يحتفل العالم في مايو من كل عام، بما يسمى «اليوم العالمي للضحك»، الذي دعا إليه الطبيب الهندي مادان كاتاريا عام 1998م.
وتقوم جهات عدة، في دول أوروبية وغربية، بتخصيص 3 دقائق للضحك، في هذا اليوم، الذي يوافق الأول من الشهر الجاري، بدعوى تحسين الحالة المزاجية للإنسان، وإدخال السعادة إلى القلوب.
وتخصص دول أندية وقاعات للضحك، حيث يوجد نحو 6 آلاف نادٍ من نوادي الضحك في العالم، تقوم بتنظيم فعاليات على مدار الشهر، من أجل الضحك، انطلاقاً من أن الضحك لمدة دقيقتين في اليوم يعادل نفس تأثير ممارسة الرياضة لمدة 20 دقيقة.
يقول خبراء علماء النفس: إن الضحك يعمل على تنشيط 80 عضلة في الجسم، كما يقوي نظام المناعة، وينشط المخ والقلب والأوعية الدموية، ويخفف من الآلام التي يشعر بها الإنسان، إضافة إلى قدرته على تحفيف التوتر والخروج من حالات القلق والإحباط والاكتئاب.
وتؤكد دراسة هولندية أن العلاج بالضحك يمكن أن يكون وسيلة علاجية، حيث يحفز الضحك جسم الإنسان على إفراز هرمون «الإندورفين»، الذي يقاوم التوتر النفسي ويطلق مشاعر السعادة.
ويفيد باحثون أمريكيون في دراسة مقدمة إلى الكلية الأمريكية للقلب بولاية فلوريدا، بأن جرعة يومية من الضحك قد تكون مفيدة للقلب، وأن الاكتئاب يمكن أن يزيد خطر الوفاة بالأزمات القلبية.
وقد حث الإسلام على التبسم، وجعل له آداباً، فقد كان النبي صلى الله ليه وسلم بسَّاماً، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم أول رجل يدخل الجنة، وآخر رجل يخرج من النار، يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، ويُخبأُ عنه كبارها، فيُقالُ له: عملت يوم كذا وكذا كذا، وهو مُقِرٌّ لا ينكر، وهو مشفق من كبارها، فيُقال: أعطوه مكان كُلَّ سيئةٍ عملها حسنة، فيقُول: إن لي ذُنُوبًا ما أراها ها هنا!»، قال أبو ذرِّ: فلقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه. (أخرجه مسلم)، ومن هذه الآداب:
أولاً: أن المسلم يقتدي بسُنة نبيه الكريم، وهي أن يكون ضحكه تبسمًا؛ وأنبياء الله كان أكثر ضحكهم تبسماً.
يقول الإمام الترمذي في كتابه «شمائل النبي صلى الله عليه وسلم»: كان هديه صلوات ربي وتسليماته عليه في الضحك وسطاً كسائر أموره، جُلُّ ضحكه التَّبسُّم، وإذا ضحك بصوت لا يكون قهقهة، وإنما هو صوت يسمعه القريب دون البعيد.
قال العلامة العثيمين: الضحك ثلاثة أنواع؛ ابتدائي، ووسط، ونهائي، الابتدائي: التبسم، والوسط: الضحك، والنهائي: القهقهة، والقهقهة لا تليق بالإنسان العاقل.
ثانياً: تبسم المسلم صدقة، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تبسُّمك في وجه أخيك صدقة» (أخرجه الترمذي)، وهذا التبسُّم مما يجلب المودة والمحبة بين المسلم وأخيه.
ثالثا: ألا يتكلف الضحك، وألا يضحك من غير سبب، قال الله سبحانه وتعالى عن نبيه سليمان عليه السلام، عندما سمع كلام النملة: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا) (النمل: 19)؛ يقول المفسرون: إن ضحك نبي الله سليمان من قول النملة كان تعجبًا؛ لأن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك.
رابعاً: أن يحذر المسلم من كثرة الضحك؛ لأنها تميت القلب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلمهنّ من يعمل بهنّ؟»، قال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسًا، قال: «اتّق المحارم تكُن أعبدَ النّاس، وارضَ بما قسَم الله لك تكُن أغنى النّاس، وأَحسن إلى جارك تكُن مؤمنًا، وأحِبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مُسلمًا، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب» (رواه أحمد، والترمذي، وحسنه الألباني).
والمنهي عنه في هذا الحديث ليس مجرد الضحك، بل كثرته، لما يمكن أن يؤدي إليه من عواقب، فقد يخرج عن المألوف، وقد يستفز البعض، فيعتبرونه سخرية منهم، فكل شيء خرج عن حده انقلب إلى ضده.
خامساً: أن يتجنب الضحك استهزاء بعباد الله، أو عبر المزاح الكاذب من خلال إطلاق النكات وغيرها، فقد كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، وقد يكون جزاء هذا الضحك في الدنيا حسرة يوم القيامة؛ قال الله عن الكافرين: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ {106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) (المؤمنون)، فيأتيهم الجواب من الله: (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ {108} إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ {109} فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ) (المؤمنون).