يضرب اليمنيون المثل في التكافل الاجتماعي، تلك العادة الراسخة التي تجسد قيم التعاون والتراحم والتضامن بين أفراد المجتمع، وتبرز بشكل خاص في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن، حيث تصبح شريان الحياة الذي يساعد على الصمود وتحمل أعباء الأزمات.
ومنذ القدم، عرف اليمنيون بالتكافل الاجتماعي، ونشأ هذا المفهوم من إيمانهم الراسخ بأهمية مساعدة بعضهم بعضاً، وتقديم العون للمحتاجين، وتبدت صوره في مختلف جوانب الحياة، من مساعدة الجيران وتقديم الطعام للمحتاجين، إلى كفالة الأيتام ورعاية الأسر الفقيرة.
وبرز دور التكافل الاجتماعي بشكل جلي خلال سنوات الحرب المستمرة منذ 9 سنوات، حيث خفف من معاناة الكثيرين من اليمنيين، فقد قامت الأسر اليمنية بمساعدة بعضها بعضاً بتقديم المساعدات الغذائية والمالية، كما نظمت العديد من المبادرات المجتمعية لجمع التبرعات وتوزيعها على المتضررين.
ولم يقتصر دور التكافل الاجتماعي على تقديم المساعدات المادية فقط، بل ساهم أيضًا في تعزيز الكرامة الإنسانية لليمنيين، فقد وفر التكافل الاجتماعي شعوراً بالأمان والاطمئنان، كما ساعد على الحفاظ على تماسك المجتمع وترابطه.
ثروات طبيعية وأزمة إنسانية
وعلى الرغم من أن اليمن يعد من البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، حيث يمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، بالإضافة إلى ثروة سمكية وزراعية هائلة، فإن الشعب اليمني يعاني من أزمة إنسانية مروّعة، حيث يهدد شبح الجوع ملايين اليمنيين، ولا سيما النازحين الذين يعانون أكثر من غيرهم.
وتشير التقديرات الأممية إلى أن 4 ملايين نازح في اليمن يواجهون خطر الجوع بمعدل أربعة أضعاف غيرهم من السكان، ويضطر 62% من النازحين إلى تقليل وجباتهم اليومية، بينما يعجز 89% منهم عن تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية بعد مرور 9 سنوات من الصراع.
وتُعدّ الصراعات الأهلية والحرب الدائرة في اليمن منذ قرابة عقد من الزمن السبب الرئيس للأزمة الإنسانية المروّعة، وتؤثر هذه الصراعات بشكل مباشر على الأمن الغذائي، وتُعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
وفي هذا السياق، حذرت 67 منظمة غير حكومية محلية ودولية من أن استمرار الصراع وتنامي الأزمة الاقتصادية سيؤديان إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، ودفع ملايين اليمنيين إلى هاوية الفقر والجوع.
كما تُشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن 21.6 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، بينما يعاني 11 مليونًا من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج 5 ملايين طفل إلى دعم غذائي منقذ للحياة.
تكافل اجتماعي
ووسط هذه المأساة، يجسّد التكافل الاجتماعي قيمًا راسخة من التعاون والتراحم والتضامن، التي تُعدّ سمة أساسية لهذا الشعب العريق، وتبرز صوره جليةً في مختلف المجالات، خاصةً في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن جراء الصراع المستمر، ومن أبرز صور التكافل الاجتماعي في اليمن:
– إطعام المحتاجين: فتحت الأسر اليمنية بيوتها وقلوبها لتقديم وجبات غذائية للمحتاجين، وتحولت بعض المطاعم إلى موائد خير تُطعم الفقراء، كما نظمت حملات لجمع التبرعات لشراء المواد الغذائية.
– مساعدة الأقارب: خصص الكثير من اليمنيين جزءًا من رواتبهم لمساعدة أقاربهم المتضررين من الحرب، تجسيدًا للترابط الأسري وتقديم الدعم المادي والمعنوي.
– كفالة الأيتام: تُعدّ كفالة الأيتام من صور التكافل الاجتماعي الراسخة في اليمن، تعزيزًا لقيم التضامن الإنساني وبناء مجتمع مترابط، وتنتشر جمعيات كفالة الأيتام في جميع أنحاء اليمن، وتعمل على توفير الرعاية والدعم لهم.
– مساعدة المرضى: وفرت بعض الأسر الأدوية مجانًا للمرضى المحتاجين، تخفيفًا لمعاناتهم وتوفير احتياجاتهم العلاجية.
– إعانة الشباب: ساعدت بعض الأسر اليمنية الشباب على إقامة زفافهم، تأكيدًا على دعمهم في بداية حياتهم الزوجية وتحقيق أحلامهم.
– حملات توعية صحية: تُنظم مجموعات من الأطباء المتطوعين حملات توعية صحية مجانية لنشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع، وتعزيز الصحة العامة وبناء مجتمع سليم.
– مساعدة النازحين: قدم اليمنيون مساعدات كبيرة للنازحين من مناطق الصراع، حيث قاموا بفتح بيوتهم لهم وتقديم المساعدات الغذائية والمالية.
نتائج ملموسة
أدى التكافل الاجتماعي دورًا مهماً في التخفيف من حدة الأزمات الإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمني، وساعد على توفير الاحتياجات الأساسية للمحتاجين، وتحسين ظروفهم المعيشية.
وأظهر التكافل الاجتماعي روح الصمود والعزيمة لدى الشعب اليمني، ورسخ ثقافة التعاون والتضامن في مواجهة التحديات، وأثبت قدرة اليمنيين على تجاوز الصعاب.
وساهم التكافل الاجتماعي في تقوية الروابط بين أفراد المجتمع اليمني، وتعزيز شعور المواطنين بوحدة النسيج اليمني الواحد، وتخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي، مما أدى إلى عدم انهيار الجبهة الداخلية برغم مآسي الحرب.
لقد تحوّل التكافل الاجتماعي في اليمن من قيمة إنسانية راسخة إلى سلاحٍ ناجعٍ في مواجهة الحرب الدائرة منذ سنوات، حيث تجاوز دوره التقليدي ليصبح رافعةً أساسيةً للحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية وتحقيق الصمود في وجه مختلف التحديات.
فقد أدرك اليمنيون، بوعي فطري وإيمان عميق بقيم التراحم والتآخي، أن التكافل الاجتماعي هو سبيلهم للنجاة من ويلات الحرب وعبء الحصار، فاتخذت الأسر اليمنية من معنى التراحم وقيم الإسلام دستورًا لها في إعانة المحتاج وإطعام الجائع، ونبضت مشاعر التكافل في كل شبر من أرض اليمن، من المحافظات إلى المديريات، ومن المدن إلى القرى، لتصبح سداً منيعًا في وجه من أراد لهذه البلد السقوط.