريتش، وبن غفير، هذا جاء في وقت كان فيه بن غفير يقول: «آمل أن يفي نتنياهو بالالتزامات التي قطعها معي الأسبوع الماضي وهو يدرك جيداً ثمن عدم الوفاء بها».
كل هذه الوقائع وغيرها الكثير تؤكد أن نتنياهو يرفض ويعارض ويعرقل التوصل لاتفاق مع «حماس» التي وضعت 6 قواعد أساسية لأي اتفاق، وهي: وقف نهائي لإطلاق النار والعدوان، انسحاب جيش الاحتلال «الإسرائيلي» من غزة، الإغاثة، الإعمار، حرية انتقال الفلسطينيين، تبادل الأسرى.
الوضع «الإسرائيلي» الداخلي سيئ، وأزماته تزداد؛ منها: خلاف حكومي، إقرار كبير بالفشل في غزة، عدم القدرة على إنجاز أي تقدم سياسي أو عسكري، اعتراف «إسرائيلي» بقوة المقاومة في غزة، الجبهة الشمالية مع لبنان تزداد انهياراً أمام عجز جيش الاحتلال.
على المستوى الإقليمي والعالمي تعمقت أزمة الاحتلال؛ إيران قصفت فلسطين المحتلة، اليمن يهدد بتوسيع المعركة للبحر المتوسط، تركيا أوقفت التجارة، عدد من الدول تراجع عن تزويد الكيان بالسلاح، الاحتجاجات تتسع في العالم، الحراك الطلابي في الولايات المتحدة غير مسبوق، مكتب المحكمة الجنائية الدولية أصدر بياناً يندد بالتهديدات التي تتعرض لها المحكمة لمنع إصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو، مشرعون أمريكيون عقدواً جلسات مع مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية لتهديدهم.
هنا نعود للسؤال: لماذا يرفض نتنياهو الاتفاق؟
إن قبول رئيس حكومة الاحتلال بشروط «حماس» التي تحظى كل يوم بمزيد من القبول عالمياً، يعني لنتنياهو:
1- إعلاناً كاملاً وشاملاً لفشل العدوان على قطاع غزة الذي استمر حتى الآن قرابة 7 أشهر واستخدم فيه الاحتلال كل قدراته.
2- احتمالاً كبيراً لانهيار الائتلاف الحكومي مع بن غفير، وسموتريتش اللذين يرفضان الاتفاق ويهددان بالخروج من الحكومة.
3- الرضوخ لمطالب وأهداف «حماس» خاصة الوقف النهائي لإطلاق النار وللعدوان، والانسحاب الكامل من غزة.
4- الرضوخ الكامل لشروط «حماس» بعدم الإفراج عن أسرى الاحتلال إلا باتفاق.
5- توجه المجتمع «الإسرائيلي» لانتخابات مبكرة سيكون الخاسر الأساسي فيها أحزاب اليمين.
6- عدم قدرة نتنياهو تحمل حديث العالم عن انتصار السنوار، والضيف، و«القسام» على حكومة وجيش الاحتلال.
7- فتح الباب أمام استقالات كبيرة داخل الجيش «الإسرائيلي» والأجهزة الأمنية وبدء التحقيقات الواسعة في كارثة هزيمة الاحتلال، في 7 أكتوبر.
8- ذهاب نتنياهو للمحاكمة حيث تنتظره ملفات تحقيق كثيرة.
9- انكشاف معلومات كثيرة ضخمة عن واقع الأسرى «الإسرائيليين» لدى «حماس»؛ من بقي منهم حياً؟ ومن قتله جيش الاحتلال..؟
10- ستكون هناك صدمة كبيرة هائلة هي صفقة تبادل الأسرى، حيث تتمسك «حماس» بصفقة وازنة تؤدي لإخراج المئات من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال وقيادات تاريخية ورمزية، محكومة بمدد طويلة، وهو ما لا يستطيع نتنياهو أن يتصوره.
هذا لا يعني عدم أو استحالة الاتفاق، فالواقع الفلسطيني يشهد صموداً هائلاً في قطاع غزة، والمقاومة صامدة وثابتة، والعالم يتحول لقبول اتفاق، وقدرة نتنياهو على التملص والمماطلة تتعقد وتزداد صعوبة.
وسوف يأتي الوقت الذي يرضخ فيه لشروط المقاومة والشعب الفلسطيني.