الأعمال العسكرية التي قامت بها «إسرائيل» في جنوب لبنان تستهدف من أول ما تستهدف ضرب العمل الفدائي، وحمل السلطات اللبنانيّة على إيقافه وتصفيته
والأعمال العسكرية هذه وما يحتمل أن ينتج عنها، تطرح قضيّة العمل الفدائيّ والمقاومة التي تفقد مواقعها موقعاً بعد موقع، وحريّتها جزءاً بعد جزء.
وما تعرّض له العمل الفدائي ويتعرض له في بلدٍ بعد بلد، ويومٍ بعد يوم، يطرح قضيّة المعركة كلّها مع «إسرائيل»، وقضيّة المصير على الزمن القصير والطويل.
فإذا كان هنالك تصميم حقيقيّ على خوض المعركة، معركة التحرير ومعركة المصير، فلا بدّ من العمل الفدائي.
أما إذا لم يكن هنالك تصميم حقيقي على خوض المعركة، ولم تكن شعارات المعركة أو أحاديثها إلاّ تخديراً أو خداعاً أو استغلالاً، فلا بدّ من تصفية العمل الفدائي والمقاومة، ولا بدّ أن تحاول ذلك الحكومات التي استسلمت للهزيمة، بهذا المبرر أو ذاك، وقد يستعجل بعض الحكام هذه الخطوة لأسباب، وقد يؤخرّها غيرهم لأسباب أخرى.
وإذن فليست القضية قضية هذا الموقع من المواقع التي ينطلق منها العمل الفدائي أو ذاك، وهذه الجزئية من جزئيات العمل الفدائي أو تلك.. وإنما هي من وراء ذلك كلّه قضية العمل الفدائي ذاته من حيث الأساس، وقضيّة معركتنا الكبيرة؛ معركة التحرير والمصير.
ونحن نؤمن أنه لا بدّ لنا من خوض هذه المعركة إذا أردنا لأنفسنا البقاء والنماء والمكان المناسب لنا في هذا العالم، وأداء رسالتنا التي يتوجب علينا أداؤها لخير البشر، كل البشر، في الحاضر والمستقبل، ونؤمن أنّه لا بدّ لنا من أن نقدّم لهذه المعركة كل ما تحتاجه من تضحيات، وأن نرتفع إلى مستواها إيماناً وصدقاً، وعلماً ووعياً، وجهاداً وبذلاً على كلّ صعيد.
وإذا كان لا بدّ من المعركة عندنا، فلا بدّ من العمل الفدائيّ -على كلّ ما نأخذه عليه في واقعه، ونطلبه منه، ونتمناه له، للقيام بمهمته وواجبه- فهو ضرورة من ضرورات المعركة، وركن من أركانها، ومذكي الشعلة التي يجب ألاّ تنطفئ.
ونحن نربط بين محاولات تصفية العمل الفدائي أو تقييده وخنقه، ومحاولات تصفية قضيّة فلسطين، والتخليّ عن معركة المصير والتحرير، وندعو العرب والمسلمين -والمعركة معركتهم جميعاً- إلى حمايته ومساندته بكل الوسائل، ومساعدته على أن يتحرر من كلّ النواقص والأخطاء، ومن كل عناصر الاستغلال والانحراف، ومن كل التأثيرات التي تخرجه عن هدفه النبيل، والتعاون معه ليؤدي دوره الكبير على أحسن وجه.
يجب ألاّ يترك العمل الفدائي أبداً فريسة منفردة للسلطة في بلد بعد بلد، وألاّ يسمح بالقضاء عليه مرحلة بعد مرحلة، والذين يتركونه فريسة للقوى الداخليّة والخارجيّة، ويسكتون عن محاولات القضاء عليه، يشاركون بسكوتهم وسلبيتهم في تصفيته، ويساعدون -ولو لم يقصدوا- على تحقيق مخططات الصهيونيّة والاستعمار.
إنّنا نعلن وقوفنا مع العمل الفدائي في هذه الأيام الصعبة، ونحذّر من ضربه ومحاولة القضاء عليه، من أيّ جهةٍ من الجهات، ونطالبه ونطالب له بكلّ ما تستلزمه معركة التحرير والمصير، كما نطالب الدول العربية كلّها بان تكون على مستوى هذه المرحلة الحاسمة إخلاصاً وإدراكاً وشجاعةً وإقداماً، وأن تحزم أمرها، وتوحّد جهودها، وتحشد كل إمكاناتها للمعركة، فلا سبيل لنا إلاّ هذا السبيل.
وتستطيع الدول العربية إذا اجتمعت قواها المتفرقة، وتوحّدت جبهاتها المنقسمة، وصمّمت تصميماً قاطعاً على مجابهة العدو، أن تتلاقى مع العمل الفدائي على مخطط مشترك، يحدد الأدوار والمراحل، ويوصل إلى أحسن النتائج، وتنتفي به المحاذير القائمة الآن بسبب عدم التخطيط المشترك والاختلاف في الآراء والمواقف، ويتقدم في نطاقه الجميع، بقيادة واحدة، وخطى متناسقة، إلى النصر المؤزّر -إن شاء الله- مهما طال الزمن، وعظمت التضحيات. ولا يعود العدوّ قادراً عندها على الانفراد بكل دولة على حدّة والآخرون يتفرجون، ولا تعود بعض دولنا تخاف كلّ هذا الخوف ردود الفعل «الإسرائيلية»، فتقوم عن العدو يضرب الفدائيين، وبالدفاع عن وجوده الباطل على حساب وجودنا، وحدوده التي اغتصب بها أرضنا وأهلنا، وهذا غاية الاستسلام والذلّ والعار.
إنّ التصميم النهائيّ على خوض المعركة، والإعداد الحقيقي لها، والتحرك في طريقها، هو الذي ينقذنا مما نحن فيه، ويفتح لنا طرق الأمل والنصر والمستقبل الجدير بالتطلع إليه.
فلنتقدم بقوّة وعزم، ولنواجه مجتمعين بإيمانٍ وتصميم معركة التحرير والمصير، معركة فلسطين والعرب والمسلمين.
_____________________
من كتاب «في فلسطين آراء ومواقف».