لا يرتبط الإحساس بالأمل والتفاؤل بعمر الإنسان، بقدر ما يرتبط بنظرة المرء لحياته والهدف منها، فقد يكون شاباً ويشعر باليأس والإحباط، بينما شيخ مسن تملؤه الحيوية والنشاط، فلماذا؟
قراءة معمقة لنتائج عدد من الدراسات العلمية، مع تدبر آيات القرآن الكريم، كفيلة بفك هذا الاشتباك، مع أهمية عدم تغليب النظرة المادية للحياة، ورؤية الأمور من زوايا أخرى، قد تضيف للإنسان معاني جديدة للحياة، والشيخوخة، وما بعدها.
يقول باحثون: إن التشبع بمواقف المجتمع السلبية من الشيخوخة قد يكون لها تأثير على المرء، وإن الأشخاص الذين يتملكهم الخوف من الشيخوخة تظهر عليهم أعراض التقدم في السن بسرعة أكبر، وفق دراسة أمريكية.
لكن الحال تختلف في الإسلام، من خلال 4 أمور تمنح المرء الأمل والتفاؤل، هي:
أولاً: توافر نظرة روحانية وإيمانية في الكبر، يقول تعالى: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت: 5)، وهنا المسلم يشتاق إلى لقاء الله تعالى، وإلى جنانه، وبالتالي فهو يعيش مرحلة يكون فيها قريباً من خالقه، يناجيه ويتضرع إليه، لا وقت لديه للإحباط والاكتئاب وغيره، فهو شغوف بقرب لقاء الله سبحانه.
يقول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصّلت: 30)؛ وهو وعد رباني بعدم الإصابة بالخوف والحزن، وهما أمران كثيراً ما يداهمان من يتقدم بهم قطار العمر.
ثانياً: إضافة إلى الأمل، يحارب الإسلام اليأس والقنوط، بل إن القرآن الكريم يقرن اليأس بالكفر، فيقول الله على لسان سيدنا يعقوب بعدما فقد ابنيه يوسف وأخاه، مخاطباً أبناءه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
وبعدما حرم اليأس، فتح القرآن طاقة من نور لليائس والقانط، فخاطبه المولى عز وجل فقال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزّمر: 53)؛ ما يعني أن الأمل أهم ذخيرة لدى المسلم، وسر سعادته، وكنزه الدفين الذي به يقهر الصعاب، ويتغلب على المستحيل.
ثالثاً: مع الرجاء في لقاء الله، وعدم اليأس، يأتي العامل الثالث في منظومة الإيجابية، وقد عبرت عنه دراسة صادرة عن جامعة ييل الأمريكية، بالقول: إن من يتقبلون الأمر برحابة صدر يمكن أن يعيشوا سنوات أطول ممن يحاولون الكف عن التدخين؛ أي أن من يعيش منشرح الصدر سيكون في حال أفضل؛ يقول الله عز وجل: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139)، وقد ثبت أن الإحساس بالوهن يضعف من جهاز المناعة ويسبب الاضطرابات النفسية، بينما المؤمن لا يضعف ولا يجبن، وقد جاءت هذه الآية بعد غزوة «أُحد» لتخفف عن المسلمين ما نزل بهم، وتطلب منهم ألا يستسلموا للضعف والهزيمة، ولا ييأسوا من نصر الله، بل عليهم أن يواجهوا الموقف بقوة وصلابة؛ لأن مكانتهم في الدنيا والآخرة أسمى وأرفع من مكانة أهل الكفر، فكانت هذه الآية تعزية للمسلمين، وحثًا لهم على قتال عدوهم، ووعدًا لهم بالنصر.
رابعاً: اكتساب الشعور بالرضا يعزز منظومة الأمل والتفاؤل، ويحجب عن النفس مشاعر اليأس والقنوط والإحباط والاكتئاب والقلق وغير ذلك من الأمراض النفسية، وهذا الشعور يمنحه القرآن ضمن وسائله التربوية، حينما يهذب النفس البشرية ويدعوها إلى الرضا، يقول تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (البقرة: 216).
ويعزز الذكر الحكيم رضا المسلم فيخاطبه الله جل وعلا: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (النحل: 127).
ويعيد تذكيره، مخاطباً: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ) (يونس: 107)؛ ليزداد يقين المؤمن بأمر الله، وحكمته، وتدبيره؛ فيرضى، ويثق فيما عند خالقه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم، أكثر الناس تفاؤلاً برحمة الله تعالى، وكان يحضّنا على التفاؤل والرضا، في الحديث الصحيح يقول ﷺ: «من قال: رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولًا وجبت له الجنة»، وفي اللفظ الآخر: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا».