يبذل التيار الإسلامي المنظم بشكل عام جهوداً مخلصة في الدعوة الى الله تعالى، خصوصاً من بعد سقوط الخلافة الإسلامية، وانتشار الفكر العلماني، المتمثل بالقومية والشيوعية والناصرية.. إلخ، وأخيراً الليبرالية، التي تعمد إلى إقصاء الآخر، والتفرد بالسلطة، مهما كان مستواها.
وكانت كل هذه التيارات التغريبية مدعومة من الاستعمار السابق، من المعسكرين الشرقي والغربي، في سبيل ضمان بقائها واستغنائها، وانقسمت تلقائياً بحسب جغرافيتها ومصالحها.
وكما هي حال الصهيونية العالمية في قدرتها العالية على التخطيط، فقد تمكنت عبر عشرات السنين بدعم غربي واضح، من اختراق جميع المؤسسات الفكرية والتيارات السياسية بشتى اتجاهاتها، في كل العالم بلا استثناء، وأخذت تتلاعب بخيوط السياسة والحروب والإعلام والفكر.. وغير ذلك، واستطاعت إيجاد تيارات موازية في كل البلاد، وإشغالها في صراعات دائمة بلا هدف واضح، حتى إذا جلسوا مع بعضهم استغربوا لِمَ قاموا بكل ذلك؟!
وليس التيار الإسلامي بمنأى عن ذلك كله، من اختراقات ملموسة، وصناعة تيارات موازية تنافسها، أو تشوه سمعتها، أو تسحب البساط من تحتها، ومعطلة لأي مشروع تنموي لها، كما هو حاصل الآن في كل مكان في البلاد الإسلامية.
الأسوأ من ذلك أن يكرر التيار الإسلامي أخطاء أقرانه، أو يكرر مشاريع تصاعدية أو ديمقراطية أو سياسية أو سلطوية بحسن نية، أو سطحية سياسية، وهو يرى تجارب سابقة تم وأدها في مهدها من الخارج قبل الداخل، برسالة –خارجية – واضحة بعدم الرغبة بوجود أي حكومة ترفع الراية الإسلامية، كما حصل في البوسنة التي راح ضحيتها مئات الألوف من المسلمين، والجزائر بعد فوزهم بانتخابات رسمية، والانقلاب الاقتصادي على ماليزيا، وما يحصل الآن في جميع دول ما يسمى بـ«الربيع العربي»، التي تحولت إلى نهر الدم العربي، وجميع الدول الأخرى بلا استثناء! فهل وعى الإسلاميون المرحلة؟!
لقد كانت تركيا أنموذجاً يستشهد به التيار الإسلامي من القدرة على النجاح والتفوق، ولكن لكل بلد ظروفه وخفاياه السياسية، فنحن نرى النتيجة دون التفاصيل، ونعيش الواقع دون أدنى نظر إلى المستقبل.
أنا لست هنا مستأتذاً على أحد، وأكدت أن الجميع يسير بجهود حسنة النوايا، ولكني لست بالخب، والحكمة ضالة المؤمن، فلقد خسر التيار الإسلامي مواقع عديدة خلال السنوات الأربع الماضية، وكان الضحية عشرات الآلاف من الأنفس البريئة ما بين قتل واعتقال وتعذيب، بسبب قرارات متحمسة، واستعجال قطف الثمرة، وفقدان العديد من المنابر الإعلامية والاجتماعية وحتى الإنسانية، فهل وعى الإسلاميون المرحلة؟!
لقد باءت كل محاولات التيارات الإسلامية بالفشل القسري للوصول إلى السلطة، لأنها اضطرت أن تتعامل مع الديمقراطية، تلك الديمقراطية العرجاء التي انقلبت على أصحابها، لأنها كانت شماعة ووسيلة تروجها الصهيونية عبر وسائلها المتعددة، وهم آخر الناس تطبيقاً لها، والعالم شاهد على ذلك، فهل وعى الإسلاميون المرحلة؟!
ولا أدعو هنا إلى اليأس والقنوط، ولا أتهم أحداً بعينه، بل أدعو الى التريث وعدم الاستعجال، والتفكير برويّة، فما يقوم به أي تيار إسلامي –حقيقي أو وهمي– سينعكس بلا شك على الأمة الإسلامية، سلباً قبل الإيجاب، فما أسقط الخلافات الإسلامية السابقة: السطحية والانشغال بالدنيا والكبر والدولة العميقة، وما أكثرها في بلاد المسلمين!
نعم، ما زال المشوار طويلاً وبعيداً؛ لأننا لم نستحق بعد أن نتسيد العالم، فقلوبنا مريضة وشحيحة، وأظفارنا متشبثة بالدنيا، وعقولنا معلقة بالمال والمال والمال، ولا حديث سوى الجنس والطعام، فمن يعيش هذا الوسط كله، عليه أن يعي المرحلة.
تساؤل يفرض نفسه مرة أخرى: هل يعي الإسلاميون حقيقة المرحلة؟! لقد وضع الناس ثقتهم بكم، فلا تخذلوهم، والله يحفظ المسلمين من كل شر.
***********
قال حاتم الأصم: تأملتُ قول الله تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الزخرف: 32)؛ فعلمتُ أن القسمة من الله، فما حسدّتُ أحداً أبداً على خير أعطاه الله.
________________________
المصدر: «الوطن»، 1/ 12/ 2014م.